هوية وهمية أم تعددية حقيقية؟

الإثنين 07 آذار 2011

Ink on Canvas - by Basel Uraiqat

بقلم بسمة عبدالله

أتفق مع علاء طوالبة في تساؤلاته خاصة أنني أشاركه في بعدي عن السياسة والاقتصاد والاستراتيجيات العالمية في التلاعب بالإنسان ونظرية المؤامرة. لكن ما أثار لدي الرغبة في الرد هو سؤاله المهم: ما هي الأهداف التي نسعى إليها وما هي الإيديولوجيات التي يجب أن نكتسبها؟ يذكرني هذا بالسؤال الفلسفي الأهم خاصة بالنسبة للوجوديين عن معنى الحياة ولماذا نعيشها وما هي الأشياء التي يجب أن نسعى إليها. أرق هذا السؤال الفلاسفة لقرون عديدة بتشعباته من ديانات ونظريات الخير والشر والحياة والموت حتى وصلت الفلسفة العالمية إلى طريق مسدود، لكن الفيلسوف الأهم برأيي والذي استطاع حل المعضلة هو الألماني مارتن هيديجر، حيث وجد أن أفضل طريقة لإيجاد الحل هي بالتخلص من السؤال أصلاُ وإيجاد طريقة ثانية للبحث عن طريقة للحياة بعيداً عن السؤال عن خلاصة لا وجود لها.

لا أريد الخوض هنا في تفاصيل النظرية لكن فقط الإشارة إلى ما هو مرتبط بسؤالنا عن الهوية والأهداف. من أهم الأمور في نظريات هيديجر هو إعادة طرحة لمشكلة الوجود بحيث أسقط السؤال ماذا يعني أن نكون موجودين، وذلك لأننا طالما سألنا هذا السؤال لن نجد له جواباً. لكن الأهم من ذلك أن معرفة وفهم الوجود هي بداخل كل إنسان منا بدليل أننا موجودون ونستطيع أن نعيش ونعمل ونتفاعل مع المحيط. فنحن نعرف الوجود جيداَ لدرجة أننا أصبحنا كالمحترف الذي يقوم بصنعته بسهولة وبشكل يومي دون أن يسأل الأسئلة الأساسية التي يسألها المبتدئ الذي لا يزال يجد صعوبة في استخدام أدواته. فلا يتسائل المحترف العارف عن كيفية عمل الأشياء إلا عندما يحصل عطب في أدواته أو في جسده ويجد نفسه مضطر للتفكير في أساسيات الأشياء. مثلا يستطيع الأصحاء المشي دون التفكير بتفاصيل حركة القدمين ولكن عندما تنكسر الرجل أو تصاب يصبح عليهم التفكير بكل حركة كأطفال رضع. بالتالي فالإنسان يمارس الوجود بكل لحظة من حياته باحتراف ومعرفة دون أية تخوفات حتى يحصل تغيير ما فيشعر الأنسان بالحاجة للتساؤل عن معنى وجوده.

وبنفس الطريقة، بسبب التغيرات الحاصلة في العالم العربي والصحوة التي أصابتنا في وقت قصير نشعر بالضياع كالمراهق الذي اكتشف فجأة ان لديه القدرة على اتخاذ القرارات لكن لم يبلغ مرحلة من النضج تمكنه من اتخاذها باحتراف وسهولة. وأنا أيضاً أنتمي لهذا الجيل المراهق الذي اكتشف أن أبويه أخطآ وعليه الآن إيجاد نفسه، لكنني أرى السؤال بطريقة أخرى الآن. فالجميع يتحدث عن الهوية العربية والأهداف الموحدة ويبحثون عن الوحدة منذ قرون ولا يجدونها مثل الفلاسفة الذين بحثوا عن معنى الوجود ولم يجدوه. أرى أننا لكي ننهض بأنفسنا وبحضاراتنا يجب أن نأخذ طريقاً آخراً أكثر إثارة وأغنى لكنه الأبعد عن المعروف والمتفق عليه، وهذا الطريق يتطلب أن نتوقف عن السؤال السفسطائي عن الهوية العربية الموحدة وأن نبدأ بالعيش ضمن الطبوغرافية الغنية التركيب لشعوبنا وأفرادنا.

نحن شعب صحيح أننا نتشارك في اللغة العربية الفصيحة لكننا نتحدث في بيوتنا لهجات مختلفة قد تصل لمرحلة من البعد عن اللغة العربية الفصيحة لدرجة أننا لا نفهم بعضنا. عاداتنا وتقاليدنا التي يجبرنا آباؤنا على التمسك بها تختلف من بيت لآخر فكيف يمكن أن تتفق عليها الشعوب متكاملة؟ طعامنا وشرابنا وكتاباتنا وقصائدنا وفننا يختلف بين البلدان والمدن والشوارع والبيوت وحتى أفراد الأسرة الواحدة. لكن هذا هو السحر بعينه وهذه هي القوة التي يجب أن نستثمر بها. فبدل أن نبحث عن المشترك ونطمس المختلف ونبعده بتسميته مستورد أو عبثي، لم لا نتقبله بل ونحتفل به ونقدسه ونبدأ بالنظر إلى بعضنا بعضاً كأفراد منتجين مفكرين والأهم من ذلك مختلفين. نحن نرى التناقضات حولنا كل يوم وننتقدها أو نصرف النظر عنها كعيوب لا نريد الاعتراف بها، لكن لماذا لا نمسكها وندرسها والأهم من ذلك نحبها؟ لا يمكن لنا أن نصنع أوطاناً من شعوب وأصول مختلفة بهوية موحدة، بل يجب أن يكون شعارنا هو الاختلاف والتعددية، وبذلك بدل أن نكون كلنا مواطنين بعيدين عن إية إحساس بالانتماء لأننا كلنا غرباء في ثقافة وهوية وهمية، يمكننا أن ننتمي جميعاً إلى وطن شعاره الإبداع والتغيير والتعدد والاختلاف والأهم من ذلك كله أن نمارس وجودنا بكل ثقة ومهارة. فلا يوجد أي شيئين متطابقين في العالم ومحاولة البحث هي فقط عبارة عن عملية حفر لقبور لا تجد قاعاً، لكن العالم ملئ بالأشياء المختلفة التي تتشارك في المصالح والمسؤوليات لتستمر الحياة على أفضل ما قدرلها أن تكون. فليكن شعارنا الاختلاف ولتكن هويتنا متعددة ولنحتفل بالوجود والإنسانية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية