جرة الغاز الذكية والابتكار في الأردن: نجاحات فردية؟

الأحد 10 تموز 2016

كما استطاع أحدهم أن يجعل الثلاجة تصرخ «نفذ الحليب» عند انتهاء آخر علبة، وأن يجعلك تتحكم بأضواء بيتك عن بعد، وأن يجعل حذاء المشي يتحدث إليك إن أخذت الشارع الخاطئ، تمكن أحدهم من أن يرفع ذكاء جرة الغاز ويجعل تواصلنا معها أكثر إنسانية.

كيف ذلك؟ بقطعة صغيرة تصلها بجرة الغاز تراقب كمية الغاز المتبقية فيها، وتعطيك آخر القياسات، وتقلق إن استشعرت تسريبًا للغاز فترسل لك رسالة بذلك. تخبرك هذه القطعة إذا وصلت كمية الغاز في الجرة لأقل من ١٠٪، حتى تضغط زرًا يبلغ أقرب موزع غاز من منزلك بحاجتك للمزيد. لغاية الآن، ليس هناك إلا قطعة واحدة تفعل ذلك في الأردن، البلد الذي يأتي منه مصممها، ليث حمّاد. لكن هذه القطعة تجولت في مؤتمرات إقليمية ودولية حصلت فيها على جوائز عالمية.

محليًا، ذاع صيت هذا الاختراع الذي سمّي «Clev-G» عندما حصد جائزة «الابتكار العالمي عبر العلوم والتكنولوجيا» في مؤتمر الريادة العالمي في جامعة ستانفورد في بالو ألتو في كاليفورنيا، في آيار الماضي. وصل Clev-G الذي صممه ليث حماد للمؤتمر بعد أن تنافست فكرته مع ٢٠٠ مشروع حول العالم إلى أن وصلت إلى النهائيات مع ٢٩ مشروعًا آخر من ٢٣ دولة. حصل Clev-G على المرتبة الثالثة ضمن فئة «مرحلة الأفكار». من بين الفائزين الأردنيين أيضًا في أكثر من فئة كان ماهر ميمون وتالا نصراوين لابتكارهما «Solar PiezoClean» وهي ألواح شمسية ذاتية التنظيف لا تحتاج للماء.

احتفى الأردنيون على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلي بهذه الإنجازات التي اعتبرت إنجازات وطنية أردنية، ونسبها البعض إلى الاهتمام بالبحث العلمي والإبداع الشبابي في الأردن. في ظل هذا الاحتفاء، أراد فريق حبر إلقاء الضوء على البيئة التي أحاطت ابتكار هذه المنتجات عبر تتبع رحلة قطعة جرة الغاز الذكية من فكرة في عقل ليث حماد، إلى قطعة إلكترونية مبرمجة وفعّالة، لتحصل على ثلاث جوائز على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

عاد ليث من المؤتمر إلى مركز قطر للابتكارات في الدوحة، ليستكمل عمله في أول وظيفة له بعد تخرّجه كمهندس «إنترنت الأشياء». استطعنا بعدها الحديث إليه عبر سكايب حول بيئة الابتكار والاستثمار في الأردن، والظروف المتاحة لمتابعة الأفكار والأعمال الريادية من خلال تجربته الشخصية.

حبر: ما هو إنترنت الأشياء؟ وكيف يمكن أن تنمّي ذكاء الأشياء، مثل جرة الغاز؟

ليث حماد: يتجه العالم نحو شبك كل ما يمكن شبكه على الإنترنت. تستطيع مثلًا شبك مقعد المكتب الذي تجلس عليه بالإنترنت ليخبرك في نهاية اليوم إن كنت تجلس جلسة صحيحة أم لا، بعد جمعه معلومات عن جلستك. [إنترنت الأشياء] هو إيصال ما لم يتم تصميمه للشبك على الإنترنت، بالإنترنت حتى تسهل على للمجتمع أو المستخدم حياته. للأسف، كما في المنطقة العربية، مجال «إنترنت الأشياء» في الأردن ضعيف جدًا جدًا وينحصر في استيراد المنتجات للاستهلاك لا للتطوير. مسماي الوظيفي في الشركة هنا هو مهندس إنترنت الأشياء (IoT System Engineer). بشكل أساسي، أبحث عن أجسام يمكن إيصالها بالإنترنت. وشركتي من الشركات النادرة التي تعمل في مجال إنترنت الأشياء.

في آخر فصل قبل تخرجي، تولّدت لدي فوبيا من عدم الحصول على عمل في شيء أحبه، وبدأنا نسمع حينها عن ريادة الأعمال. زارتنا في نفس الفترة صديقة للوالدة حتى تبارك لي بتخرجي. قالت لي حينها: إنتو مهندسين لازم تخلّوا حياتنا أسهل. سألتها: كيف؟ وأجابتني عن معاناتها مع استخدام جرة الغاز. هنا تشبثت بفكرة بناء جهاز صغير سميته Clev-G من خلال خبرتي التي طورتها في [مجال] الإلكترونيات. يضاف هذا الجهاز لجرة الغاز ويحولها لجرة ذكية، يستطيع المستخدم من خلال تطبيق أن يعرف حجم الغاز المتبقي فيها، وطلب جرة غاز جديدة من موزع. أيضًا، من خلال مستشعر، يتحسس الجهاز تسرب الغاز. عندما اكتملت لدي الفكرة حولتها لنموذج مصغر، قطعة واحدة تعمل حتى أثبت للناس أنني لا أحلم . بعدها قدمت الجهاز في مسابقة لشركة إنتل «Intel First Makers» المدعومة من USAID في الأردن، من خلالها حصلت على المركز الأول على مستوى الأردن، وجائزة مقدارها ٣٠٠٠ دولار.

ما علاقة خياراتك في المدرسة والجامعة بما وصلت له اليوم كمهندس لإنترنت الأشياء؟

اخترت المسار العلمي في الأول ثانوي بهدف الدخول في تخصص «هندسة الحاسوب». لم أحصل على قبول تنافسي في هندسة الحاسوب بجامعة العلوم والتكنولوجيا الأقرب إلى مكان سكني في إربد لأن معدلي في التوجيهي كان أقل بعلامتين من الحد الأدنى لمعدلات القبول في تلك الجامعة وذلك التخصص حينها ٩٤.  في طلبي، قدمت لكل جامعات الأردن [في تخصص] هندسة الحاسوب والنتيجة الأقرب لطلبي كانت علوم الحاسوب في جامعة اليرموك. ولكني أحببت أن أدرس هندسة قطع الحاسوب وبرمجياته أكثر من علوم الحاسوب، لذا فضلت أن أدخل هندسة الحاسوب في المسار الموازي لجامعة العلوم والتكنولوجيا، ولحسن الحظ كان أهلي قادرين على دعم هذا الخيار.

فعليًا، أنهيت دراستي في خمس سنوات ونصف مع أن المجتمع كله يقول لك «لا يا زلمة، خلّص بأربعة واخلص». في كل سنة كنت أقدم على مؤتمرات ونشاطات بالصيف بدلًا من التسجيل في الفصل الصيفي حتى أطور نفسي خارج البلد، فخرجت لمؤتمرات غوغل ومؤتمر المبتكرين العرب (AIN)، وسافرت إلى مؤتمرات في ألمانيا والدنمارك وفلسطين. عُيّنت في السنة الثانية من الجامعة كسفير لغوغل في جامعتنا وكنت أيامها مسؤولًا عن إقامة النشاطات والفعاليات التي توعّي الناس بمجال التكنولوجيا وخاصة بتكنولوجيا غوغل.

كيف استطعت الوصول لمثل هذه المؤتمرات؟

تستطيع التواصل بسهولة على السوشال ميديا وتتصل مع كل الجهات الخارجية المهتمة بالتواصل معك. هناك موقع أردني اسمه فرصة، كل يوم صباحا قبل بدء الدوام، أزور ذلك الموقع مرة. موقع «فرصة» هو بمثابة قاعدة بيانات لكل التدريبات والورش والمسابقات التي من الممكن أن تهمنا. هكذا عرفنا عن المسابقة التي استلمنا من خلالها الجائزة من أسبوع في الولايات المتحدة، عن طريق إعلان على موقع فرصة.

اللغة الإنجليزية مهمة جدًا للصعود في الفرص المتاحة خارج الأردن. درست وتخرجت في مدرسة حكومية عادية، مدرسة إربد الثانوية. طورت لغتي الإنجليزية من خلال تواصلي على الإنترنت مع أصدقاء متحدثين باللغة الإنجليزية، والقراءة المستمرة لمقالات بالإنجليزية. عندما تم اختياري كسفير غوغل، وذهبت لممارسة تدريب معين في مكتب غوغل في مصر خلال عطلة صيفية كاملة، أذكر أنه كان لدي رهبة الحديث بالإنجليزية أمام الناس. فإنجليزيتي كانت مقبولة في الكتابة والمراسلة لكن ليس في المحادثة. طُلب مني مرة في ذلك التدريب أن أتحدث عن موضوع معين بالإنجليزية أمام الناس فجأة ولم يكن هناك مجال للتراجع. على الرغم من خوفي الشديد، كُسر ذلك الحاجز وتحدثت لأكثر من ٤٠ دقيقة دون تحضير للموضوع.

ما دور الجامعة في خلق بيئة محفزة للإبداع والاختراع؟

جامعاتنا تقدم النظام الكلاسيكي في التدريس وكأن عليها فقط أن تقدم العلم الموجود في الكتب، ولكن هذا غير كافٍ في هندسة الحاسوب. التدريب العملي على تطوير القطع من المفروض أن يكون أساس الدراسة في هندسة الحاسوب، ولكني أذكر أنه حتى في إحدى المواد الجامعية التي توفرت بها قطع، كانت قطعة من عام ١٩٨٠. اسم المادة المتحكمات الدقيقة أو الـ Microcontrollers. ولكي لا نظلم الجامعة لاحظت توجهها لربط المنهج بالسوق في تعاقدها مع شركة إنتل التي توفر المتحكمات الجديدة التي يمارس عليها الطلبة التدريب العملي. ظهرت هذه البرامج بعد خروجي من الجامعة، ولكن على أيامي في ٢٠١٣ و٢٠١٤ كان علي شراء القطع والتعلم بنفسي.

في نهاية السنة الثالثة وبداية الرابعة بدأت أشتري القطع الإلكترونية الصغيرة المخصصة للبرمجة، التي نسميها Microcontrollers، على حسابي الخاص من أحد المواقع النادرة التي توصلها إلى الأردن لأطور خبرتي في برمجتها. كنت أشتري القطع على الإنترنت وأستخدم عنوان أحد أصدقائي في عمان لتوصيلها، وأنتظر لقائه في إربد للحصول على القطع، كون إربد من المناطق التي لا تصلها خدمة التوصيل. كان من الصعب أنني كلما أردت شراء قطعة إلكترونية كان علي الترتيب مع أحد أصدقائي لتوصيلها إلى إربد.

على الرغم من إشراف الأستاذ على مشروع التخرج، فالفكرة والتطبيق تقع بأكملها على الطالب. للأسف كلفتني قطع مشروع التخرج حوالي 500 دينار أو أكثر ودفعتها من جيبي الخاص. لا يوجد في الجامعة أي نظام يوفر لك القطع التي تحتاجها. قد تعرض عليك الجامعة تغطية جزء من تكلفة القطع إن أقنعتهم بجدوى المشروع وعلاقته بدراستك، لكنها كانت عملية صعبة جدًا، ففضلت شراءها من جيبي الخاص. ساعدني أهلي في شراء القطع، ولكن أي مبدع ليس لديه القدرة المادية على شراء القطع سيكون في مأزق لتنفيذ مشروعه. إما أن تغير مشروعك أو تنفذه بطريقة أبسط.

الخيار الآخر في دعم مشاريع المبتكرين،  كان مركز «الإبداع والتطوير» في جامعة العلوم والتكنولوجيا الذي تأسس منذ خمس سنوات كحاضنة تقدم دعمًا ماديًا ومعنويًا لأفكار الطلبة. كنت أرتاد هذا المركز بشكل مستمر. طلبت من المركز دعمًا بـ ١٠٪ من تكلفة القطع لتنفيذ مشروع التخرج، إلا أنهم اشترطوا أن يصبح المشروع جزءًا من مشاريع المركز وتصبح القطع التي اشتريتها على حسابي الخاص أيضًا ملكًا للمركز.  طبعًا رفضت لأن ٩٠٪ من جهدي وعملي على المشروع سيذهب للمركز.

بما أن فكرتك نبعت من حاجة محلية، لماذا فضلت أن تروج لها عالميًا بدلًا من اللجوء لاستثمار محلي؟

كنت أسمع بحاضنات الأعمال في عمان والتي يمكن أن تستثمر في تطوير فكرتك، لكنني لم أشعر أن لدينا في الأردن قدرة محلية على دعم مشاريع ضمن نطاق معين. فحاضنات الأعمال في الأردن انتقائية جدًا، فإن كان مشروعك تطوير برنامج software أو تطبيق أو موقع، فمن السهل دعمك لأن التكلفة الأساسية للمشروع أقل. لكن مشروعي احتاج استيراد قطع، وفي اللحظة التي كانوا يسمعون فيها كلمة «قطع»، يظهر التردد في دعم المشروع بسبب تكلفته العالية.  لهذا السبب توجهت للمسابقات العالمية أكثر من المؤسسات المحلية.

بعدما حصلت فكرتي على المرتبة الثالثة ضمن فئة «مرحلة الأفكار» في مؤتمر الريادة العالمي، في سليكون فالي، توجه إليّ مستثمر كيني وطلب مني مليون قطعة لتواجد نفس احتياجات توزيع الغاز في بلده كينيا، ولكنا ما زلت أشعر أن الموضوع في مراحل مبكرة جدًا. لحد الآن لم نصل إلى فكرة تسجيل شركة لأننا نحتاج مستثمرًا، لكننا على تواصل مع مستثمرين وهم يدرسون المنتج.

وماذا تفعل في قطر الآن بعد حصول Clev-G على جائزة «الابتكار العالمي عبر العلوم والتكنولوجيا»؟

خلال أيام الجامعة تطوعت في منظمة «عين» أو شبكة الابتكارات العربية (AIN-Arab Innovation Network) لتنظيم مؤتمرها السنوي. عندما نُظّم المؤتمر في الأردن، قررت أن أترك التطوع وأشارك في المؤتمر والمسابقة. حصلت على المركز الأول في هذه المسابقة على مستوى المنطقة العربية. أما الجائرة فكانت تدريبًا في شركة اسمها مركز قطر للابتكارات التكنولوجية [كيومك] (Qatar Mobility Innovation Center)، والتي كانت داعمة لهذه المسابقة، بدعم من مؤسسة قطر وجامعة قطر. كان من المفروض أن يكون التدريب لمدة شهرين وأعود للأردن [للعمل] في مجال إنترنت الأشياء، لكن الشركة عرضت علي فرصة عمل كمهندس لإنترنت الأشياء (Internet of Things Enginee)، وها أنا في شهري الأول.

هل خضت بتجربة تسجيل براءة اختراع في الأردن؟

حاليًا، نحن في مرحلة تحضير التقارير والأوراق لطلب تسجيل براءة الاختراع في مركز براءات الاختراع الأمريكي. الإجراءات [في الأردن] إلى حد ما ميسرة، لكنها تأخذ وقتًا طويلًا، قرابة سنتين من تاريخ تقديم الطلب حتى يكتمل موضوع براءة الاختراع إن قررت تقديمها خلال الجمعية العلمية الملكية، بحسب موقعهم الإلكتروني وتواصلي مع أحد المحامين المعتمدين في الجمعية. في المقابل، إن قررت التسجيل بشكل شخصي دون اللجوء إلى الجمعية العلمية الملكية، من الممكن أن يكون وقت التسجيل أقل. أيضًا التكلفة المادية لبراءة الاختراع عالية ولن نستطيع تغطيتها من جيبنا الخاص، لذا سأستخدم ما ربحته من جائزة مسابقة إنتل للتسجيل.

من ناحية التكلفة، هل تختلف براءة الاختراع بالأردن عن تلك في أمريكا؟

التفاصيل تختلف حسب المكان الجغرافي الذي تريد تغطيته، أمريكا أو الصين أو المنطقة العربية. لم أخض التجربة بعد، ولكن من الصعب تقدير التكلفة لاعتمادها على جودة تقاريرك وطلبك. إذا قدمت طلبك بطريقة ممتازة تستطيع تخطي تكلفة تعيين محامي براءة الاختراع الذي تصل تكلفة ساعته الواحدة إلى ٧٠٠ دولار.

*الصورة من موقع فليكر لليث حماد بعد استلامه الجائزة. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية