عندما يكون تغيير الديانة وسيلة للهرب من القضايا الكنسية

عندما يكون تغيير الديانة وسيلة للهرب من القضايا الكنسية

الإثنين 16 تشرين الثاني 2015

بعد نحو شهر ونصف على رفع رنا (اسم مستعار) قضية نفقة ضد زوجها، تفاجأت بمحامي زوجها يبرز داخل المحكمة الكنسية حجة إسلام المدعى عليه، مطالبًا بوقف القضية كون المحكمة الكنسية لطائفة الروم الأرثوذكس لم تعد الجهة صاحبة الاختصاص.

تزوجت رنا، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها الحقيقية كغيرها من الحالات الواردة في التقرير، نهاية عام 2012، ومنذ بداية الزواج، كان زوجها عنيفًا جسديًا ولفظيًا معها. «حملي بعد الزواج مباشرة حال دون انفصالي السريع عنه، لكن بعد إنجابي لطفلي زادت الأمور سوءًا. قررت حينها أن أعود إلى منزل عائلتي لأحمي طفلي ونفسي».
حين تقدمت رنا بشكوى نفقة لها ولطفلها البالغ من العمر عامين في المحكمة الكنسية، طلب زوجها التأجيل في الجلسة الأولى، ولم يحضر الجلسة الثانية، وفي الجلسة الثالثة أشهر إسلامه.

«بعد إسلام زوجي حصلت على قرار من المحكمة الكنسية بالنفقة، لكن المحامي أكد لي أن قرار المحكمة الكنسية ليس موجبًا كون القرار صدر بعد إعلان زوجي الإسلام. أمام تهديدات زوجي بطلبي لبيت الطاعة قررت التنازل عن النفقة مقابل الحصول على الطلاق من المحكمة الشرعية، وهو ما نلته مطلع تشرين الأول 2015».

إشهار الإسلام لغاية دنيوية

رغم صدور تعميم من دائرة قاضي القضاة يضع محددات لإشهار الإسلام، منها مراجعة المحكمة الكنسية قبل قبول إسلام أي شخص، يقول الأب سالم مدانات، عضو المحكمة الكنسية لطائفة الروم الأرثوذكس، إن المحكمة تتفاجأ في بعض الأحيان بأن طرفًا في قضية منظورة أمام المحكمة الكنسية يعلن إسلامه «للهروب من مسؤولياته أو من أحكام المحكمة».

يصل هذا التهرب إلى حد التهديد في بعض الأحيان، بحسب الأب مدانات. «كقضاة كنسيين نتعرض لضغوطات من قبل بعض الرعايا المترافعين أمام المحكمة لدينا بإشهار إسلامهم ما لم يكن القرار مطابقًا لإرادتهم، تحديدًا في قضايا الطلاق والنفقة»، يقول الأب مدانات. «الاستجابة لتلك الضغوطات يعني التنازل عن العدالة».

في هذا السياق، يؤكد مفتش المحاكم الشرعية في دائرة قاضي القضاة أشرف العمري أن بعض الحالات التي حاول فيها أشخاص توثيق إسلامهم في المحاكم الشرعية تبيّن فيها «أن حقيقة حالهم ليس الإيمان بالإسلام معتقدًا ودينًا وإنما تحقيق غايات دنيوية محضة، كالزواج من امرأة مسلمة، أو طلاق الزوجة في حال كان معتقده الأصلي لا يسمح له بذلك، أو ظنًا منهم أن ذلك يؤدي إلى الخلاص من التزامات معينة واجبة عليهم».

ويقول إن «الدين مسألة عقائدية، إذ يُتَرجم هذا الاعتقاد بالشهادتين، بالتالي من يرغب في اعتناق الدين الإسلامي يمكن له ذلك في أي مكان، لكن يراجع هؤلاء الأشخاص المحاكم الشرعية لغايات التوثيق، نظرًا للحقوق المرتبطة بالحالة المدنية».

ويقول العمري إن الضوابط الخاصة التي وضعتها دائرة قاضي القضاة لتوثيق حالات اعتناق الدين الإسلامي، تشمل «جلسة وحوار مع الشخص لمعرفة كيفية اتخاذه هذا القرار، والمعلومات التي لديه عن الدين الإسلامي، وسماع أقوال أشخاص وشهود على معرفة به، والتأكد من حالة الشخص النفسية والعقلية». كما تطلب دائرة قاضي القضاة، بحسب العمري، من المحكمة الكنسية سجل المُتقدم بطلب توثيق إشهار الإسلام إن كان مسيحيًا لبيان القضايا المرفوعة والمسجلة بحقه، وإثباتًا لحالته الاجتماعية وبيانات الأولاد من الأحوال المدنية. ولغايات تحديد مدى الخطورة على حياة الشخص، فإنه يُطلب منه مراجعة الحاكم الإداري المختص لتقييم الموقف.

ويضيف العمري أنه لا يتم اتخاذ قرار إلا بعد مضي حوالي الشهر على تاريخ التقدم بالطلب، «للوصول إلى قناعة بقرار الشخص»، مبينًا أن بعض المتقدمين لا يتابعون طلباتهم بعد معرفتهم بجدية التحقيق. «نتكلم للشخص بوضوح تام عن الأحكام المتعلقة بإسلامه وتعديل وثائقه وما يستتبع ذلك من تبعات قانونية وشرعية، ويعلم الشخص بأن هذه الخطوة لا يمكن له التراجع عنها لاحقًا لأنه لا يمكن القبول بالتلاعب بالدين».

التقرير الإحصائي السنوي لدائرة قاضي القضاة لا يحدد عدد الأردنيين المتحولين من المسيحية للإسلام، بل يحتوي أعدادًا شاملة لجميع معتنقي الإسلام في الأردن سنويًا، أردنيين وغير أردنيين.

يؤكد الأب مدانات أن محكمة الروم الأرثوذكس تصلها في بعض الأحيان كتب من المحكمة الشرعية للاستفسار عن قضايا مرفوعة على الشخص الراغب في اعتناق الإسلام، «ولكن في أحيان كثيرة لا تصلنا الكتب ونتفاجأ بذلك خلال جلسات المحكمة»، مضيفًا أنه قد حصلت حالتان من هذا النوع في محكمته العام الحالي.

يذهب الأب رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، إلى ما ذهب إليه الأب مدانات، قائلًا إن «المحكمة الكنسية لطائفة اللاتين تشهد سنويًا ثلاث إلى خمس حالات إشهار إسلام لرعايا مرفوعةٌ ضدهم قضايا في المحكمة الكنسية؛ سواء نفقة أو طلاق أو حضانة».

«التبعات تكون في كثير من الأحيان كارثية على الأسرة والأبناء»، يقول الأب مدانات، «تحديدًا القاصرين».

تغيير ديانة الأبناء

نتيجة لإسلام الأب، تخسر الزوجة والأبناء البالغون حقهم في الميراث من والدهم، «وفي حالات كثيرة يتم تغيير ديانة الأطفال رغم قناعتهم ووجدانهم المسيحي»، يقول الأب مدانات. إلى جانب ذلك تفقد الأم حضانتها لأطفالها في سن السابعة.

ديانة طفلها هي الهم الرئيسي لرنا، التي تخوض معركة حضانة مع زوجها، بعد أن حاول تغيير ديانة الطفل إلى الإسلام. «تنبه المحامي لتلك النقطة مبكرًا، ليتم تثبيت ديانة الطفل في الأحوال المدنية على الديانة المولود عليها (المسيحية)»، تقول رنا.

غالبًا ما تعدّل دائرة الأحوال المدنية ديانة الأطفال القاصرين إلى الإسلام بعد إسلام الأب، اعتمادًا على فتوى صادرة عن دائرة الإفتاء تفيد بأنه «إذا أسلم الأب تبعه جميع أولاده دون سن البلوغ، أما الولد البالغ فهو على ديانته حتى يختار الدخول في الإسلام طواعية».

لكن في عام 2005 أصدر وزير الداخلية تعليمات تنص على أنه إذا أسلم الشخص، فإن تغيير البيانات المتعلقة بخانة الديانة تتم للشخص الذي أشهر إسلامه فقط، ولا تطال أيًا من أفراد أسرته، وتبقى خانة الديانة حسب الديانة الأصلية للأطفال المولودين قبل الإسلام، أما الأبناء المولودين بعد إسلام الأب فيتبعون الديانة الإسلامية.

تعليمات وزير الداخلية أتت بعد رفع عدد من المواطنين قضايا ضد دائرة الأحوال المدنية (نتيجة لتحويلهم من المسيحية إلى الإسلام بعد إسلام أحد والديهم) إلى محكمة العدل العليا. في العام 1984 أصدرت محكمة العدل العليا سابقة قضائية تفيد بالطعن بالإجراء المعتمد من الأحوال المدنية في التحويل الفوري لديانة الأبناء المولودين واعتباره إجراءًا إداريًا مخالفا للقانون.

تفاصيل القضية
انقر/ي لقراءة تفاصيل القضية

يشرح المحامي يعقوب الفار، الذي توكل تلك القضية، تفاصيلها بعد أن راجعته فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا، كان والدها قد اعتنق الإسلام وهي في سن 12 عامًا.

«تفاجأت الفتاة عند تقدمها للثانوية العامة أنها مطلوبة لتقديم امتحان الثقافة الإسلامية، ليتبين لها لاحقًا أن موظف الأحوال المدنية غيّر خانة الديانة لها من مسيحية إلى مسلمة بعد اعتناق والدها الإسلام (..) لغاية الطلاق والزواج بأخرى. بقيت الطفلة في حضانة والدتها، وكان وجدانها وإيمانها مسيحيًا، بناءًا على ذلك تقدمت برفع قضية أمام محكمة العدل العليا وعادت الفتاة إلى الدين المسيحي».

وبحسب المحامي الفار، فإن الكثير من الحالات المشابه لا تزال تمر على دائرة الأحوال المدنية التي تغير ديانة الأبناء، رغم صدور تعليمات من وزارة الداخلية، «لكن نسبه كبيرة من المواطنيين وحتى المحامين يجهلون بها».

في هذا الصدد، يقول العمري إنه لا يوجد نص في قانون الأحوال الشخصية يتناول مسألة ديانة الأبناء بعد إسلام أحد الابوين مباشرةً، لكن المعتمد هو «الراجح من المذهب الحنفي» إلى جانب الفتوى من دائرة الإفتاء التي تقول إن «الأبناء دون سن البلوغ يتبعون والدهم في الديانة، وأما من كان بالغًا عند الإسلام فله الخيار في متابعة والده أو غير ذلك، علمًا بأن منتهى سن البلوغ هو خمس عشرة سنة».

ويتابع أن المحاكم الشرعية مسؤوليتها «بإعطاء حجة الإسلام والتوثيق للشخص الراغب باعتناق الإسلام، أما ديانة أبنائه وتعديل الوثائق الخاصة بهم من اختصاص دائرة الأحوال المدنية».

على الجانب الآخر، تواصل «حبر» مع عدد من الرجال ممن غيّروا دينهم إلا أنهم جميعًا رفضوا الحديث بالموضوع باستثناء مهنا حداد، الذي سرد تجربته في تغيير ديانته من المسيحية إلى الإسلام قبل نحو عشرين عامًا، في سبيل الحصول على الطلاق.

يقول حداد أنه وبعد سنوات من الزواج من قريبته الأردنية لم يعد كلاهما يرغب بالاستمرار. «الإشكالية كانت في القانون الكنسي للأحوال الشخصية المتشدد في حالات الطلاق تحديدًا لدى الكاثوليك. كان تغيير الديانة السبيل الوحيد للحصول على الطلاق».

بعد إسلامه، تم تسجيل أولاده القاصرين كمسلمين في دفتر العائلة، مما أثر بشكل كبير على علاقته بهم.

«رفضوا ديانتهم الجديدة، ودفع ذلك بهم إلى رفضهم طلب الجنسية الأردنية، ويعيشون الآن في هولندا، ووقعت أنا تحت الملامة ولا زلت. (..) لم يكن الأمر رفضهم طلب الجنسية الأردنية فقط، بل إنهم توقفوا عن زيارتي في الأردن، وأصبح هناك نوع من القطيعة بيننا لولا إصراري على التواصل معهم. ومع ذلك، علاقتي بهم اليوم لا ترقى لتكون علاقة أب بأبنائه».

وفوق مشكلته مع أبنائه، فقد واجه حداد مشكلة اجتماعية مع باقي أفراد عائلته كذلك، الذين اعتبروا التحوّل يسيء لهم ولأسرهم. «أوّل ردَّة فعل من أخي الأكبر كانت قوله لي: وماذا أقول لمن يتقدّم لطلب يد إحدى بناتي؟ بمعنى آخر أن تحولي إلى الإسلام يُقلّص من حظوظ بنات شقيقي في الزواج».

ويقول حداد أنه كان قادرًا في النهاية على امتصاص غضب أقربائه، على عكس كثيرين ممن لم يستطيعوا ذلك. «ربما ما شفع لي في هذه الحالة هو قناعة أقاربي بأنني بأية حالة لا أعير أيّ اهتمام لقضية الديانة وهي ليست جزء من حياتي الشخصية وقناعاتي الفكرية والعقائدية».

اختلاف حقوق الأم في حضانة أبنائها

في حين تشكل ديانة الابن أرقًا بالنسبة لرنا، فإن الهم الأكبر لدى مريانا (اسم مستعار) هو خسارتها لحضانة أبنائها الثلاثة. تقول مريانا إنه خلال زواجها، ارتبط طليقها بعلاقة عاطفية مع امرأة غير أردنية. وحين سعى إلى الطلاق، لم يتمكن منه كون الزوجين ينتميان لطائفة اللاتين، ولم تقتنع المحكمة بحججه لبطلان الزواج. ثم أثناء سير المحاكمة، أشهر إسلامه وتزوج بعد ذلك مباشرة.

«لي ثلاثة أبناء أصغرهم يبلغ من العمر تسعة أعوام. اليوم فقدت حضانة أطفالي فقط لأني مسيحية، رغم أن أبنائي ما زالوا مسيحيين بحسب سجلات الأحوال المدنية، حتى أن زوجي السابق ملتزم بإيمانه المسيحي، يحرص على حضور القداس الأحد بانتظام وعلى تربية أبنائه تربية مسيحية. أراد الإسلام للخلاص من زواجنا ونزع أطفالي من حضني. (..) لماذا التمييز بين المرأة المسيحية والمسلمة؟ لماذا لا يساوي القانون؟ ألسنا جميعا مواطنين؟».

نص المادة 172 من قانون الأحوال الشخصية على أنه «يسقط حق الحضانة (..) في حال تجاوز المحضون سن السابعة وكانت الحاضنة غير مسلمة»، في حين تستمر الحضانة للأم المسلمة لغاية سن 15 عامًا وبعدها يخير الأبناء بين البقاء مع الأم أو العيش مع الأب.

يُبرر العمري ذلك بأن سن السبع سنوات هو سن التمييز للطفل، لذا يتوجب حينها أن يكون الطفل مع والده المسلم، فضلًا عن أن قوانين الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية تحدد سن حضانة الأم بسبع سنوات.

في هذا السياق، يقول عضو المحكمة الكنسية لطائفة الروم الأرثوذكس الأب عبد الله حمارنة إن المطبق فعليًا في محاكم الكنائس فيما يخص حضانة الطفل «هو المصلحة الفضلى للطفل، وفي غالبية الحالات يتم إعطاء الحضانة للأم حتى سن البلوغ»، لا لسن سبع سنوات فحسب.

الردة وخسارة الحقوق المدنية

يحذر الأب حمارنة من تغيير الديانة لغايات دنيوية، مشيرًا إلى أنه «بعد أن ينتهي الشخص من الغاية التي أسلم لأجلها وتحديدًا في حالات الطلاق، يرغب بالعودة مجددًا إلى المسيحية ويبدي ندمه (..) لكن لا يمكن إعادة تسجيله كمسيحي في الأحوال المدنية»، حتى حين يحصل على حكم المرتد من المحكمة الشرعية.

رغم تضمنه العديد من التفصيلات المتعلقة بقضايا الطلاق والزواج والنفقة وغيرها من القضايا التي تنظر بها المحكمة الشرعية، إلا أن التقرير الإحصائي السنوي لدائرة قاضي القضاة يخلو من أي معلومات تتعلق بقضايا الردة أو القضايا التي رفعها مواطنون يرغبون بالعودة إلى المسيحية.

وفي هذا السياق يقول المحامي الفار «ليس لدي إحصائيات شاملة في هذا المجال، لكنني في الوقت الحالي تم توكيلي في عشر قضايا لمواطنين مسيحيين اعتنقوا الإسلام ويرغبون بالعودة إلى المسيحية».

تفاصيل القضية
انقر/ي لقراءة تفاصيل القضية

يستذكر الفار قضية مواطن أردني توكل عنه في العام 2003. أسلم المواطن بهدف الطلاق وبعدها أراد العودة إلى المسيحية، وتمكن حينها من نيل حكم ردة من المحكمة الشرعية وقرار من المحكمة الكنسية للروم الكاثوليك بأنه أحد أبناء الطائفة، لكن دائرة الأحوال المدنية رفضت إعادته إلى المسيحية، كما ردت محكمة العدل العليا القضية التي رفعها المواطن ضد الأحوال المدنية.

أمام ضيق الخيارات، وفرض حجر على كامل أملاكه، لم يكن أمام الرجل سوى الهجرة وأبناءه إلى كندا، تحت مسمى «لاجئ ديني».

يقول الفار «غالبية من يتخذ خطوة تغيير الديانة لا يُدرك تبعاتها القانونية والحقوقية، تحديدًا تلك المتعلقة بالحقوق المدنية».

في هذا السياق يوضح الأب مدانات «لا يستطيع المرتد الزواج مرة أخرى من مسيحية، كما لا يستطيع أقاربه المسيحييون أن يرثوه».

قبل نحو عامين راجع شاب مسيحي كان قد أعلن إسلامه لفترة وارتد لاحقًا الكنيسة لغاية الزواج. وبعد أن قدم أوراقه الرسمية بما فيها هوية الأحوال المدنية وتبين أن خانة الدين خالية (بلا دين) أوقف الكاهن إجراءات الزواج، باعتباره باطلًا قانونًا.

وتنص المادة 28 من قانون الأحوال الشخصية للعام 2010 على أنه «يحرم بصورة مؤقتة (..) زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة، حتى ولو كان الطرف الآخر غير مسلم».

الإرث وحقوق الزوجة

يضيف العمري أن القانون نص على بعض الأحكام المرتبطة بردة المرتد والمتعلقة بحكم زواجه وإرثه، حيث «لا يرث من تركة قريبه المسلم، أما في حالة وفاته فيرثه أقاربه المسلمون، لكن أقاربه غير المسلمين لا يرثون منه، على اعتبار عدم الاعتراف بانتقاله إلى دين آخر، ووفقًا لقواعد الإرث في الشريعة الإسلامية».

تنص المادة 281 من قانون الأحوال الشخصية على أنه «لا توارث مع اختلاف الدين فلا يرث غير المسلم المسلم»، ووفقا لذات المادة، «يرث المسلم المرتد».

ينفي العمري فقدان الزوجة المسيحية لحقوقها بسبب إسلام زوجها، قائلًا إن ذلك «خطأ يقع به البعض جهلاً بأحكام الشريعة والقانون، حيث إن اعتناق الزوج للإسلام لا يعني بأي حال من الأحوال ضياع حقوق الزوجة، لا بل تزيد هذه الحقوق تأكيدًا».

ويضيف أن «مسؤوليات الزوج تجاه زوجته تبقى قائمة ومحققة، وخاصة النفقة والسكن والعلاج وأية حقوق أخرى. لا بل يمكن للزوج أن يوصي لامرأته المسيحية مثلاً بثلث التركة بينما لا يقبل منه ذلك للزوجة المسلمة لأن نصيبها هو الثمن فقط إن كان هناك أولاد، ولا وصية لوارث. وكذلك الشأن في حق أولاده البالغين إن لم يختاروا متابعته على الإسلام».
وبحسب قرار لمحكمة التمييز، فإنه ليس من اختصاص المحاكم الكنسية النظر في أي نزاع بين الزوجة المسيحية والزوج المسلم، وصاحبة الاختصاص في أي خلاف بين الطرفين هي المحاكم النظامية. ولكن في حال كان إشهار إسلام الزوج بعد صدور القرار من المحكمة الكنسية، فإن القرار يبقى صحيحًا ونافذًا.

في أيار 2011، أشهر أحد رجال الأعمال إسلامه أملًا في الخلاص من قرار المحكمة الكنسية بنفقة قدرها سبعة آلاف دينار لزوجته وابنه وابنته، لكن محكمة التمييز اعتبرت حينها أن النفقة المحكوم بها من المحكمة الكنسية تظل صحيحة. وبعد وقوع الطلاق بين الزوجين، أُوقفت نفقة الزوجة، في حين أبقي على نفقة الأبناء.

تنص المادة 60 من قانون الأحوال الشخصية على أنه «تجب النفقة للزوجة ولو مع اختلاف الدين من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت أهلها، وإذا طالبها الزوج بالنقلة إلى بيت الزوجية فامتنعت بغير حق شرعي فلا نفقة لها، ولها حق الامتناع عند عدم دفع الزوج مهرها المعجل أو عدم تهيئته مسكنًا شرعيًا لها».

الإشكالية تكمن بحسب محامين كنسيين في الجزئية المتعلقة بالنقلة إلى بيت الزوجية، لأن الزوجة في تلك الحالات تكون كارهة لزوجها ولا ترغب بالعودة إلى منزله بالتالي تسقط عنها النفقة.

تشتكي بعض النساء كذلك من التعقيدات التي تطال وضعهن القانوني بعد إسلام أزواجهن، خصوصًا أنهن مجبرات حينها للسير في مسارين لإنهاء الزواج أحداهما شرعي والآخر كنسي.

في هذا السياق، تقول سلمى (اسم مستعار): «أسلم زوجي وارتد ست مرات. كان إسلامه وسيلة لمعاقبتي والانتقام في كل مرة تدب بيننا خلافات. (..) نتيجة لضغوطات عائلية كنت أصفح عنه في كل مرة، ولكني الآن لا أرغب به كزوج أبدًا».

رفعت سلمى قضية طلاق أمام المحكمة الشرعية، وحصلت على «طلاق سريع»، لكن الإشكالية بقيت في أنها لم تحصل حتى الآن على طلاق كنسي.

«كون زواجنا تم وفقًا لطائفة اللاتين حيث لا يوجد طلاق، حاولت السير في إجراءات بطلان الزواج. الإجراءات تبدو معقدة، ولغاية الآن لم أتمكن من فصل نفسي عنه كنسيًا».
في هذا السياق يوضح الأب بدر أن «هناك مبدأ ثابتًا في المسيحية وهو ديمومة زواج الرجل والمرأة ووحدته، لذلك القول بإن إجراءات الطلاق غير واردة أو معقدة صحيح، ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية أخذت على عاتقها ألا تُدخل مصطلح الطلاق إلى قاموسها أبدًا». ولكن المحاكم الكاثوليكية تعتمد إجراءات بطلان الزواج عندما يتبين أن أمرًا أساسيًا كان مخفيًا على أحد الطرفين قبل الزواج، ويشير الأب بدر إلى أن «بابا الفاتيكان أصدر مؤخرًا مرسومًا خاصًا حول هذه الإجراءات وطالب بتسريعها».

مقابل ذلك، تقول المحامية الكنسية كرستين فضول إن «واقع الحال يتطلب تسهيل الإجراءات الكنسية خصوصًا أنها معقدة بحق الضحايا أحيانًا».

وتلفت فضول إلى أن «الكنيسة الأرثوذكسية سهلت خلال 15 عامًا الماضية من إجراءات الطلاق في حال استحالة الحياة الزوجية، لكن ما تزال الكنيسة اللاتينية والكاثوليكية تفرض قيودًا صارمة في هذا الشأن».

تلفت سلمى إلى أن الإشكاليات لا تتوقف عند صعوبة الإجراءات، بل تمتد لارتفاع رسوم التقاضي أمام المحاكم الكنسية، ففي حين تمكنت من الحصول على طلاق في المحكمة الشرعية مقابل رسوم قيمتها 25 دينارًا، فإن رسوم بطلان الزواج تفوق 300 دينار.

يبين رئيس المحكمة اللاتينية الأب جهاد شويحات أن «رسوم المحاكم الكنسية تعكس كلفتها، وفي واقع الحال لا يمكن المقارنة بين المحاكم الكنسية والشرعية، كون الأخيرة مدعومة من قبل الدولة، بالتالي تكون رسومها رمزية، في المقابل لا تلقَ أي محكمة كنسية دعمًا رسميًا من قبل الدولة».

أين المخرج؟

يقول الأب بدر إن استغلال تغيير الدين للهروب من قضايا كنسية قد أنشأ تعقيدات قانونية كبيرة، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية.

ويرى بدر أن الإشكالية فيما يخص تعميم قاضي القضاة حول ضوابط إشهار الإسلام أن هذه الضوابط تعليمات فقط وليست قوانين، لذلك لم تحُل دون تسجيل حالات اعتناق للدين لأغراض دنيوية، وأهمها الهروب من متطلبات الزواج وإبرام عقود زواج جديدة.

«الكنيسة ليست ضد الحرية الدينية، وحرية اعتناق أي دين عن قناعة، لكن المشكلة هي أن هذا النوع من الحرية في مجتمعاتنا العربية هو من جهة واحدة، وهو مثل حافلة تأخذ المرء إلى المحطة لكنها لا تعيده إلى محطته الأصلية، وقد شهدنا العديد من المآسي المرافقة لرحلة الذهاب بدون حق بالإياب».

المشكلة هي أن هذا النوع من الحرية في مجتمعاتنا العربية هو من جهة واحدة، وهو مثل حافلة تأخذ المرء إلى المحطة لكنها لا تعيده إلى محطته الأصلية

يتفق الأب حمارنة مع بدر في الرأي، ويقول إن هناك حاجة ماسة للتشديد والتأكد القطعي من الغاية من الإسلام. ويضيف أن كون المسيحي يحق له اعتناق الإسلام يجب أن يستتبع «إتاحة الفرصة له للعودة إلى المسيحية في حال رغب ذلك، خصوصًا إذا تبين لاحقا أن اعتناق الدين لم يكن عن قناعة».

في هذا السياق يشير الفار إلى قرار المحكمة الإدارية العليا في مصر حول الردة، والذي أباح عودة المسيحي الذي اعتنق الدين الإسلامي إلى المسيحية، وطعن بإجراءات امتناع موظفي الأحوال المدنية عن تغيير خانة الديانة.

لكن العمري يقول إن «التعليمات والتي يتم تجديد تعميمها بين فترة وأخرى مطبقة في المحاكم الشرعية، ولكن لكل حالة ظرفها ووضعها وهذه سلطة بحكم الدستور والقانون ممنوحة للقضاء، ويمارس هذا الاختصاص وفقًا للتشريعات دون تدخل في شؤونه أو افتئات على سلطاته ولا رقابة عليه من أي جهة إلا التي خولها القانون ذلك».

بمقابل ذلك ترى فضول أن «هناك حاجة ماسة لإيجاد آلية تضمن حقوق الأفراد بغض النظر عن ديانتهم»، موضحة «فيما يخص حقوق الزوجة يتوجب تعديل البند المتعلق بالحضانة لتتم مساواتها بالمرأة المسلمة وفي الإرث كذلك، كذلك ينطبق الحال في الحق بالإرث للأبناء غير المسلمين».

وتدعو فضول إلى «الالتزام بشكل أكبر بمسألة عدم تغيير خانة الدين للأطفال القاصرين، ليكون هذا الأمر قرارًا شخصيًا لهم عند البلوغ».

مقابل تلك الطروحات يقول المحامي سائد كراجة إن «دولة المواطنة التي تقوم على قوانين متساوية لجميع المواطنين دون تمييز لا تمثل دينًا معينًا ولكنها تحمي الحقوق المدنية بما في ذلك حقوق التدين وعدمه في إطار سلمي، هي الحل للعديد من الإشكاليات بما فيها هذه المسألة».

المطلوب هو إيجاد قانون مدني يحمي الأفراد وحقوقهم بما في ذلك مسائل الزواج والطلاق والإرث بحيث يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون

ويوضح «ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال الدعوة إلى إلغاء الزواج الديني أو منع الشعائر الدينية بل على العكس، فهذا الأمر حرية شخصية، لكن المطلوب هو إيجاد قانون مدني يحمي الأفراد وحقوقهم بما في ذلك مسائل الزواج والطلاق والإرث بحيث يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون».

وهنا تتفق المحامية والناشطة الحقوقية سوسن غرايبة مع كراجة في الرأي، وتقول «يقتضي التعامل مع هذه الحالات أن تلتقي مبادىء حقوق الإنسان مع بعض التفسيرات الموروثة وصولًا إلى السؤال الأصعب حول دور الدولة».

وتدعو غرايبة إلى بدء النقاش لإيجاد الإجابات للموازنة ما بين التفسيرات الموروثة وما بين المساواة بين المواطنين، مشددة على أهمية أن يكون دور الدولة ضمان حقوق المواطنين وتحقيق العدالة في إطار يحترم المواطنة والمساواة.

أما حداد الذي كلّفه تحوله للإسلام بغرض الطلاق الكثير، فيرى أن وجود «قانون مدني يساوي بين جميع المواطنين ومبني على حق المواطنة بين الجميع بغض النظر عن الديانة» كان سيجنبه كل ما مر به.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية