خيارات حزب "خليك بالبيت" في اليمن

الأربعاء 16 آذار 2011

بقلم ميساء شجاع الدين*

“نحن أولى بالثورة من غيرنا” صوت تردد كثيراً بعد ثورتي تونس ومصر، “لكننا لسنا توانسة” هكذا تبدو المفارقة التي” دخل فيها الجميع. فكيف للثورة أن تنجح في بلد لا يستطيع الجيش فيها أن يكون الحكم بين الشعب والسلطة ليحسم الخيار لصالح انقاذ البلاد والاستجابة للشعب وصوته الهادر؟ نحن أمام دولة ضعيفة بمؤسساتها وبنيتها التحتية وحضورها بل سلطة نجحت في الاستفادة من انقسامات المجتمع لتشعلها فتن هنا وهناك. مقابل هذه السلطة قوى سياسية سيئة أو ضعيفة في أحسن التوصيفات، ووسط هذا كله شعب متخلف وغير ديمقراطي ومسلح ولن يتردد الكثيرون في وصفه بالغوغائي الذي ينقصه الوعي والنظام وبالتالي لن يؤد التوجه نحو الشارع سوى لحرب أهلية.

يتناسى مثقفو اليمن أن هذا النظام لم يكن بإمكانه البقاء لولاهم بمسكناتهم المتواصلة من شعارات كالاصلاح التدريجي والاستقرار، فما أبعد المثقف اليمني عن الوعي وما أقرب الشارع “الغوغائي” – حسب التوصيف المراد – للوعي. فالاستقرار هو مايخشي المثقف اليمني التضحية به لأن اهتمامه بالشأن العام سيظل في النهاية أمر ترفي قياساً لمعاناة المواطن البسيط الذي تقطعت به سبل العيش وانعدم افق المستقبل.

فليتساءل هؤلاء المثقفون حول خيارات المواطن الجالس في بيته، هذا المواطن الذي لايكاد يعنيه أمر السياسة وصراع القوى وغيرها لكن شظف حياته يدفعه دفعاً للتعاطي مع السياسة اليمنية البائسة وما ادراك ما السياسة اليمنية؟ أزمة سياسية منذ عشرين عاماً هي عمر الوحدة تم التنفيس عنها في حرب 1994 لتعاود رحاها من جديد حتى اشتدت بشكل لا فكاك منه منذ ست سنوات. هذه الأزمة التي يعلم المواطن اليمني حق العلم إنها السبب في اهتراء النظام وفساده الذي تسبب في هذه الحياة المعدمة. ليس هذا فقط بل إن هذا النظام لم يفعل شيئاً لايقاف الحروب في الشمال والجنوب بل جعلها متوقدة مشتعله في عملية إنهاك سياسي ومجتمعي غاية في البشاعة. أدرك هذا المواطن بوعيه الذي يفتقده السياسيون المخضرمون والمتعلمون والمثقفون أن ثمن جلوسه بالبيت باهظ لأقصى الحدود وهو تفكك البلاد ودخولها في حرب أهلية شاملة بعد ما استعصى الأمر من اصلاح فالفساد والسلطة توأمان لصيقان لايمكن فصلهما عن بعض، وقوى المعارضة هي أحزاب اللقاء المشترك تتصدرها وجوه كانت جزء من النظام وتشوبها شوائب الفساد وتبدو غير جادة وضعيفة وحركة حوثية وأخرى جنوبية تستعيد أمجاد الماضي التي لم تكن أصلا موجودة ولايمكن حتى استعادتها بل استعادة تشوهاتها دون أية إيجابية، وتنظيم قاعدة متربص بالجميع ليقاتل أمريكا البعيدة عن اليمن. بالفعل الدائرة اغلقت على هذا المواطن في وسط قوى سياسية لاتعبر عنه اطلاقاً ويبدو أن أمامه أحد أمرين إما يجلس في البيت وينتظر الطوفان يأتي لقدميه دون أن يحرك ساكناً أو يخرج للشارع ويطرح للساحة معادلة جديدة وهي رغبته وإرادته التي غابت عن جميع هذه القوى السياسية. بذا يكون الاستقرار الذي يدافع عنه المثقف اليمني ليس إلا خرافته الخاصة به.

إذن البديل هو الإصلاح التدريجي على تصور أن الحكومة اليمنية سوف تستدرك نفسها بعد مارأته في تونس ومصر وتعيد النظر في سياستها وتستجيب لمطالب الإصلاح، لكن لطالما كان الطبع يغلب التطبع في نظام تجاوز وجوده الثلاثة عقود. دعنا نرى كيف ادار هذا النظام آخر أزمة في سلسلة أزماته، كالعادة وعد بالإصلاح وبعد زيارة لوزير الخارجية البريطاني يستحث فيها الإصلاح تلاها خروج الرئيس بخطبة فيها تظاهر واضح بالتوبة لرجل يتصور نفسه دائما سريع الخطى معتاداَ على الخروج من الأزمات. هذا النظام الذي يعد بالإصلاح تعامل مع الأمر بطبعه المعتاد حيث دفع بناس مأجورين في الغالب ليضربوا متظاهرين سلميين. بماذا يذكرنا هذا؟ بالحوثيين عندما دفع النظام بقبائل في مواجهتهم وانسحب هو من المعركة مدعياً البراءة أو بالجنوب عندما شكل لجان الدفاع عن الوحدة للتحرش بقوى الحراك. إذن النظام لن يستطيع التخلي عن اساليبه القديمة من أكاذيب واثارة الوقيعة بين أفراد المجتمع الواحد وكذلك من مفاهيم خاطئة حول الدولة التي تخلت بالكامل عن دورها في الدفاع عن أبنائها والفصل بينهم. هل هناك أمل يرجى من هذا النظام؟ أليست سنتين هي فترة الانتظار للإنتخابات الرئاسية المرجوة كافية ليخرج النظام مسرحيته الهزلية القديمة ويدفع بمؤيديه للتظاهر يطالبون بعودة الرئيس؟ أليست كافية ليتصور علي عبدالله صالح إن الزوبعة مرت ولا داع للإنحناء لها مجدداً؟ ما الذي سيدعو رئيس يواجه معارضة هزلية ويمتلك جيشاً بأكمله للانسحاب بعد سنتين من حياة سياسية تعطيه نفوذاً مطلقاً وأموالاً طائلة؟ هل ثورتي تونس ومصر أزمة بأقسى من حرب صعدة التي راح ضحيتها عشرات الالآف أو أقسى من أزمة الجنوب التي هزت أركان المجتمع والدولة؟ هذا نظام هجين من النظام المصري ببيروقراطيته واهترائه وانعدام رؤيته والنظام العراقي بعسكرته وعنفه والحكم الإمامي بتخلفه وانعزاليته ليس هذا فقط بل يضيف لها عبثه وتنازله عن سيادة البلاد عندما سمح للطيران الأمريكي والسعودي بالضرب جنوباً وشمالاً ولاتبدو معارضته بأفضل منه فهي إما وجه لتخلفه وانعدام الرؤية كأحزاب اللقاء المشترك أو وجه لانعزاليته وعنفه كالحوثيين أو وجه لمناطقيته واهترائه كالحراك الجنوبي. لا إصلاح مرجو من هذا النظام وهذا وهم جديد لمثقفينا.

التغيير سوف يكون دموي وهو لم يكن إلا كذلك في اليمن فالحرب في الشمال لاسقاط الإمامة امتدت لسبع سنوات حرب أهليه وحرباً للإستقلال في الجنوب ترافقت مع حرب اهلية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير ثم وحدة تبعتها حرب أهلية عام 1994م والآن البلاد في حكم الحرب الأهلية لكن جغرافيتها لازالت محدودة وفي طريقها للاتساع. بذا عندما يخرج المواطن اليمني من بيته فهو لايضحي بالإستقرار وحلم الإصلاح التدريجي بل يريد فرض رغبته وإرادته الغائبة عن جميع القوى السياسية الموجودة في الساحة الحالية، يريد حياة يستحقها وتليق بأحلامه التي تبعثرت بسنوات الأزمة المزمنة ويرى في نفسه صوت المظلوم الذي خرج للمطالبة بحقه محاولاً تغيير اتجاه الأحداث لصالحه لربما يتفادى حرباً اهلية محدقة أو استطاع أن يجعل من نفسه قوة جديدة بنفس جديد فيها مطلب سياسي وطني هو إسقاط النظام أو التغيير أو الإصلاح السياسي فيما يعد تحولاً إيجابياً في كون المطالب لاتأخذ نفساً دينياً أو مناطقياً وموجودة في اطارها الوطني الجامع وهي الهوية اليمنية الجامعة باعتبارها مطالب وطنية عامة لاتقتصر على فئة معينة.

الحكومة والمعارضة تواجهان الأزمة بأمراضها المزمنة والمثقفون ينذرون ويحذرون كما جرت العادة لكن يبدو إن الجميع لم يستوعب بعض مستجدات الساحة، فانطلاق الاحتجاجات من مدينة تعز حاضنة المناطق الوسطى بكثافتها السكانية وباعتبارها نقطة الإتزان الحقيقية في اليمن بين الشمال والجنوب وبما لها من أهمية سياسية؛ تحركها لو استمر بقوة سوف يسحب البساط من الحركة الإنفصالية في الجنوب ويهز موازين القوى في الشمال، فهي حركة انطلقت ضمن الانجازات اليمنية التاريخية وهي ثورة سبتمبر في الشمال التي كادت تضيع وثورة اكتوبر والوحدة اليمنية وهما في مهب رياح عاتية بالفعل وجميعها انجازات ترتكز على بعض فلابقاء للجمهورية في ظل غياب الوحدة والعكس صحيح كما إن سقوط الوحدة سوف يفضى لتقسيم الجنوب وربما لتدخل خارجي واسع يفقد فيه كل منجزات ثورة اكتوبر، هذا التغيير الايجابي في تحرك الشارع الذي خرج عن اطار الغوغائية والعصبيات الجهوية والتطرف الديني يستحق النظر له بتقدير حقيقي واحتضان دون نذير ووعيد.

ليس هذا فقط بل ما يسترعي الاهتمام فيما جد بتحركات الشارع هو ظهور محور مهم للأحداث هو محور عدن- تعز، فاليمن التي توجد فيها عدة محاور ملتهبة وهي محور ابين- الضالع بمعارك الجغرافيا الإجتماعية ومحور صنعاء- صعده بمعارك تصفية التاريخ والجبهة على كلتا المحورين كانت مشتعلة في صراعات الحراك الداخلية تتبدى بوضوح معارك محور ابين- الضالع بينما حرب صعده تبدو شاهداً قوياً على صراع محور صنعاء – صعده. لكن ظل محوراً حيوياً شهد احداث اليمن الكبرى حتى بداية التسعينات وهو محور عدن- تعز المدينتان اللتان حافظتا على هدوئهما وسط هذه الأزمات حتى إن عدن لم تنضم لفعاليات الحراك ولم تكن فاعلاً حقيقياً فيه. هذا المحور تتبدى أهميته ليس في كونه يخرج اليمن من التقسيم الأخطر وهو الشمال والجنوب بل لكونه محور التحديث في اليمن منه هبت وجاءت وارتدت، هو محور صراعات التحديث المتعثر والبطيء في اليمن الذي استعصي المستقبل عن القدوم له.

هناك بعض الاشارات الايجابية التي قدمها الشارع لمثقفينا المتطيرين دوماً ولست بإستثناء منهم والسياسيين الذين ابتعدوا كثيراً عن الشارع، لكن واجب الجميع اليوم التقاط هذه الاشارات الإيجابية لربما تغيرت اتجاه دفة الأحداث نحو يمن أفضل وإن كانت الكلفة باهظة فهي باهظة على أي حال ولاخيار لمن يجلس ببيته إلا أن المستقبل لن يأتي له وهو جالساً.

—-

*ميساء شجاع الدين، صحفية يمنية مقيمة في القاهرة حيث تدرس ماجستير دراسات اسلامية في الجامعة الاميركية بالقاهرة

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية