رأي

الهوية الثقافية الرسمية في الأردن: خطابٌ زائف وإدارةٌ متخبطة

الأحد 22 أيار 2016

ماذا تعني الهوية الثقافية؟ وهل هناك هوية ثقافية تجمع شعبًا بأكمله؟ يُعد هذا التساؤل مدار نقاش دائم، وإذا ما أردنا أن نتحدث عن هوية ثقافية في الأردن علينا بدايةً أن ندرك أنه لا يمكن تشكيل هوية دون الاتفاق على معنى «المواطنة»، والمواطنة في الأردن بحد ذاتها فيها إقصاء، ولا يوجد خطاب متبلور، فالإقصاء الذي قامت به المؤسسات الرسمية (الثقافية والدولة) كان إقصاءً ممنهجًا، والهوية التي تم ترسيخها هي هوية المؤسسة العسكرية.

يبدو اليوم أن السلطة هي التي ترفض إرساء هوية ثقافية معاصرة وشاملة، فالمجتمع لا يمتلك سلطة إرساء هوية ثقافية حقيقية لدولة بأكملها، وإن كان قادرًا على ذلك في مناطق صغيرة محدودة، فالمجتمع بصورته الكلّية يسير وراء ما ترسخه الدولة. أما الدولة فقد تخلت عن دورها في التنسيق بين الهويات الثقافية المختلفة وانحازت لهوية واحدة دون غيرها، مما أدى إلى نشوء جيل كامل غير واعٍ لهويته الثقافية وغير مدرك لها.

السؤال الذي نطرحه اليوم، ما هي الهوية المتحققة وما هي عناوينها، وهل تستطيع المؤسسة الرسمية الإجابة عن هذا السؤال؟ وهل يستطيع المواطن نفسه الإجابة عن هذا السؤال؟

الأصل في الدولة المدنية أن توازن بين القوى الاجتماعية والثقافية، وبالتالي لا تتغوّل ثقافة البداوة على الريف ولا على المدنية الحديثة. لكن يبدو أن رغبة الدولة في ترسيخ هوية البداوة كان من أجل تعزيز مكانة الجيش (الأقرب إلى هذه الهوية) وضمان التفاف الجزء الأكبر من النسيج الاجتماعي حولها.

المؤسسة الرسمية طالما عززت الفن ذا الطابع الوطني أو الأغاني التي تتملق لأجهزة الدولة دون غيرها.

الدولة فقدت دورها حين رفضت كل ما هو معاصر، وأصبح خطابها زائفًا، تدعو إلى أردن حديث ومعاصر، وعند الفعل ترسخ هوية واحدة لا تتسم إلا بعناصر البداوة، أو دعم كل ما هو استهلاكي ومُفرغ من محتواه، أو حتى دعم الفلكلور الذي يُقدّم في كثير من الأحيان بصورة تجارية، فيما تبقى الأعمال المعاصرة أو الأعمال ذات الطابع التجريبي (الفلكلورية وغير الفلكلورية منها) مُهملة في أغلب الأوقات.

وهذا انعكس دون شك على الإعلام الرسمي الذي بدوره أقصى كل ما هو معاصر من فن وثقافة وأهمله، وميّز بين الألوان الفنية وفاضل بينها، لترجح كفة ما هو «وطني» بمقاييس المؤسسة الرسمية. فالمؤسسة الرسمية طالما عززت الفن ذا الطابع الوطني أو الأغاني التي تتملق لأجهزة الدولة دون غيرها، على اعتبار أن باقي أنواع الغناء لا قيمة ولا جمهور لها، ساهمت بالتالي في تردي حالة الإعلام والفن معًا.

الإعلام الرسمي يعكس الحالة العامة والتوجه العام للمؤسسات الرسمية، ورغم أن هناك حالات فردية من إعلاميين يعملون في المؤسسات الرسمية حاولوا تجاوز هذه السياسات، إلا أنها تبقى محاولات فردية لا يمكن تعميمها. وفي المقابل يتم سحب صفة الوطنية أو الانتماء عن أي إعلامي يحاول رفض هيمنة هوية ثقافية دون غيرها، وهذا فعلًا ما نواجهه كإعلاميين حين ننتقد الأعمال ذات الطابع الوطني، فإذا ما حدث وصنّفناها بأنها رديئة كمنتج فني فإنه ينظر إلينا وكأننا ننتقص من الوطن بأكمله.

أما الإعلام الخاص، والذي ظهر في فترة قصيرة من حياة الأردن، فلم يكن أفضل حالًا من الإعلام الرسمي، كانت هناك محاولاتٌ لمواكبة الحركة الفنية «العمّانية» دون الالتفات لغيرها، لكنها لم تكن كافية، أما المجلات الخاصة فسعت نحو الفن الرائج الذي يدر عليها الربح (حال معظم المجلات). مؤخرًا بتنا نشهد مواقع إلكترونية خاصة تحاول مواكبة المشهد الفني بصورة أكبر، إلا أنه لا يمكن أن تشكل هذه المواقع حالة عامة في ظل الغياب المؤسسي الذي يشمل المجتمع بأطيافه كافة.

من الضروري تأطير الهوية في ظل العولمة والانفتاح التكنولوجي، ذلك أن العولمة أنتجت حالةً من تعدد الهويات وتداخلها، ولا بد من وجود إطار يحمي تفاعل المجتمع مع هذا الانفتاح، بدلًا من إنشاء أجيالٍ غير راغبة في الانتساب إلى مكانها الجغرافي وإرثها الثقافي أو منفصلة معرفيًا عن هذا الإرث ولا تتفاعل معه. ولا أعني هنا إيجاد إطار يحدّ من حرية الهوية أو تطورها بقدر ما هو مسارٌ يمثلها ويصبغ المنتج الثقافي فيها مهما اختلف شكله أو لونه. وهذا يحتاج إلى قرار مؤسسي ترعاه الدولة وتسعى إلى ترسيخه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية