الأغنية السياسية العراقية: استحضارٌ لتاريخ مهمّش

السبت 12 أيلول 2015

على الرغم من أن الأغنية السياسية العراقية لم تنتشر كثيرًا خارج العراق، كما هو الحال في الأغاني السياسية في مصر ولبنان وفلسطين وغيرها، إلا أن تاريخ الأغنية السياسية العراقية ممتد ومتنوع. فالعراق اشتهر بالأغاني الحزينة وتلك التي تتحدث عن الحب والفراق والهجر، واشتهر بالمقامات والتنزيلات الموصلية، إلا أن ذلك لم يلغي جانب الأغاني الوطنية والسياسية لديه.

ولعل هذا النوع من الأغاني العراقية يشبه ما يقابله في الأردن إلى حد ما، إذ أن معظم الأغاني الوطنية في حقبة معينة جاءت لتتغنى بالقائد والوطن، وابتعدت عن أي نقد أو معارضة، واكتفت بتمجيد الرئيس صدام حسين. إلا أن هناك فئة أسست لهذا الجانب وبقيت هذه الأغاني موجودة لتعود مرة أخرى إلى الساحة مع تظاهرات ساحة التحرير الأخير في بغداد.

بدأت الأغنية السياسية بطابعها الثوري بالانتشار في النصف الأول من القرن العشرين وكانت بشكل أهازيج انتشرت في ثورة العشرين، والتي حرضت على الاستعمار الإنجليزي ونادت بالحرية والاستقلال، شأنها شأن أغاني الثورة في المنطقة العربية آنذاك. وتوالت بعدها أغاني النضال والسجون وهموم الوطن، وظلت أغاني الثورة تُشعل حماس العراقيين حتى مطلع الستينات حيث تراجعت الأغنية السياسية غير التمجيدية مع تراجع الحياة الديمقراطية والحريات، ومن ثم اختفت بعد الانقلاب البعثي في العراق عام 1963.

في السبعينيات نشط عددٌ من الفنانين العراقيين في مجال الأغنية السياسية المعارضة، إلا أن نشاطهم بقي محدودًا ومحفوفًا بالمخاطر، واقتصر تناقلها بالتسجيلات وتقديمها ببعض الحفلات الحزبية السرية، وخرجت فرقٌ غنائية وفنانون من العراق حتى يتمكنوا من مواصلة مسيرتهم، إلا أن انتشارهم بقي محدودًا.

مؤخرًا، ومع التظاهرات التي تشهدها ساحة التحرير في بغداد، عادت الأغنية السياسية لتحتل مكانة مهمة على الساحة الغنائية، إذ ظهرت موجة من أغاني الراب، إضافة إلى فرقة جعفر حسن لأغاني الوطن والناس التي يقودها الفنان ستار الناصر والتي تشارك في التظاهرات التي تنظم كل يوم جمعة في ساحة التحرير وسط بغداد، وتؤدي أغنيات سياسية محفزة للجماهير، حيث تقوم الفرقة بإعادة صياغة أغاني الفنان جعفر حسن بما يواكب حركة الاحتجاجات الحالية، ومن ثم تؤديها في ساحة التحرير بين الجماهير. كما ظهرت فرقٌ عديد ابتكرت أغاني سياسية ناقدة وساخرة كفرقة حجي ظافر، وغيرها من الفرق والفنانين.

نجوم الأغنية العراقية كانوا أيضًا مواكبين لهذا الحراك، فأطلقوا أغانيَ وطنية تغنت بها الجماهير في الساحات. أطلق الفنان العراقي كاظم الساهر أغنية يدعم فيها المتظاهرين في ساحة التحرير في بغداد، إلا أن أغنيته «شباب العراق» لم تلقَ الترحيب المتوقع لدى الشباب المنتفض في الساحات. فبحسب ناشطين، كاظم الساهر الذي خرج من العراق في وقت مبكر لم يدعم ثورات العراق، معنويًا أو ماديًا، كما أنه لم يغنِ في بغداد بعد العام 2003 ولم يقم بحملات تبرعات ومساعدات للمجتمع العراقي خلال مسيرته الفنية، أما هذه الأغنية فقد طرحها الساهر في وقت متأخر من بدء المظاهرات ولم يواكب البدايات، مما جعل الناشطين غاضبين عليه.

في هذه القائمة الموسيقية، تعاون حبر مع مجموعة من الأصدقاء والنشطاء* في العراق وجمعنا عددًا من الأغاني السياسية العراقية التي مرّت على تاريخ الأغنية العراقية، وحاولنا إلقاء الضوء على تباينها في فترات زمنية متعددة بمساعدة أشخاص يتواجدون حاليًا في ساحة التحرير ويتداولون هذه الأغاني.

أغاني التحرير 2015

رباعيات حجي طافر

جاءت هذه الأغنية مع تظاهرات التحرير باستخدام الدمى وبأسلوب الأغاني القديمة مع تغيير المفردات، وغنتها فرقة حجي طافر بسبب تصريحات وزير الكهرباء وارتفاع اسعار الاتصالات. تضم الفرقة الفنانين العراقيين  صلاح بشار وعاصم الخيال وحسام السعدي وأحمد جميل والمطرب كارزان، وغيرهم، وقدموا العديد من الأغاني السياسية الساخرة، من بينها أغنية «بالترميش خلي اليوم نسبيهم».

لا تسكت يا ابن بلادي – إسماعيل الفروه جي

لعل أهمية هذه الأغنية لا تستند إلى كلماتها أو لحنها، ولكن كونها تعد أغنية يعود فيها واحدٌ من مُغني العراق المعروفين إلى الأغاني الوطنية ودعم المتظاهرين، مما يعطي انتشارًا أكبر للحراك الشعبي في العراق.

عمي يا بواك النفط

يردد المتظاهرون هنا أغنية «عمي يا بواك النفط» أي يا سارقه، على وزن الأغنية العراقية الشهيرة «عمي يا بياع الورد»

أنا العراق من أنتم – فرقة شباب البصرة

أغنية راب كتبت كلماتها فرقة شباب ‏البصرة الفيحاء ليعبّروا من خلالها عن سخطهم مما يجري في العراق من تردٍ للخدمات وتفشٍ للفساد.

أني راح أتظاهر – مصطفى الربيعي

لا تُعد هذه الأغنية سياسية تمامًا، بل هي أقرب ما تكون إلى الأغاني الوطنية الرومانسية التي نشهدها في معظم الأغاني الوطنية في العالم العربي، والتي لا تُقدم أي نوع من أنواع النقد.

باسم الدين باكونا الحرامية – مهدي المحب

تجمع هذه الأغنية بين الكلمات السياسية والصوت الجميل واللحن السياسي الجيد نوعًا ما، إضافة إلى أن الأداء فيها يدفعك إلى الاستماع إليها حتى نهايتها. المهدي غنى أيضًا «كافي هاي النهاية»

عمي يابو التحرير – فرقة جعفر حسن لأغاني الوطن والناس

هذه الأغنية من أغاني الفنان السياسي حعفر حسن، وكان اسمها «عمي يابو جاكوج»، وهي من الأغاني الشيوعية المعروفة في العراق والتي تغني للعمال. قام الفنان ستار ناصر بتغيير بعض كلماتها لتتناسب مع أحداث التحرير في العراق.

ما نسكت نسكت ليش –  أحمد المصلاوي

تُعد هذه الأغنية من الأغاني الوطنية الحماسية، وهي من الأغاني التي اشتُهرت بها العراق في فترات مختلفة.

ما نريده – حاتم وقصي العراقي

هذه أيضًا من الأغاني الوطنية التقليدية لفنان عراقي مكرّس يغنيها مع ابنه.

الأغاني السياسية بين 1950 و1980

هربجي– أحمد خليل

أحمد الخليل مطرب ومغنٍ وملحن عراقي كردي من محافظة دهوك، ولد عام 1922 ودخل الإذاعة العراقيه كملحن ومطرب عام 1950. في ثورة تموز عام 1958 أنشد خليل العديد من الأغاني السياسية والوطنية، منها لحن أغنية موطني. عانى خليل في ظل نظام صدام حسين من التهميش والإهمال، وتوفي في العام 1998. في هذه الأغنية يتحدث خليل عن أهمية وحدة العراقيين في النضال سواء كانوا أكرادًا أم عربًا.

14 تموز – فؤاد سالم

هذه الأغنية أيضًا من الأغاني التي خرجت إبان ثورة تموز. يُعد فؤاد سالم من روّاد الأغنية العراقية في سبيعنيات القرن الماضي، غادر سالم العراق لأسباب سياسية بعدما فُصل من معهد الفنون، ثم منع من الغناء في الأماكن العامة، كما مُنع من دخول مبنى الإذاعة والتلفزيون، ثم تعرض للاعتقال، وتوفي في العام 2013 في سوريا.

أنا أقول الأرض هاي – فاضل رشيد

فاضل رشيد هو رائد المونولوج وقارئ المربعات البغدادية، في السيتينيات غنى هذه الأغنية السياسية الساخرة عن شاه إيران بهلوي، بعد أن قام الأخير بتهديد العراق.

أنا العراق – مائده نزهت

اشتهرت الفنانة مائدة نزهت بالأغاني ذات الحس الإنساني والعاطفي الممزوج بالأمل وروح التفاؤل، فكانت النصوص الغنائية التي قدمتها تعد من روائع الغناء العراقي، فكانت تقدم النصوص الغنائية الرصينة المعبرة عن الواقع البغدادي، اعتزلت مائدة الغناء في الثمانينات وتوفيت في الأردن في العام 2012.

يابو علي – جعفر حسن

جعفر حسن من روّاد الأغنية السياسية، اشتهرت أغانيه في السبعينيات، وهو ملحن وموزع موسيقي وعازف، تعرض للاعتقال عدة مرات قبل أن يغادر العراق متجهًا إلى عدن. حسن كان معارضًا للنظام، مشاكسًا له، رافضًا الغناء لرموزه.

عزيز علي – عشنا وشفنا وبعد نشوف

تعرض المنولوجست عزيز علي للاعتقال عدة مرّات بسبب منولوجاته ومواقفه السياسية التي طالما تعارضت مع السلطة، على الرغم من أنه لم ينتمِ إلى أي حزب سياسي، إلا أنه ساهم في تنوير الناس بالحقائق وكشف وفضح الفساد والخطأ عبر الفن. وقد سجل عزيز علي محاكمته الأولى التي اتهم بها بالنازية، والثانية التي اتهم بحيازة مروحية من أموال اليهود المنهوبة، في مجموعة منولوجاته «عزيز علي تراث وتاريخ» بالتفصيل، في حين إن المحاكمة التي اتهم بها بالماسونية لم تدون لأنها تمت في زمن البعث، ومن أغانيه المعروفة أيضًا «الركعة صغيرة والشك جبير». توفي عزيز عام 1995.

 * صورة المقال للصحفي العراقي محمد الربيعي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية