700 أسرة مهددة بالمبيت في الشارع: ما الذي يحدث في حي جنّاعة؟

700 أسرة مهددة بالمبيت في الشارع: ما الذي يحدث في حي جنّاعة؟

الأربعاء 25 كانون الثاني 2017

«بَدير على حالي وعلى ولادي كلهم كاز وبنحرق حالنا كلنا، ولا بطلع من هون. أنا انولدت بجنّاعة وربيت بجنّاعة وورثت هالبيت من أبوي، وراح أورّثه لولادي». هذا كان رد الأربعيني ماهر علي على الحكم القضائي الذي قد يتم بموجبه إخلاؤه مع نحو 700 عائلة أخرى من البيوت التي يسكنونها في حي جنّاعة في الزرقاء لأن «ملكية الأرض القائمة عليها تعود لغيرهم».

الحكم القضائي صدر في منتصف شهر كانون الثاني الحالي عن محكمة صلح حقوق الزرقاء، بعد أن قدّم أحد ورثة المواطن بهاء الدين الشيشاني للمحكمة وثائق تقول إن قطعة الأرض الواقعة في حوض «السكة» داخل حدود القطعة رقم 18، التي تبلغ مساحتها 28 دونمًا ونصف، تعود ملكيتها لهم.

ولا تملك العائلات صاحبة البيوت القائمة على الأرض وثائق قانونية مسجلة في دائرة الأراضي تثبت عكس ذلك، لكنهم يقولون أنهم يملكون «حجج بيع وشراء بينهم وبين ملاك الأرض من عائلة الشيشاني»، لكنهم لم يسجلوها بشكل رسمي.  

جنّاعة حيٌ يقع بالقرب من ملعب كرة القدم القديم لمحافظة الزرقاء، ومقابل مبنى مديرية شرطتها وسكتها الحديدية القديمة، تقدر مساحته بنحو 255 دونمًا، معظمها مملوك للحكومة. ولقربه من مخيم الزرقاء للاجئين الفلسطينيين، امتدت العمارة إليه من المخيم الذي أسس عام 1949 إلى أن بات يشبهه إلى حد بعيد، مكتظ بسكانه وعماراته، وضيق بشوارعه وحواريه.

كان الشيشان من أوائل من سكن تلك المنطقة بداية القرن العشرين، قبل تشكيل إمارة شرق الأردن، ووصلوا عام 1903 إلى المنطقة القريبة من حي جناعة ومن السكة الحديدية التي كانت تربط الحجاز عبر الشام بتركيا، وعملوا في الزراعة بعد أن استصلحوا أراضي المنطقة وتملكوا مساحات واسعة منها من الدولة العثمانية.

ماهر، واثنان من أبنائه، على سطوح منزلهم في حي جناعة بالزرقاء (فوق)، ومنظر للحي من سطح المنزل (يمين) ومن أحد أزقته (يسار).

ماهر علي، أبو يزن، يبلغ من العمر 46 عامًا ويسكن الحي منذ أن وُلد في بيتٍ ورثه عن والده، ويعيش فيه الآن مع أفراد عائلته، ولم يفكر يومًا بتركه أو بيعه. ويقول إن الأرض التي بني عليها بيته اشتراها والده من بدري بهاء الدين، ابن صاحب الأرض الأوّل، والذي شغل منصب رئاسة بلدية الزرقاء في ثمانينيات القرن الماضي.

«جدي هو اللي بنى على هاي الأرض أوّل ما إجوا من فلسطين»، يقول ماهر. «أخذها من والد بدري بهاء الدين، وبنى عليها، بعد ما اشتراها بورقة محاججة».

وبحسب مختار الحي محمد أبو السعيد، فأوراق «المحاججة» هي ورقة بيع وشراء كان يُأخذ بها بين الناس قديمًا لإثبات ملكية أرض أو شيء لكن الدولة لا تعترف بها الآن، إذ تعتبر فقط ورقة عرفية لم تخضع للإجراءات القانونية. وفي عام 1953 أصدرت الدولة الأردنية قانون تسوية الأراضي لتنظيم ملكية الأراضي، واعتبرت أن أي عملية بيع وشراء خارج حدود دوائر الأراضي غير قانونية.

«من أوّل ما وعينا على الدنيا بنعرف إنه الأرض لبدري بهاء الدين»، يتابع ماهر، «بس كنا نعرف إنه في أوراق بيننا وبينه بتثبت حقنا. علشان هيك الكل أخذ راحته وبنى وعمل كل شيء. ولو إحنا عارفين حالنا قعدتنا غلط بهاد الحي، ما بكون مضروب على أيدي أعمّر بالبيت تاعي كمان طابقين وأصرف كل هاي المصاري».

يقول ماهر إنه يدفع الضرائب المترتبة على بنائه بشكل دوري، كما أن البلدية تتعامل مع الأبنية بطريقة قانونية وتوفر لهم إمدادات مياه وكهرباء وغيرها، إلا أن هذا المعاملات غير مرتبطة بالأرض عادةً إنما بالبناء.

ماهر يشير إلى الموقع الذي كانت تسكن فيه عائلة الشيشاني على الطرف الآخر من الحي.

ويقدر عدد السكان ضمن الأرض المتنازع عليها بنحو خمسة آلاف شخص ينتمون إلى نحو 700 عائلة، كما يقول مختار الحي محمد أبو السعيد، الذي يُهدد الحكم القضائي بقائه في الحي كباقي العائلات.

وكانت عائلة أبو السعيد من العائلات التي توافدت إلى الحي بعد أن عرض بهاء الدين الشيشاني الأرض للبيع في نهاية أربعينات القرن الماضي. يقول الرجل السبعيني: «انطرحت الأرض للبيع عن طريق بهاء الدين عبد الله اللي كان يبيع الناس الأرض بآخر الأربعينات.. أوّل الخمسينات، بحجج بمساحات محدودة، 70 متر أو 80 متر بس مش أكثر من 100 متر. إحنا كنا سكان الرصيفة وإجينا واشترينا بورقة محاججة، وبنينا بيت من الطين. (..) تطورت الحياة والناس هدّت بيوت الطين وبلشت تبني بيوت من حديد وإسمنت، وتمد كهربا ومي، وتبيع وتشتري بينها على أوراق المحاججة».

مختار حي جنّاعة، محمد أبو السعيد.

حتى العام الماضي، لم يطالب أي من أبناء أو ورثة بهاء الدين الشيشاني بملكية الأرض، أو طالب الأهالي بمحاولة تصويب الأمور، كما يقول أبو السعيد. «أولاد الشيشاني صاروا بعدها رؤساء بلدية ومسكوا دائرة الأراضي بالزرقا، بس عمرهم ما طالبوا بملكية الأرض أو صار مشكلة على الموضوع، حتى السنة الماضية».

ووصل إلى أهالي الحي العام الماضي إنذار عدلي من كاتب عدل محافظة الزرقاء، صادر باسم السيدة أسماء بهاء الدين عبدالله عادل، إحدى ورثة بهاء الدين عن طريق مكتب محاميها ليث الشمايلة.

«طلع معهم قوشان من عام 1954 بقول إنه الأرض لبهاء الدين»، يقول أبو السعيد، «بس ما كنا نعرفه إنه في محاكمة، ما حد منا حضر أو شيء، تفاجئنا بالحكم زينا زيكم».

أحد سكان الحي يعرض إنذارًا عدليًا يطالبه بإخلاء عقاره.

ليث الشمايلة محامي ورثة عائلة بهاء الدين، يقول إن العائلة وجهت قبل الإنذارات العدلية 1500 إشعار إلى أهالي المنطقة، تطالب فيها العائلات التي تملك حججًا أو وثائق تثبت ملكيتها للأرض التي تقيم عليها بيتها أن تقدمها للعائلة، لكنه يقول إنه «لم يكن هناك استجابة»، وهو ما دفعهم لتوجيه الإنذار العدلي.

الشمايلة يقول إن العائلة لا تسعى فعليًا إلى تهجير الأهالي من بيوتهم، إنما تسعى إلى إيجاد حل يرضي الجميع ويرد الحق إلى أصحابه.

وعند سؤاله عن السبب وراء تجاهل المطالبة بالأرض حتى الآن، يجيب الشمايلة: «إذا كان في إلك أرض ونسيتها أربعين، خمسين سنة ورجعت طالبت فيها، بكون في مشكلة ؟ (..) صحيح كان الأصل يتصوب هذا الموضوع من هذيك الفترة وما تم تصويبه، والآن لازم يتصوب. يعني الجماعة إلهم أربعين خمسين سنة عايشين بالمجان، وهسا صار لازم جهة حكومية تستلم الموضوع وتحله».

ويتابع: «حكم المحكمة حكم أوّلي بس إذا صدر حكم نهائي لازم يتنفذ، لأنه إحنا بدولة قانون ونظام، أتوقع إنه أي شخص إله قطعة أرض ومعمر عليها من قبل شخص لا يملكها إله الحق بأن يستردها ما دام ليس هناك أي مسوغ قانوني بساعده».

حياة القاطنين في الحي تغيرت تمامًا منذ بداية «الأزمة» والآن بات خطر التهجير «الحقيقي» بالنسبة لهم بعد صدور القرار القضائي، كما يقول عضو اللجنة المحلية التي شكلها الأهالي لمتابعة الموضوع، المهندس عطا الله حمدان.

حمدان يؤكد أن أهالي الحي باتوا يدركون خطورة الموقف وأنهم يحاولون قدر الإمكان الوصول إلى حل منطقي أيضًا. «أنت شايف كيف الناس هاي ساكنة هون، يا دوب قادرة تعيش. كيف ممكن يجيبوا مصاري يشتروا الأرض ويدفعوا للمحامي؟»، يقول حمدان. «هاي الناس إذا طلعت من هون راح تروح على الشارع».

عطا الله حمدان، عضو اللجنة المحلية المكلفة بمتابعة قضية الحي.

ويتابع: «بلشنا نشوف كيف ممكن نحل الموضوع، بس بما إنه صدر حكم قضائي، فالموضوع صار بده تدخل من الملك»، ووجه أهالي الحي مناشدة للملك يطالبونه فيها بالتدخل وحل الموضوع ببقاء الوضع كما هو عليه بالنسبة لهم.

ولم يتم استنئاف الحكم القضائي حتى الآن، كما يقول حمدان، لكنه يؤكد أن العائلات تأخذ الجانب القانوني للموضوع بالحسبان ومن المتوقع أن توكل محاميًا لمتابعة الموضوع بعد جمع تبرعات لسداد اتعابه.

الحياة في الحي والجزء المهدد بالاخلاء فيه لم تتجمد، فما زال الأطفال يلهون في الشوارع رغم ضيقها، ولديهم فكرة عن الأزمة التي تحيط بهم، لكن ربما لا يدركون مدى خطورتها.

يسعى عدد من الوجهاء والإدارات المحلية بمحافظة الزرقاء إلى حل الموضوع لكنهم يدركون مدى صعوبته دون تدخل حكومي مباشر. وحسبما قال رئيس البلدية عماد المومني لصحيفة السبيل، فإن الموضوع أكثر تعقيدًا من قضية أراضي الجبيهة التي تم حلها بالتراضي بين الأطراف بالنهاية عبر دفع مبلغ من المال لصاحب الأراضي.

وقال المومني لموقع خبرني إن الوضع الاقتصادي لأهالي الحي الفقير بالزرقاء لا يسمح لهم بالوصول إلى حل يشبه هذا، داعيًا الدولة للتدخل والحفاظ على الأمن الاجتماعي للمنطقة وإنصاف أصحاب الأرض الأصليين.

طفلان يلعبان في أماكن مختلفة من الحي.

النائب عن محافظة الزرقاء محمد الظهراوي يقول إن هذا الملف يشهد حراكًا برلمانيًا مهمًا خلال هذه الفترة، مشيرًا إلى أن عددًا من نواب محافظة الزرقاء يحاولون التوصل مع الحكومة إلى حل منصف لجميع أطراف القضية.

يقول الظهراوي: «الحلول المقترحة هسا يا إما أصحاب البيوت يدفعوا حق الأراضي بحسب ثمنها اللي كان موجود قبل 30 أو 40 عام، أو إنه تعتبر قضية رأي عام وقضية سياسية ويتم التعامل مع الأرض زي ما تم التعامل مع أصحاب أراضي مخيم الزرقا وشلنر، وترضيهم الحكومة».

وكانت محكمة بداية حقوق جرش قد رفضت في آذار الماضي إزالة المباني بمخيم جرش المقامة على أراضي تعود لمواطنين وذلك لاستحالة أن تعود الأرض إلى ما كانت عليه قبل البناء عليها وإلى أن الإزالة من الممكن أن تتسبب بأزمة إنسانية.  

عائلة بهاء الدين منفتحة على الحوار ومحاولة حل الموضوع وديًا، كما يقول محاميها ليث الشمايلة، لكنها لن ترضى بأي حل «لا ينصف الورثة»، بحسبه.

ويبدو أن على أطراف القضية التوصل إلى حل سريع، لأن المحكمة على وشك الانعقاد لاتخاذ قرار نهائي، في جلسة لم يحدد موعدها بعد. وفي حال أيدت قرارها الأوّلي، لن تجد أكثر من 700 عائلة غير الشارع للمبيت فيه، لتسترد عائلة واحدة قطعة أرض نسيتها وربما لم تكن تدرك أنها موجود لأكثر من 60 عامًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية