ركاب وسائقون وشركات: من يدفع ثمن أزمة التكاسي؟

أحد سائقي التكاسي يخاطب السائقين المشاركين في اعتصام نفذوه في 15 من الشهر الحالي في عمّان. تصوير معاوية باجس.

ركاب وسائقون وشركات: من يدفع ثمن أزمة التكاسي؟

الأربعاء 23 تشرين الثاني 2016

على حافة الرصيف في منطقة حيوية من العاصمة عمّان، وقفت طوابير من الموظفين في تمام الثامنة صباحًا تنتظر منقذًا أصفر ليقلّهم إلى أماكن عملهم.

رفض سائق التاكسي أن تركب معه إحداهن فمكان عملها بعيد جدًا ما سيدفعه للدخول في أزمة السير، وفضلّ أن يقلّ اثنين آخرين يقفان بالقرب منها ويحصل على ثمن عدّادين في توصيلة واحدة.

يطول الانتظار أكثر، الأمر الذي يدفع بالموظفة ملاك (25 عامًا) والتي تعمل في نقابة المهندسين بمنطقة الشميساني، لاستخدام أحد تطبيقات التوصيل عبر الهاتف المحمول متوجهة من منزلها في منطقة الجبيهة إلى مكان عملها، رغم ارتفاع سعر خدمتها مقارنة بالتاكسي الأصفر.

رحلات يومية شاقة

يشتكي أوس، الموظف في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يتنقل يوميًا من منطقة اللويبدة في عمّان إلى شارع مكة، من مزاجية بعض سائقي التاكسي ومعاناته في الوصول إلى عمله، والتي تتمثل في رفض البعض منهم لإيصاله بسبب الأزمة بينما يشترط آخرون أن يقل راكبًا آخر للحصول على أجر إضافي.

لا ينكر سائق التاكسي الثلاثيني حسام الذي يعمل منذ أربعة أعوام في هذه المهنة وجود ما اعتبره سلوكيات خاطئة لدى بعض زملائه مثل انتقاء الزبائن، لكنه يعيد السبب إلى ارتفاع ضمان التاكسي الذي يتراوح بين 25 و35 دينارًا في اليوم.

ويتابع حسام «أن على سائق التاكسي تحصيل خمسة دنانير على الأقل في الساعة لتوفير الضمان والبنزين ومدخول جيد، لكن على أن لا يقل عمله عن 12 ساعة متواصلة، مقابل ارتفاع أسعار البنزين وعدم تعديل الأجور مقارنة بمدة الانتظار في أزمة السير الخانقة التي تشهدها شوارع عمّان معظم الوقت».

وكان آخر تعديل على أجور النقل ومن بينها التاكسي تم بداية العام الحالي بتخفيضها بنسبة 10%، بعد انخفاض ملحوظ في أسعار المحروقات. لكن شهري تشرين الأول وتشرين الثاني شهدا ارتفاعًا في الأسعار مرة أخرى.

في 15 من الشهر الحالي، جدد سائقو التاكسي اعتصاماتهم، للحصول على مطالب تمثلت بمنع تطبيقات التوصيل الإلكتروني، تحديدًا أوبر وكريم، وزيادة رسوم العدّاد وشمولهم بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي.

ويرى مختصون أن عدم تطوير منظومة النقل في الأردن، وتحديدًا في عمّان خاصة مع ازدياد أعداد السكان، يدفع نحو أزمة حقيقية بين مطالب سائقي التاكسي الأصفر والمواطنين الراغبين في الحصول على خدمة أفضل.

يقول الخبير في مجال النقل والمرور حازم زريقات لحبر «إنه لا يمكن تحسين منظومة النقل دون جعله أولوية وطنية، وذلك عبر توفير الدعم الحكومي للقطاع ورفع سوية الخدمات القائمة واستحداث خدمات جديدة مثل الباص السريع والقطار في المستقبل».

ومع تصاعد أزمة التاكسي الأصفر تتوالى الاقتراحات المتعلقة بتدريب السائقين، بينما يظل الجدل قائمًا بين الراكبين والسائقين حول تطبيقات التوصيل الإلكترونية، أوبر وكريم.

من الاعتصام الذي نفذه سائقو التاكسي الأصفر على دوار المشاغل في عمّان. تصوير معاوية باجس.

الأجرة مقابل الخدمة

ترى الموظفة داليا (32 عامًا) التي تضطر لاستخدام التاكسي يوميًا، أنه ليس من حق سائقي التاكسي الأصفر المطالبة برفع أجرتهم مقابل الخدمة التي تعتبرها سيئة مقارنة بالخدمة التي تقدمها تطبيقات التوصيل الإلكترونية، بينما يعتقد السائق أوس بضرورة تحسين المستوى المعيشي للسائقين ليقدموا خدمة أفضل، مؤكدًا أهمية تدريب سائقي التاكسي الأصفر.

وبحسب توضيح من شركة كريم، فإن فتحة العدّاد للسيارات العاملة معها تبدأ بنصف دينار، ويحتسب 29 قرشًا لكل كيلو متر، إضافة لاحتسابه 10 قروش على دقيقة الانتظار، واعتباره أي سرعة أقل من 16 كم/الساعة وكأنها انتظار.

ويبدأ العدّاد باحتساب الأجرة في سيارة كريم «عند الوصول وتعد أول خمس دقائق انتظار قبل ركوب الراكب مجانية، لكن أقل تسعيرة توصيل يبلغ ثمنها دينارين حتى وإن كان المكان قريبًا»، حسبما أوضحت الشركة.

ويعمل سائقو كريم بعد تثبيت معلوماتهم لدى الشركة «حسب الوقت المناسب لهم ويتم محاسبتهم بأخذ نسبة مما جمعوه فمثلًا إذا حصل سائق على 10 دنانير تحصل شركة كريم على دينارين منها».

قبل أيام، اعتصم سائقو التاكسي قرب دوار المشاغل في منطقة طبربور بعمّان، ثم نقلوا اعتصامهم ليصبح مقابل مبنى مجلس النواب، للمطالبة بمنع الشركات الخاصة العاملة عبر التطبيقات الإلكترونية، وشمولهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ورفع أجور العدّادات.

ولا تعترف الحكومة بتطبيقات التوصيل الإلكترونية كوسائل نقل مرخصة، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن هذه التطبيقات منتشرة في كل دول العالم ولا يمكن منعها.

وكانت أمانة عمان الكبرى التي تعد المسؤول المباشر عن عمل سيارات الأجرة في عمّان تحدثت في وقت سابق عن آلية جديدة لعمل التاكسي لم تطبق بعد.

والأمانة جزء من لجنة مشتركة تتألف من وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الطاقة والثروة المعدنية إضافة لهيئة تنظيم النقل البري لدراسة أجور النقل.

ويشرح مدير عام هيئة قطاع النقل البري المهندس صلاح اللوزي لحبر بأن الجهات الرسمية المعنية تسعى لشمول الشركات العاملة بوساطة التطبيقات الإلكترونية ضمن القانون، لتعامل معاملة سيارات الأجرة.

ويفيد اللوزي بأن عمل هذه الشركات خارج الإطار القانوني يعد مخالفة صريحة ويؤدي إلى عدم استفادة خزينة الدولة من الأرباح التي تجنيها، مؤكدًا أن المساعي تنصب في عدم الإضرار بأصحاب التاكسي الأصفر.

ويبدو أن بحث المواطنين عن طرق حديثة ومريحة للتوصيل كان سببًا رئيسيًا لإظهار الخلل في منظومة النقل، تمثل في لجوئهم لتطبيقات تعتبرها الحكومة مخالفة، وسط احتجاجات السائقين التقليديين.

تشرح ملاك سبب اعتيادها مؤخرًا استخدام تطبيقات التوصيل الإلكترونية بالقول: «بما إنك بتكسبي راحة بالك وبتلاقي خدمة ممتازة وما بلف فيك السائق الكرة الأرضية، فليش ما نستخدمهم؟».

لكن المشكلة الوحيدة بالنسبة لملاك أن هذه السيارات ليس عليها طبعة تظهر أنها سيارة أجرة، مما يجعلها وكأنها تركب سيارة خاصة لشخص غريب، على حد قولها.

وتوضح ملاك أن مشاكلها تعددت مع التاكسي الأصفر بين انتقاء السائقين للركاب وتدخل السائق في خصوصيات الراكب واختيار الطريق الأنسب له وطلب زيادة مبالغة على العدّاد.

من الاعتصام الذي نفذه سائقو التاكسي الأصفر على دوار المشاغل في عمّان. تصوير معاوية باجس.

ويستخدم بعض سائقي التاكسي الأصفر تطبيق «إيزي» المشابه لتطبيقي أوبر وكريم من حيث مبدأ العمل، رغم أنه مخالف للقانون كذلك، لعدم التزامه بالعداد العادي.

ويؤكد السائق حسام أن عدّاد إيزي ينصفهم مقارنة بالعدّاد الذي توفره الحكومة. ولا يقل عدّاد إيزي عن دينار و75 قرشًا، بحسب مدير التسويق في الشركة. وتبدأ فتحة عداد التطبيق بـ 75 قرشًا، ويحسب 18 قرشًا لكل كم، ودقيقة الانتظار بأربعة قروش.

في المقابل، تبدأ فتحة العداد للتاكسي الأصفر بـ 25 قرشًا ويحسب لكل كم 19 قرشًا، ودقيقة انتظاره في الأزمة قيمتها 19 فلسًا.

ولا يجد حسام ضررًا من تطبيقات التوصيل على عمله كسائق للتاكسي الأصفر، لكن سائق التاكسي الأربعيني أيمن يخالفه الرأي، معتبرًا أن تطبيقات التوصيل تسببت في خسارته، مقارنًا أرباحه وعدد الركاب سابقًا بالوضع الراهن.

ويشير أيمن إلى أنه يعمل كسائق تاكسي منذ 12 عامًا بعد أن اضطر لترك مهنته كموظف تسويق في المملكة العربية السعودية والعودة للعمل في الأردن، لافتًا إلى أن زوجته المعلمة في مدرسة خاصة ساندته. ولدى أيمن 3 أولاد أكبرهم ما زال في مرحلة الدراسة الجامعية.

ويعتقد خالد الخزاعلة نائب رئيس النقابة المستقلة لسائقي التاكسي (غير المسجلة رسميًا)، أن من يعمل الآن على سيارات أوبر وكريم هو سائق التاكسي الأصفر ذاته، لكن توفر بيئة عمل آمنة له دفعته لتقديم خدمة أفضل.

بينما يشير اللوزي إلى توجه الجهات الرسمية المعنية لعقد دورات تأهيل لسائقي التاكسي الأصفر، لتعديل ما اعتبره سلوكيات خاطئة من قبل بعضهم.

لماذا لم ترخَّص تطبيقات التوصيل الإلكترونية؟

منذ انتشار تطبيقات التوصيل، وعدت الحكومة بشمول هذه التطبيقات بمنظومة العمل المرخص، كما حدث في بلدان عربية كالسعودية ومصر. حيث شكلت لجنة مؤلفة من وزارة النقل وهيئة النقل ووزارة الاتصالات كان من المفترض بها وضع التشريعات التي ستنظم عمل هذه التطبيقات.

ولم تصل الحكومة إلى صيغة نهائية بعد لشمول هذه التطبيقات، وكان الإجراء المتبع مرارًا هو مخالفة سائقي المركبات العاملة بواسطتها واحتجاز مركباتهم.

وقال الناطق الإعلامي باسم إدارة السير المقدم جلال رحاحلة «إنه تم حجز 50 مركبة عاملة على هذه التطبيقات منذ الأربعاء الماضي». ولم تتحدث إدارة السير عن الآلية التي يتم فيها ضبط المركبات المخالفة.

ويؤكد اللوزي على أهمية شمول هذه المركبات ضمن وسائط النقل العام، وإلى حين حدوث ذلك فإن التعامل مع هذه المركبات يتم وفقًا لقانون السير.

لكن الخبير زريقات يؤكد أنه من المفترض إيجاد حلول ذكية لمشكلة التاكسي بحيث يتم خدمة المشغلين التقليديين مع استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وصولًا لرفع مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين.

ويرى مدير عام الأسواق الناشئة لشركة كريم، إبراهيم منّاع أن «نمو التكنولوجيا أسرع من تطور القوانين والأحكام، لذلك نجد بعض التعقيد والبيروقراطية».

وتحدث مناع لحبر عن الصعوبات التي تواجه الشركة، التي تعمل حاليًا في عمّان وإربد، وعن عدم قدرتها على تطبيق رؤيتها كما في باقي المدن التي رُخصت بها على صعيد تطوير استثماراتها والتوسع في عملها.

ويتمنى مناع «أن لا تلجأ الشركة لحلول كترك الأردن، موضحًا أنهم وَعدوا بتشغيل أكثر من 10000 أردني خلال العامين القادمين بالإضافة لتخصيص جزء من الاستثمارات القادمة في البحث والتطوير لمشغلين محليين»، مشيرًا إلى أنه خلال 2016 تم استثمار 100 مليون دولار للبحث والتطوير مع مشغلين في السعودية وألمانيا.

ويؤكد مناع أن العمل مستمر مع وزارة النقل لإيجاد حلول متنوعة للمواطن، لافتًا إلى أن شركة كريم تمكنت خلال أربع أعوام «من حصد الخبرة الكافية في تقنين عملها كما في الدول المجاورة لتحقيق الفائدة المشتركة للسائق والراكب بشكل عام».

ويقدر مسؤول في إحدى الشركات العاملة بتطبيقات التوصيل، رفض الإفصاح عن اسمه، عدد السائقين العاملين في تطبيقات التوصيل الإلكترونية بالآلاف. بينما تبلغ عدد سيارات التاكسي العاملة في الأردن نحو 16 ألف مركبة، بينها 11 ألفًا و500 مركبة في عمّان وحدها.

العمل دون تأمين أو ضمان

التصعيد هو خيار السائقين في حال لم تنفذ الحكومة مطالبهم، حسبما يؤكد الخزاعلة، بينما وعدت هيئة النقل أن يتم قريبًا رفع أجرة العدّاد للتاكسي الأصفر.

وقال اللوزي لحبر إن الهيئة ستعمل على رفع تعرفة العدّاد للتاكسي الأصفر لتتناسب مع ارتفاع أسعار المحروقات. بينما أكد مدير دائرة عمليات النقل في الأمانة المهندس عبد الرحيم الوريكات إن الأمانة ستلتزم بقرار هيئة تنظيم النقل البري.

ومن المفترض بحسب الهيئة أن يتخذ القرار المتعلق بالأجور خلال الأسبوعين المقبلين.

ويطالب سائقو التاكسي بتسعيرة عدّاد منصفة، إلا أن الخزاعلة يوضح لحبر أن مطلبهم ليس رفع أجور العدّاد للإثقال على المواطنين، بل دعم الحكومة لقطاع النقل وتوفير التأمين الصحي والضمان الاجتماعي لهم وشمولهم بقانون العمل والاعتراف بنقابتهم وعدم السماح باستخدام تطبيقات التوصيل الإلكترونية.

تعديل قانون العمل

«بخلع سني بخيط في البيت.. ما عنا لا تأمين ولا ضمان اجتماعي واللي بنطلعه مش مكفينا»، يقول سائق التاكسي أيمن شاكيًا حاله، في حين يتمنى زميله حسام أن «يتوب الله عليه» من هذه المهنة بعد أربع سنوات من العمل المضني.

ويدافع أحمد أبو حيدر نقيب أصحاب السيارات العمومية عن مطالب سائقي التاكسي بالحصول على الضمان الاجتماعي، لكنه يؤكد أن المتضمن للسيارة أصبح شريكًا فيها ولم يعد مجرد سائق.

قد يحتاج الأمر لتعديل في التشريعات، حيث يشير الناطق الإعلامي في وزارة العمل محمد الخطيب إلى أن قانون العمل لا يشمل سائقي التاكسي المتضمنين للمركبات، موضحًا أن من شروط قانون العمل أن يكون هناك صاحب عمل وعامل.

ويعرف العامل في قانون العمل الأردني «كل شخص ذكرًا كان أو أنثى يؤدي عملًا لقاء أجر ويكون تابعًا لصاحب العمل وتحت أمرته».

في نهاية المطاف، يقول زريقات، لن يكون هناك نجاح «في تطوير منظومة النقل حتى يصبح النقل العام خيارًا مجديًا للمواطن، أي أن يستخدمه لأنه يفضل النقل العام على السيارة وليس لأنه مضطر».


تنويه: كان التقرير قد ذكر خطأً أن عداد تطبيق إيزي لا يقل عن دينارين و٢٠ قرشًا، بينما أكّد مدير التسويق في الشركة أن الرقم الصحيح هو دينار و٧٥ قرشًا، لذا تم التعديل. كما تم تصحيح اسم التطبيق من «إيزي تاكسي» لـ«إيزي».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية