رأي

عندما تنسحب الدولة من مسؤولياتها

الإثنين 11 نيسان 2016

(نشر المقال على مدونة هلمّ جرًّا في ١١ نيسان).

بعد أربعين عامًا على إلغاء القوانين العشائرية في الأردن، تطل علينا حكومة النسور بتعديلات مقترحة على قانون منع الجرائم، تسعى إلى تحويل بعض الأعراف العشائرية إلى مواد قانونية مثل العطوة الأمنية وعطوة الاعتراف وعطوة التفتيش والجلوة.

وعلى الرغم من إيجابية بعض العادات العشائرية في حفظ التلاحم والتكافل والأمن المجتمعي، إلا أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تكون بديلًا عن القانون العادل الحازم الذي ينظر إلى الإنسان كفرد له حقوق وعليه واجبات، ولا ينظر إلى أية حقوق جمعية مبنية على أسس أخرى.

هذه التعديلات تقوّض أي توجه لبناء دولة مدنية عمادها سيادة القانون على الكافّة، وتشكك بقدرة الدولة الأردنية على القيام بهذا الدور.

بحسب التعديلات المقترحة في مسودة القانون، تعرّف مثلًا العطوة الأمنية بأنها «فترة زمنية مدتها ثلاثة أيام وثلث يلتزم بموجبها ذوو المجني عليه بعدم الاعتداء على الجاني أو ذويه أو ممتلكاتهم أو القيام بأية أعمال مخالفة للقانون». وعطوة الاعتراف بأنها «اعتراف الجاني وذويه لذوي المجني عليه بالجرم المرتكب». وكفيل الدفا: «الشخص الذي يُعهد إليه في صك الصلح حماية الجاني وذويه من التعرض لهم من قبل ذوي المجني عليه او خلال مدة العطوة. والجلوة: «ترحيل ذوي الجاني عن المنطقة التي يقيم فيها ذوو المجني عليه».

هذه التعديلات تقوّض أي توجه لبناء دولة مدنية عمادها سيادة القانون على الكافّة، وتشكك بقدرة الدولة الأردنية على القيام بهذا الدور.

ماذا يعني كل هذا؟ يعني بمفهوم المخالفة أنه وفي غياب العطوة الأمنية فإن القانون يسمح لذوي المجني عليه بالاعتداء على الجاني أو ذويه أو ممتلكاته! ويعني أن الدولة تنسحب من ضمان الحق في الحياة وفي عدم الاعتداء على المواطنين لصالح كفيل الدفا! ويعني أن إجلاء أبناء الجاني ووالده عن منطقة سكنهم سيصبح إجراءً قانونيًا، مما يشكل خرقاً للدستور الذي ينص على حرية الفرد في الإقامة والتنقل، وخرقًا لقاعدة شخصية الجريمة وفق النظام الجزائي ولقاعدة «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص». هذا بالإضافة لخرق القواعد القانونية التي تنص أن الإقرار والاعتراف لا يلزم غير صاحبه، وبالتالي لا يملك أفراد عطوة الاعتراف أن يقوموا بالإقرار بالجرم عن المتهم.

عدا عن كون هذه التعديلات المقترحة خرقًا للدستور والنظام القانوني والأسس الحقوقية التي يفترض أن تقوم عليها الدولة، فإن قانون منع الجرائم بحد ذاته قانون من بقايا فترة الأحكام العرفية، كان من المفترض إلغاؤه مع انتهائها عام 1989.

يخالف هذا القانون أحكام الدستور ويسلب صلاحيات منحها الدستور حصريًا للسلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية من خلال منح الموظفين في السلطة التنفيذية مثل المحافظ أو الحاكم الإداري صلاحيات قضائية كالتحقيق مع الأشخاص لمجرد الشبهة وإصدار مذكرات القبض والإيداع في السجون بدون حكم قضائي لا بل وصلاحية إعادة توقيف من تقرر السلطة القضائية إخلاء سبيله بموجب قرار صادر عن القاضي.

كثير ممن يدافعون عن رعاية الدولة لهذه الأعراف العشائرية والتوجه لقوننتها يبررون ذلك بالدور الذي تلعبه في حفظ الأمن وحقن الدماء، وبثقة المواطنين بهذه الأعراف أكثر من ثقتهم بسيادة القانون وقدرة الدولة على إحقاق العدل بين المواطنين. نعم هنالك أزمة ثقة بين المواطن وأجهزة الدولة الرسمية، ولكن هذا نتيجة مباشرة لعقود من التعدي على سلطة القضاء سواء بالتشريعات التي تسلب السلطة القضائية صلاحياتها، أو بتدخل السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية أو الفساد والواسطة في التعيينات القضائية.

وفي وقت نحن أحوج ما نكون به لبناء الدولة المدنية وإعادة هيبة القانون وفرض سيادته على جميع المواطنين بالتساوي، تقرر حكومتنا أن تتكيف مع «الأمر الواقع» وتتنازل عن دورها وتعترف بعجزها عن حماية المواطن وحقوقه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية