المرأة في أفلام ديزني: بطلة لا تتحدث

الجمعة 19 شباط 2016

بقلم جيف غوو، ترجمة إبراهيم الطراونة

(نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في الواشنطن بوست بتاريخ 25 كانون الثاني).

وجد الباحثون إشكاليّة جوهريّة في «الحوريّة الصغيرة» وأفلام أخرى لديزني.

يمكن لثلاثية أفلام (الأميرات) الكلاسيكية من ديزني، والتي أُنتجت في الأعوام 1937 و1950 و1959، أن تبدو للمُشاهد المعاصِر رجعيّة بشكل موجع. ما سبب هوس الشخصيات بمظهر بياض الثلج (Snow White)؟ لماذا لا تمتلك سيندريلا أية مهاراتٍ أو هوايات؟ ولماذا لا تقوم الجميلة النائمة (Sleeping Beauty) بأي شيء سوى أن تتعرّض للتخدير وتنتظر النجدة؟

هناك فجوة أجيال تفصل بين أفلام أميرات ديزني، فبعد إنتاج فيلم الجميلة النائمة عام 1959، احتاج الاستوديو ثلاثين سنة لإنتاج فيلم أميرة متحرّك آخر، والسنوات التي تخلّلت ذلك شهدت تغيّراتٍ جذرية؛ مات والت ديزني، ونشرت بيتي فريدان كتاب اللغز الأنثوي، وسار مارتن لوثر كينغ إلى واشنطن.

في عام 1989، عندما أصدر ديزني أخيرًا فيلم الحوريّة الصغيرة (The Little Mermaid) امتدح النقاد البطلة الجديدة المعاصرة، على عكس سابقاتها. «أريل هي شخصية لأنثى متكاملة تفكّر وتتصرّف بشكل مستقل، بل بشكلٍ متمرّد أحيانًا»، كتب روجر إيبرت، ونعتتها النيويورك تايمز بــ«الشجاعة الطائشة».

مع ذلك، من جانبٍ معيّن، شكّل فيلم الحورية الصغيرة خطوةً إلى الوراء بين هذا النوع من الأفلام. بالنسبة لفيلم تدور أحداثه حول امرأة شابة، فإن هناك كلامًا كثيرًا للرجال. في الحقيقة كان هذا أول فيلم أميرة لديزني يتحدّث فيه الذكور أكثر من الإناث.

درج هذا التوجّه بعد ذلك. حبكة الحوريّة الصغيرة، بالطبع، تتضمن فقدان أريل صوتها، ولكن في أفلام أميرات ديزني الخمسة التي تلت كان نصيب النساء من النَص أقل، حيث تحدّث الرجال في ثلاثة أرباع النص مقابل الربع للنساء.

تأتي هذه النتائج من عالمتي اللغويات كارمن فوت وكارن أيزنهاور اللتين كانتا تعملان على مشروع لتحليل الحوار في أفلام أميرات ديزني. من المهم التحقق من الرسائل التي تبثّها هذه الأفلام عن الأدوار الجندرية لأن كثيرًا من الفتيات يشاهدنها، وبشكلٍ متكرّر أحيانًا.

تقول فوت، أستاذة اللغويات في كلية بيتزر: «نحن لا نؤمن بأن الفتيات الصغيرات يلعبن أو يتكلمن بشكل معيّن فطريًا، فهن لا يولدن محبات للثوب الزهري، في مرحلة ما نحن نعلّمهن ذلك. السؤال الكبير هو: من أين تستقي الفتيات أفكارهن حول معنى أن يكنّ إناثًا؟».

ما زال بحث أميرات ديزني في مراحله الأوّلية، لكن قبل بضعة أسابيع قدّمت فوت وأيزنهاور عرضًا تمهيديًا خلال أكبر مؤتمر للغويّات على مستوى الولايات المتحدة. هدفهن هو استخدام البيانات لتسليط الضوء على الاختلاف بين كلام الشخصيّات الذكور والإناث في هذه الأفلام، لذا بدأن بإحصاء عدد المرات التي تتكلّم بها الشخصيّات، وعندها وضعن أيديهن على مفارقة مدهشة.

في أفلام أميرات ديزني الكلاسيكية الثلاثة، تتكلم النساء بنفس القدر، إن لم يكنّ أكثر من الرجال. في بياض الثلج 50-50، وسيندريلا 60-40، وفي الجميلة النائمة تستحوذ النساء على 71% من الحوار، وبالرغم من أن هذه الأفلام أنتجت قبل أكثر من خمسين عامًا إلّا أنها تعطي النساء فرصة وافرة لإيصال أصواتهن.

على العكس من ذلك، كان الذكور مهيمنين بشكل مثيرٍ للدهشة على كل أفلام الأميرات بين 1989-1999، والتي من المفترض أنها كانت فترة (النهضة) لديزني. يتحدّث الرجال 68% من الوقت في فيلم الحورية الصغيرة، و71% من الوقت في فيلم الجميلة والوحش، و90% في علاء الدين، و76% في بوكاهونتاس، و77% في مولان (حُسبَت شخصية مولان كأنثى، حتى عندما تقمصت دور ذكر).

Disny-02 (1)

جزء من المشكلة هو ازدحام هذه الأفلام الجديدة بالذكور. إلى جانب البطلة، تقدم الأفلام نماذج قليلة لنساء قويّات أو محترمات أو مفيدات أو كوميديّات.

«هناك أميرة واحدة معزولة تحاول إيجاد من يتزوجها، لكن ليس هناك نساءٌ يفعلن أشياء أخرى» تقول فوت. «ليس هناك نساءٌ يقدن سكان المدينة للوقوف ضد الوحش، ولا نساء يلتصقن سويًّا في الحانة لإنشاد أغاني الشرب، أو نساء يعطين التوجيهات لبعضهن البعض، أو يخترعن الأشياء. كل من يقوم بأي دور عدا البحث عن زوج في الفيلم، في الغالب، هم الرجال».

احتوت أفلام الأميرات الكلاسيكية بالمجموع على أدوار ناطقة أقل وتوازنٍ جندري أكبر، إلّا أن فيلم الحورية الصغيرة ابتدع نموذجًا جديدًا لأفلام ديزني، على غرار مسرحيّات برودواي الموسيقية بقالب طواقمها الكبيرة. مع ازدياد عدد الشخصيات، زادت اللامساواة بين الجنسين.

«أفضل تقديراتي بأنها اللامبالاة، نحن مدرّبون على التفكير بأن الذكور هم المعيار السائد» تقول أيزنهاور، طالبة الدراسات العليا في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية. «عندما تودّ إضافة [شخصيّة] بقّال، يكون هذا البقّال رجلًا، أو إضافة حارس، يكون الحارس رجلًا. أعتقد أن هذا متأصّلٌ جدًا في ثقافتنا».

Disny-01 (1)

الصاحب الثّرثار مثالٌ جيّدٌ آخر على الدور الذي يذهب للرجال تلقائيًّا، هذا دورٌ أساسي في أفلام ديزني الأخيرة، وهو، نعم «هو»، من يحوز عادة على أفضل المقاطع في النص. هناك فلتة (Flounder)، وعثمان (Sebastian)، ولوميير (Lumiere)، وكوغوورث (Cogsworth)، وياغو (Iago)، والجنّي (Genie) وموشو (Mushu)، لماذا لم تكن أيٌّ منهم امرأة؟ السيّدة بوتس (Mrs. Potts) ، إبريق الشاي في فيلم الجميلة والوحش، هي المثال الوحيد لصاحبة أنثى، إلّا أنّها حُجبت من قبل [شخصّيات] طاقم القصر الأخرى.

بعد فيلم مولان (1998)، أخذت ديزني استراحة لمدّة 10 سنوات قبل إصدار فيلمها اللاحق من سلسلة أفلام الأميرات، الأفلام الجديدة أكثر عدالة في توزيع الحوار بين الرجال والنساء. في فيلم رابونزل (Tangled)، للنساء 52% من الحوار، وفي أسطورة مريدا (Brave)، وهو فيلم عن علاقة أمّ بابنتها، حازت النساء على 74%.

إلّا أن فيلم ملكة الثلج (Frozen) كسر هذا التوجّه، بالرغم من قصّته التي تتحدث عن شقيقتين أميرات، حاز الرجال على 59% من الحوار في الفيلم.

الحُكم على فيلم ما فقط من خلال عدد الكلمات التي تقولها النساء بالطبع سيكون حكمًا ناقصًا، ما تقوله الشخصيّات يعتبر على نفس القدر من الأهمية أيضًا. حتى الآن، ركّز تحليل فوت وأيزنهاور على (المجاملات)، فقاموا بتصنيف كلّ (مديح) في جميع أفلام أميرات ديزني لملاحظة كيفية تغيّر طريقة الحديث عن النساء مع مرور الزمن.

لكن المهم في هذا التوجّه يكمن في تركيز أفلام ديزني الكلاسيكية على المظهر الخارجي، فأكثر من نصف المجاملات الموجّهة للنساء، 55%، ارتبطت بمظهرهن الخارجي، 11% فقط كانت تتعلّق بمهاراتهن وإنجازاتهن. (كان هناك مجاملات موجهة لأشياء أخرى كالأملاك والشخصية).

ينصح الأخصائيون النفسيون الآباء بعدم مدح أطفالهم، خاصة البنات، بناءً على مظهرهم الخارجي، فحتى التعليقات الإيجابية يمكن أن تؤدي إلى مشاكل عن صورة الجسد من خلال تعزيزها أهمية المظاهر. بالإضافة إلى ما سبق، تشير الدراسات إلى أفضليّة مدح الأطفال على جهودهم أو إنجازاتهم بدلًا من مدح صفاتهم، من الأفضل القول «لقد تفوّقت في الامتحان» بدلًا من «أنتِ ذكيّة»، لأن دافعية الأطفال تزداد عند مدح جهودهم.

لدى أفلام الأميرات في فترة «نهضة» ديزني، خلال التسعينيّات، سِجِلٌّ أفضل في هذا المجال. حوالي 38% من المجاملات الموجّهة للنساء كانت تتعلّق بمظهرهن الخارجي، بينما كان ربعها تقريبًا متعلّقًا بقدراتهن وأفعالهن.

تنقلب أخيرًا هذه النزعة في أحدث مجموعة من الأفلام، الأميرة والضفدع ورابونزل (Tangled) وأسطورة مريدا (Brave) وملكة الثلج (Frozen)، لأول مرّة تكون فرص امتداح النساء على مهاراتهن وإنجازاتهن أوفر حظًّا من امتداح مظهرهن الخارجي. احتوت هذه الأفلام، بمتوسّط 40%، على مجاملات موجّهة للنساء بناءً على قدراتهن وإنجازاتهن، بينما 22% فقط تعلّقت بمظهرهن الخارجي.

Print

جزء من ذلك مرتبطٌ بالأشخاص القائمين على الأفلام الأخيرة، فتصوُّر وسيناريو وإخراج فيلمي ملكة الثلج وأسطورة مريدا تمّت بواسطة نساء أو فرق عمل احتوت على نساء. قالت بريندا تشابمان، صانعة فيلم أسطورة مريدا، أنها أرادت تحديدًا تحطيم القالب النمطي لأفلام أميرات ديزني، «وُجدت [شخصية] مريدا تحديدًا لكسر ذلك القالب» قالت تشابمان لأحد مواقع التربية الإلكترونية، «وُجدت لقلب [فكرة] أميرة ديزني التقليدية رأسًا على عقب».

«صراحة، أعتقد أن ديزني استجابت بشكل جيّدٍ لنداءات كانت تأتي منذ زمن بعيد» تقول دون إنغلند، طالبة الدكتوراه في جامعة ولاية أريزونا والتي نشرت دراسة عن سلوك الذكور والإناث في أفلام أميرات ديزني، وتقول أنه من المهم إجراء مزيدٍ من الدراسات على طريقة استيعاب الأطفال لهذه الأفلام من أجل فهم كيفية تأثير هذه التمثيلات الجندرية على عقول الأطفال، بالرغم من أن كثرة هذه التمثيلات يجعل المهمة صعبة.

قام الاستوديو، على الأقل، بجهودٍ واضحة لتضمين النسوّية في هذه الأفلام، «هناك شوط طويل علينا قطعه، لكن حدث تحوّلٌ لا يمكننا إنكاره باتجاه أميرات أكثر توازن جندريًّا (androgynous)»، تقول إنغلند.

بِل، من فيلم الجميلة والوحش لعام 1991 على سبيل المثال، صُمّمت كنموذج نسويّ. جلب مديرو ديزني ليندا وولڤيرتون، وهي أوّل امرأة تكتب سيناريو لفيلم متحرّك في ديزني. شكّلت وولڤيرتون شخصية بِل على غرار كاثرين هيبّيرن في فيلم نساء صغيرات (Little Women)، «امرأة قوية ونشطة ومحبّة للقراءة»، كما قالت للوس أنجلوس تايمز في 1992.

ديزني فخورة بجهودها في تحديث فئة أفلام الأميرات، لكن ما زال عليها فعل الكثير. «لو شاهدت أفلام توثيق ما وراء الكواليس ستجد/ين حوارًا كثيرًا واضحًا حول ما ستكون عليه الأميرة، ودائمًا يكون الحوار نسويًا بطريقة ما» تقول أيزنهاور، «يريدونها أن تكون قوّية، لكن الحوار لم يذهب بأي شكلٍ من الأشكال أبعد من ماهيّة الأميرة».

تُذكّرنا دراسة فوت وأيزنهاور بأن أسلوب عرض الأميرات ليست أهم ما في الموضوع، من المهم أيضًا أخذ العوالم التي يعشون فيها ومن يحكمها ومن صاحب السلطة وحتى من يتكلّمون فيها، بعين الاعتبار. في عدد كبير من الحالات يتحدّث الرجال أكثر من الأميرات أنفسهن في هذه الأفلام.

تقول فوت: «تم الحديث عن أفلام فترة النهضة، بداية من الحورية الصغيرة والجميلة والوحش، على أنها ليست أفلام الأميرات الاعتيادية المزركشة (frilly) إذ أن فيها نساءٌ نشيطات ينجزن الأمور».

«هذا حسن، لكن هل هذه الأفلام حقًّا رائعة جدًّا كي تناسب الفتيات؟ عند مشاهدتك لهذه الأشياء، عليك مساءلة ذلك قليلًا».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية