شارع واحد وخمس نساء في وسط البلد

الأربعاء 10 آذار 2010

في إحدى الشوارع المتاخمة لوسط البلد والمطلة لبقعة جغرافية تاريخية هامة، برز فيه مؤخرا نشاطا غير متوقعا لـ5 داعرات.

وهذا الشارع اعتدت الذهاب إليه من حين إلى آخر لأجل الالتقاء بمجوعة من التجار والمواطنين الذين باتوا يشكلون لي مصدرا لأخباري، وهذا الشارع وبعيدا عنهم وجدت فيه ما لا تتوقعه الأعين.

فتلك النسوة، يبدو عليهن ملامح الإرهاق من كثر المشي في ذات الشارع ذهابا وإيابا على طوله أملا بسيارة فارهة تقف لإحداهن لتأخذها لساعات وربما ليوم لا أدري.

بالصدفة كنت في هذا الشارع في هذا الوقت بين 4-6 مساءً، في مهمتي الصحفية، حيث أبحث عن حالات لأقابلها لتقرير كان لي حول إزالة الدعم عن 13 سلعة أساسية، وما أن شهدت هذا المنظر حتى أن فضولا دب في فكري وجعلني أبقى أسيرا لما قد سيحدث لتلك النسوة.

إحداهن وهي قصيرة القامة حيث تنفرد بعدم ارتداءها الحجاب، كانت تضع مكياجا مبالغا به في وجهها، وعمرها ربما أربعينية، سمعتها تتحدث مع رجل خمسيني، وكأنني نسجت في مخيلتي بأنه “قواد” وهو فيما بعد تبين كذلك، بدا يتحدث معها ثم أعطاها هاتفه النقال للتحدث من خلاله مع زبون ربما، وفعلا أدعيت المرور من أمامهم وكانت تتحدث بصوت مبحوح وخشن ربما بفعل الدخان الذي تدخنه وكانت السيجارة تكاد تنطفئ بين أصابع يدها اليمنى.

ثم مررت بأخرى تجلس على عتبة محل مغلق، محجبة بلابس أسود، وترفع العباية كاشفة عند إحدى قدميها وكانت تلبس تحته “كيلون” أبيض شفاف. وأخرى تركض على كشك لشراء القهوة وتدخن.

غير المحجبة نالت نصيبا وتوقفت لها سيارة مرسيدس كلاسيك موديل التسعينات، توقفت تتحدث معه لخمس دقائق ثم ركبت معه وما أن لف في سيارته الشارع للإقلاع حتى توقف ونزلت منه وسط سخطها وصراخها..يبدو أنها لم تتفق معه. بالمقبل كانت سيارة بك آب تقف وفيها شابين يبحثان عن سبيلا لصعود إحداهن ربما مجاناً.

بعيداً عن وصف التفاصيل، شعرت بحزن عميق تجاه تلك النسوة، وأكاد أجزم أن أصغرهن لا تعي ما قد يحصل لها من أمراض أو مخاطر أخرى كأن يعتدي عليها بالضرب الزبون، ربما الفقر أو الوحدة أو الإجبار دفعهن للعمل.

لا أدري، لو كانت وزارة الصحة تقف أمامهن هل تعطيهم “الكوندم” أو الواقي لتثني من فرص انتقال أي مرض لهن، أم ماذا؟؟

بعيدا عن أحكام المجتمع كأن يتم نقلهن في كابينة الشرطة وتحويلهم إلى المركز الأمني ثم مركز الإصلاح، هل يتم التعامل مع الداعرات بمنطلق صحي صرف. هل يتم الاشتغال معهن لكي يتم حد لانتشار الأمراض المتأتية عبر الاتصال الجنسي.

مهنة الدعارة موجودة منذ زمن بعيد،، ولا تتوانى المؤسسات المختلفة من توعية “الضحايا” من النساء من نار وتبعات العمل فيها، وليس فقط من انتشار الأوبئة إليهن وإنما من ضرب واعتداء يقع تجاههن.

إحدى الناشطات بحقوق النساء، قالت لي يوما أن جمعيتها تتابع حالة داعرة تعرضت للضرب المبرح من قبل أحد الزبائن وهذا نصف الضرب أكمله شرطي بعد أن حولها الزبون إلى مركز أمن. يا لهول الاعتداء من زبون وشرطي؟؟ ما رأيكم بهذه الحادثة؟

أوصياء المجتمع يحمون أنفسهم من الداعرة، وبالمقابل الشرطي لم يحاسب الزبون وإنما اتفق معه على ضرب “غير مبرر” لتلك المرأة وهي على كل حال “إنسان” أنظروا أين أصبح تفكيرنا أنها أولا إنسان.

لا أخفي من خوفي على الداعرات الخمس من إمكانية تعرضهن لاعتداء من الزبائن، كنت أتمنى أن يتوقفن عن العمل بتلك المهنة المهنية لهن، ولكن إن لم يتوقفن فالخوف من موتهن إما تحت أيدي الزبون أو الشرطي ..

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية