رأي

وزارة الثقافة: حلمٌ كاذب في ظل حكومات لا تؤمن بالفعل الثقافي

الثلاثاء 22 آذار 2016
ministry-of-culture jordan وزارة الثقافة الأردنية

بعد ثلاث سنوات من جلوسها في منصبها، صرّحت وزيرة الثقافة قبل أيام في مقابلة خلال برنامج «اسأل الحكومة» بأنها مع إلغاء وزارة الثقافة لأن «التعامل مع الوسط الثقافي شائك، بالنظر للحساسية العالية لدى المثقفين». ما يُثير الحفيظة هنا ليس رأيها بجدوى وجود وزارة الثقافة من عدمه، بل السبب الذي عزت إليه عدم جدوى وجود هذه المؤسسة.

كان الأجدر أن يُلقَى اللوم على غياب المؤسساتية والإدارة الثقافية في الوزارة، بدلًا من أن تقوم الوزيرة بإلقاء اللوم على «مزاجيّة» المثقفين وصعوبة التعامل معهم. ولعلّه كان لا بد من الوقوف وتحمّل المسؤوليّة بدلًا من البحث عن شمّاعةٍ لتعليق فشل «بعض» مشاريع الوزارة العالقة منذ سنين، مثل مشاريع العواصم الثقافية التي تمّ وضع حجر أساس بعض المراكز الثقافية فيها (كما حصل في مدينة إربد) ولم يكتمل المشروع بعد. فالحكومة، على ما يبدو، لا تنظر إلى حقيبة «الثقافة» إلا كمقعد «استرضائي»، لا مجال للتطوير أو الإنتاج فيه.

في كل مرّةٍ تخرج الوزيرة إلى الإعلام تُمطرنا بتصريحات تضعنا في موقف المُتسائل عمّا تفعله، عدا عن نشاطها في مهرجانات التأبين والتكريم وافتتاح المهرجانات، إذ ليس من وظيفة الوزارة تكريم المثقفين والمبدعين فقط، كما تفعل الآن، ولكن تمكينهم أيضًا، خصوصًا الشباب منهم، الذين يكادون يغيبون عن أروقة الوزارة.

فبعد أن جمّدت الوزارة التفرغ الإبداعي بحجة «التغوّل على المال العام» وبسبب عدم وجود «مؤسسات قياس رأي لمعرفة مدى الإقبال على شراء الكتب»، استبدلته بمشروع «غابة الإبداع»، والذي بحسب ما نشره موقع الوزارة «يهدف إلى تكريم المبدع الأردني في مجالات الأدب والفنون، ينطلق ضمن احتفال كبير، إذّ ستزرع شجرة رمزًا لكل مبدع، موثقةً بنصب حجريّ يحمل اسمه؛ إشارةً إلى مكانتهم في الوجدان الأردني، وأحقيتهم بالتكريم حاضرًا ومستقبلًا».

نحن بحاجة إلى وزير مسؤول؛ يكون داعيةً للفنون ومؤمنًا بها، ومُستعدًا لإثارة نقاشات مع الأوساط الثقافية والفنية بأجيالها وأطيافها كافة

مشروع التفرّغ الإبداعي قد يكون من المشاريع التي يدور حولها كل عام لغط فيما يتعلق بالمحاصصات والواسطة. ولربما كان على الوزيرة بدلًا من إلغاء هذه المنحة التي يستفيد منها الكتّاب الأردنيون، أن تجد طريقة تضبط فيها عمل المنحة وتحكمها بقوانين ولجنة محايدة، وأن تقوم بتطويرها لا بإلغاءها.

من المؤسف حقًا أن يرى مواطنون أن وزارة الثقافة لا دور لها، أو أن وجودها يُثقل كاهل الحكومة، ومن المؤسف أيضًا أن تنطلق الحكومة في اختيار وزراء الثقافة من منطق المجاملة معظم الوقت، مستثنيين الشباب وأصحاب الخبرة في هذا المجال؛ إذ ما تزال وظيفة الوزارة فعليًا شبه مقتصرة على التكريم وإصدار أوامر المنع والمنح، دون وجود سياساتٍ ثقافية ممنهجةٍ وواضحة.

كون وزارة الثقافة على هذه الحال ليس قدرًا. ففي فرنسا على سبيل المثال، وفي عهد شارل ديغول عام 1959، تم الدفع باتجاه ما يسمى «ديمقراطية الثقافة»، بحيث تكون الفنون متاحة للجميع، ومنذ ذلك الحين اتجهت العديد من دول أوروبا وأميركا اللاتينية إلى اختيار وزراء الثقافة من الوسط الفني، ذلك أنهم الأقدر على رؤية المشهد وقراءة أمزجة المثقفين والجمهور في آن.

أما فيما يتعلق بإلغاء وزارة الثقافة، كما اقترحت الوزيرة، دون أن تطرح بديلًا عنها؛ يحضرنا مثال الولايات المتحدة الأميركية، حيث لا يوجد فيها وزارة ثقافة ذلك أن الثقافة والفنون هناك تقومان إلى حدٍ كبير على تمويل الشركات والمؤسسات الخاصة والأفراد، ومع ذلك تُطالب الأوساط الثقافية الأميركية كل فترة الحكومة أن تقوم بمنهجة دعمها للفن والثقافة وإضافة وزارة ثقافة.

هناك حاجة ماسة لوزارة ثقافة لأسباب عدة، ولن أبدأ من عند جمرة الاحتجاجات المُتْعبة، التي تَسخن وتَفْتُر كل حين مطالبةً بضرورة دعم الدولة للفنون والثقافة؛ ماديًا ولوجستيًا. نحن بحاجة إلى وزير مسؤول؛ يسعى حقًا إلى الترويج للفعل الثقافي ودعمه، وأن يكون داعيةً للفنون ومؤمنًا بها، ومُستعدًا لإثارة نقاشات مع الأوساط الثقافية والفنية بأجيالها وأطيافها كافة ودون إقصاء، بدلًا من طرح أفكار بقتل الوزارة. لكن يبدو أن ذلك كلّه ما هو إلا حلمٌ كاذبٌ في ظل حكوماتٍ لا تؤمن فعلًا بأن وزارة الثقافة هي وزارة منتجة ولها دورٌ لا يقلّ أهمية عن باقي الوزارات.

الوزيرة بالطبع نفت أمس تصريحها، مشيرة إلى أنه أُسيء فهمه وإلى أن القصد منه كان أن «كل إنسانٍ إنما يحمل ثقافته التي تعبّر عنه، وأنّ هذه الثقافات في تنوّعها إنما تسبق إنشاء وزارة الثقافة، التي تبني وتشتغل أصلًا على ما هو موجود»، مضيفة أنها تأمل أن «تزداد مقدّرات وزارة الثقافة وأن تعطى بذلك المرونة الكافية لتنفيذ البرامج والمشاريع بالشراكة الحقيقيّة مع الوسطين الثقافيّ والإبداعي». ربما جاء هذا النفي بعد الهجوم الذي شنّه الوسط الثقافي عليها، لكن بات من الصعب عليها الآن أن تُقنع الناس بإيمانها بما لم تطبقه هي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية