معارك أخبار الطقس: تسويق في «الموسم» فقط

الأحد 24 كانون الثاني 2016
amman car rain

منذ أربعة أيام توقفت تمامًا عن متابعة تحديثات أخبار الطقس المحتملة في الأيام المقبلة، تحديدًا توقعات المنخفض الثلجي القادم، بالرغم من أني اعتدت على ذلك كنشاط صباحي أتشارك به مع شريحة كبيرة من المواطنين الراغبين في معرفة الزي المناسب والخطط المعقولة لذلك اليوم.

فالسعي لاستدراج الجمهور وتوسّل تفاعلهم يجعل مصادر أخبار الطقس، بين القطاعين العام والخاص، تبالغ في التحديثات وتصعّد في الأخبار العاجلة. وبناء على اختلاف التوقعات من موقع لآخر، يقضي العديد منا -نحن الجمهور المستهلك والسلعة في الوقت نفسه- وقته في اختبار مصداقية هذا الموقع أو ذاك، ويخوض بنفسه غمار التحكيم في هذه المنافسة التي نشهدها مرة في السنة، خلال مربعانية الشتاء تحديدًا.

فمربعانية الشتاء هي الموسم، فإما أن تحضر الواقعة من بدايتها وتثبت انتصارك، أو تذهب لمنخفض آخر قد ينصفك ويعيد الثقة بك، وينهزم الآخرون، فتنال الغلبة في القراءات وما يتبعها من فوائد تجارية.

هدف كل تلك المعادلة والسعي للدقة والمصداقية فيها ليس خدمتنا، ولا مساعدة الدولة في التعامل الآمن مع الظروف الجوية وتأمين أفضل خدمة ممكنة لمواطنيها في أسوأ الظروف الجوية، بل هو سعي تمارسه العديد من مواقع أخبار الطقس ضمن منافسة المواسم فقط، للحصول على القراءات الأكبر، تنسجم معها في ذلك العديد من المواقع الإلكترونية الباحثة عن الإثارة، هكذا تخبرنا تجاربنا على الأقل، ورصد مرصد المصداقية الأردني أكيد.

في نهاية تموز العام الماضي، شهدت المنطقة العربية موجة حارة أُعتبرت حينها نادرة الحدوث، وكانت تحمل من الخطورة ما يتساوى مع خطورة المنخفض الجوي المُنتظر (إن لم تكن أكثر)، لكن ذلك لم يكن سببًا كافيًا لمواقع الطقس كي تصعد من تحذيراتها وتحديثاتها، فنشرت أخبارًا عادية عن موجة حر شديدة والقليل من الإرشادات، تفاجأنا جميعنا بعدها بما شهدناه من إصابات نتجت عن ضربات الشمس، وتصاعدت التساؤلات عن سبب عدم إعلان عطل رسمية على الأقل لأولئك الذين تتطلب طبيعة عملهم التواجد لساعات طويلة في الخارج، قبل أن تتدارك مواقع الطقس والحكومة الأمر لاحقًا، لكن ذلك جاء متأخرًا، بعدما فقدنا أردني توفي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وأصيب ما يزيد عن 20 شخصًا بضربات الشمس.

هدف كل تلك المعادلة ليس خدمتنا، بل هو سعي تمارسه العديد من مواقع أخبار الطقس ضمن منافسة المواسم فقط.

وقريبًا جدًا من الذاكرة، ما شهدناه في تشرين الثاني الماضي من فيضانات نتيجة هطول غير متوقع للأمطار تفاجأت كل عناصر الدولة به، دون أي إخطار مسبق من مواقع الأرصاد يُنبئ بشكل تقريبي من هول القادم، لتنسانا مجددًا من حسابتها التنافسية، فنحن لم نكن قد دنونا من موسم المربعانية لننتظر بشغف بعض المطر أو الثلج يبقينا في المنازل بعطلة استثنائية نسعد بها وكأننا انتزعناها من الدولة.

في كلا المثالين السابقين، تنبهت مواقع الطقس متأخرًا لما قد يكون «رزقة» جديدة لم تكن بحسبانها، فانهالت فجأة بالتحديثات، حتى وصلت بعضها حد التهويل كما يحصل اليوم، فواحدة تعلن وأخرى تنفي، ويبدأ السجال بينهما، ونبقى نحن ننتظر بيان الدفاع المدني الذي عوّدتنا التجارب بأنه الوحيد الذي لا يسعى للمنافسة عليّنا بقدر ما يسعى لتنفيذ مهمته بالحفاظ على السلامة العامة، فهو من أصدر بيانًا مسبقًا للسيول لم يكترث له أحد، وهو من أنبأنا بموجة حارة اسثتنائية تتطلب تعاملًا مختلفًا.

في دراسة عالمية نشرتها صحيفة الغد عام 2013، جاء أن ما نسبته 40% من مستخدمي الإنترنت في العالم يبحثون عن حالة الطقس. حال تلك النسبة في الأردن قد يبدو مضحكًا، وهي التي يتم تقاذفها بين موقع حكومي هو موقع دائرة الأرصاد الجوية الذي يتبع لوزارة النقل، وآخر خاص يديره الشاب محمد الشاكر ويحظى بمباركة العائلة المالكة.

بالرغم من مغازلة الشاكر لدائرة الأرصاد، إلا أن الأخيرة تتعامل بحساسية وتحدي مع القطاع المنافس، متفاخرةً بقاعدة بياناتها التي لا يملكها أحد باستثنائها، لتنقسم المواقع الإلكترونية بينهما، فيما اختارت بعضها نشر أخبار كلا المصدرين وترك الخيار للقارئ باختيار ما يناسبه.

أما جمهور المتلقين، فأطلق نكتة أعيد انتشارها على نطاق واسع عبر الفيسبوك يطالب الشعب الأردني بعدم السماح لموقعي طقس العرب والأرصاد الجوية خلق التفرقة بين مكونات الشعب الأردني الواحد.

اليوم صباحًا، سألت زملائي في العمل إن كان هناك منخفض حقيقي؟ فأجابتني زميلتي بهدوء بأن غوغل يحدثّنا عن تساقط الثلوج غدًا، مستندا – أي غوغل- لموقع weather.com الذي ينشر بشكل موجز تحديثات حالة الطقس ساعة بساعة، وانتهى النقاش بيننا بعدها وعاد كل لعمله. بهذه البساطة والسلاسة واجهنا الخطر المحدق بنا، واستعددنا لحالة الطوارئ بهدوء، مستندين على موقع إلكتروني يقدم الخدمة والتحديث بالحدود التي تعنينا، ومنتظرين أن تصدر صاحبة الشأن والاختصاص -الحكومة- قرارها فيما يتعلق باستمرار الحياة اليومية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية