وقفات تستصرخ لإنسانيتنا – مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان

الأربعاء 22 كانون الأول 2010

بقلم ريما الصيفي
(بمشاركة ريم المصري ولينا عجيلات)

تخرج من قاعة العرض و تبقى صامتا ، تخرج من حلقة النقاش حانقا وتخرج من حفلة غنائية بشعور مزعج ومضغوط .
تطاردك الأفكار المطروحة وتدفعك للتوقف برهة …تدرك أن هناك شيئا ما قد أثر فيك وذكرك بك …بانسانيتك بكرامتك .

كرامة مهرجان أفلام حقوق الانسان، أقيم لأول مرة في المركز الثقافي الملكي من 5 -10 كانون الأول 2010 . بدعم من المركز الوطني لحقوق الانسان والمركز الثقافي الملكي وبتنظيم من قبل شبكة الاعلام المجتمعي والمعمل 612 للانتاج الفني .

عرض المهرجان 27 فيلم من كافة انحاء العالم واستضاف جلسات حوارية وعروض فنية تعنى بحقوق الانسان ؛ كانت بمثابة وقفات تستثير الحضور و تدفعه للتفكر بحاله.

فيلم الافتتاح
افتتح المهرجان بعرض للفيلم المصري “بنتين من مصر”، إخراج محمد أمين وبطولة زينة (حنان) والممثلة الأردنية صبا مبارك (داليا). المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي اكتظ بالحضور الذي فاق سعته ولم يترك بقعة في الممرات الجانبية أو الخلفية حول صفوف المقاعد إلا ملأها جلوسا على الارض أو وقوفا. إلا أن بعض الحضور غادروا قبل نهاية الفيلم الذي تجاوز طوله الساعتين، تناول فيها قضية “العنوسة” ووصول نسبة كبيرة من النساء في مصر إلى الثلاثينات من العمر دون أن يتزوجن. يحكي الفيلم قصة امرأتين في بداية الثلاثينات: داليا طبيبة وحنان موظفة في جامعة، همهن الاكبر العثور على عريس من خلال محاولات واستراتيجيات يائسة والكثير من التنازلات. نرى حنان تصارع الخوف من أن تمضي حياتها وحدها، تتصرف كالمراهقة في كثير من الأحيان، تريد “ظل راجل ولا ظل حيطة”… تتساءل عن ثواب حرمان المرأة نفسها من الشهوات، هل يحصل الرجل الملتزم على نساء حور العين في الجنة بينما يستمر حرمان المرأة الملتزمة؟ الفيلم يسلط الضوء على تركيز المجتمع على عذرية المرأة، ويتناول قضايا اجتماعية وسياسية أخرى مثل التعذيب في مصر والبطالة والقمع السياسي والاجتماعي، والهجرة غير القانونية للعمل في دول الخليج. برغم واقعية الاداء والنص لو أخذنا المشاهد منفردة، الا أن طول الفيلم وكمية الدراما والظروف السلبية التي تتعرض لها الشخصيات كانا أكثر من اللازم، وكان بالامكان اختزال الكثير وإيصال الفكرة بفاعلية.

كاميليا جبران
أرادت أن تكون تجربة السماع لألبومها الجديد “و نبني” مع الفنان الألماني ويرنر هاسلر ، تجربة انفرادية فيها شيئ من الخصوصية و لكن في الوقت نفسه مجتمعية يتحول فيها الحضور الى مجتمع صغير تربطه تلك الموسيقى الروحية، بعيدا عن فراغ صالات المسرح والعروض الكبيرة، فكان لكاميليا جبران ذالك في اختيار غرفة البويلر التي هبط اليها ٧٠ من الحضور فقط، حسب طلبها.
“ونبني” هو استكمال للمشروع الموسيقي التي بدأته كاميليا مع هاسلر في عام 2003 و الذي فيه أرادت آن تعيد زيارة نصوص شعراء الألبوم الأول “وميض”، و شعراء آخرين مختلفين، مع اختزال الوعي الذي يطلقه وميض عن تجارب الإنسانية في الحروب و ما تخلفه من آثار في نفوس من عايشها.

“آهٍ أطلق صرختنا حتى إن لم يسمعها أحد في الريح
حتى إن ظلت خرساء على فمك ِ الاخرس
وتعال ادخل مملكتي من نافذتي المفتوحة من أجلك منذ عصور
لنؤلف جيش العودة، حيث نقاتل في صف المنسيين
ونبني عاصمة اخرى للعالم.”
التحام موسيقى البوق الخاصة بهاسلر مع صوت كاميليا وعودها و هي تغني هذه الكلمات من قصيدة “و نبني” للشاعر العراقي فاضل العزاوي، بثت في مخيلتنا واقع الشاعر ووعيه الداخلي لما خلفته الحروب فيه لحظة ولادة النص. زارت كاميليا من ألبوم “ونبني” قصائد لشعراء مثل المغربي حسن نجمي في قصيدته “أضأنا “، والسورية عائشة الأرناؤوط في “ونعرف”، و من ألبوم “وميض” “غريبة” لجبران خليل جبران. و لكن صمت الحاضرين الصارخ بالتأثر والإندماج كُسر بحماس عندما أعلنت كاميليا غنائها لقصيدة “الشاطئ الآخر” لليوناني ديمتري أوناسيس و من كلماتها “فنحن مطرودون من نفوسنا و ممنوعون من الإقامة في بلادنا الحقيقية…نحن أهل الشاطئ الآخر …دمنا يتحدي الزمن…لا تقدر أن تمحونا ..”

مثلما لم تتخيل ملفات أرشيف مركز الثقافة الملكي من ١٩٩٢ المدفونة بغبار رفوف غرفة البويلر أن تشهد مثل هذا الحفل، من الصعب جدا تخيُل عيش مثل هذه التجربة العميقة في خلق حوار بين الموسيقى و نصوص شعر حول الإنسانية والحرب في غرفة غير غرفة البويلر أو من صوت غير صوت كاميليا.

جلسة نقاش عن حقوق المرأة في الأردن
ندوة على هامش المهرجان الثلاثاء 7-12
“لنأخذ دقيقة صمت ونتأمل كم مرة تعرضت بها الى اهانة وكم مرة سلبت حقوقك. ولم تستطع ان تدافع بها عن نفسك أو تجرؤ على ذلك.” بهذه الكلمات افتتحت د أسمى خضر الناشطة بحقوق المرأة هذه الجلسة و خصت حديثها عن العنف الموجه ضد المرأة و عرفته على أنه حرمان المرأة من اية حق من حقوقها كانسان. تطرقت د أسمى الى العنف المجتمعي ، وتعرضت الى ما يسمى بجرائم الشرف و ما طرا على التشريعات من تغييرات بالرغم من ايجابيتها فهي ما تزال دون المستوى المطلوب و تناصر الظالم على حساب المظلوم . وأكدت على اهمية توعية افراد المجتمع ذكورا واناثا بقدسية الجسد، والنساء خاصة بالسعي وراء حقوقهن.

وتعرضت أيضا لاستئصال أهالي المعاقات لأرحامهن. كأن فعل التعدي عليهن مقبول و لكن ردء الناتج هو المطلوب خوفا من الفضيحة .
واستعرضت ممثلة وزارة التنمية ميسون قارة التشريعات االجديدة التي تخص المرأة في العمل وعدم التزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور و تردي أحوال العاملات في المناطق الصناعية المؤهلة.
كذلك حددت الاقتصادية القديرة تغريد النفيسي الصعوبات التي تواجهها المراة العاملة و سيدات الأعمال اللواتي ما تزال البنوك تطلب ضمانات من أفراد عائلتهن الذكور. والصعوبات التي تتعرض لها لانشاء مؤسستها الصغيرة مع التذرع بعدم اكتمال الشروط التي قد تكون شكلية.
وكما سلطت الصحفية البارزة رنا الحسيني الضوء على أهمية التثقيف المجتمعي ليتعدى الحلقات و ليصل الى جميع المعنيين في الاردن . و ذكرت حالات تخشى بها المنابر العلمية من جامعات و مدارس لسبب أو لأخر دعوة الناشطات في حقوق المرأة للتحدث بهذه الشؤون التي ما زالت لحد ما “تابو” .
و بالنهاية اتيح المجال للحضور للنفاش فتكلم احد الحضور عن عاملات المياومة و عن منعهن من الاعتصام امام رئاسة الوزراء وعن احوالهن و اهمية التوعية بشتى القوانين وتطبيقها و تعديل بعضها لتشمل المراقبين على مناطق التنمية الخاصة.
وفي نقاش مثير للجدل تحدثت احدى الحاضرات عن صعوبة الحصول على المعلومات ونشرها وجهل المشرع في كثير من الأحيان في القانون . وذلك من خلال صعوبات تعرضت لها عند عقد قرانها . حيث أرادت وزوجها وضع شرط عدم الضرب اطلاقا ورفض القاضي الشرعي ذلك مع جوازه شرعا و قانونا، اما عن جهل او قصور منه، وتدخل بمحاولة ارغامهم على كتابة” عدم الضرب المبرح” . واستمر الحديث عن رحلتها في وضع الشروط و الجوانب القانونية و العرفية لذلك .
الا أن تعليق احدى المتحدثات الرئيسيات في الجلسة صدمت الحضور حيث قالت “المراة المحترمة ما بتحيج زوجها يضربها!!” يعكس الواقع المرير الذي تتعرض له قضية المرأة في الأردن .

أحد لأفلام: “وانا أيضا” (Yo, También)
فيلم اسباني تمثيل بابلو بينادا Pablo Pineda لولا دوينس Lola Dueñas المخرج ألفارو باستور


في سطور:
هو: يتفوق ويكون أول مصاب بمتلازمة داون ينال شهادة البكالوريوس ، يحصل على عمل. في الرابعة والثلاثين من عمره لكنه مع كل انجازاته ينظر اليه و كأنه طفل في حين أنه رجل له حاجات يتمنى الحب ويرغب في التعبير عنه. هي: امرأة لطيفة متمردة ينظر اليها زملاء العمل كساقطة ضائعة. يلتقيان و تنشأ بينهما صداقة مستهجنة من الجميع، أسرته، زملائهم وحتى هي تخشى المضي في الحب . وعليه هو أن يبرهن للجميع انه قادر و له الحق في الحب و أن يكون رجلا مع من يحب . و عليها ان تتقبل ذلك و ان تجد نفسها في حبها له متغاضية عن كل الأحكام المسبقة . فهو ايضا له الحق.
يتعرض الفيلم الى الحقوق الجنسية للمصابين بمتلازمة داون وقدراتهم على الحكم الصحيح حين تتوفر التنشئة المناسبة و دور العائلة في ذلك والمعيقات و الأحكام المسبقة من خلال قصص حب جانبية لهم في معهد للرقص .

فيلم الختام الليل الطويل
الجمعة 10 كانون الأول 2010
فيلم سوري من تأليف هيثم حقي وإخراج حاتم علي
خالد تاجا – حاتم علي – رفيق سبيعي أمل عرفة – باسل خياط – نجاح سفكوني – ضحى الدبس
بالرغم من برودة ليل عمان فان المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي لم يتسع للرواد و اضطرت ادارة المهرجان لفتح قاعة عرض ثانية حتى تستوعب عدد الحضور في الليلة الختامية . لظروف طارئة غاب مخرج العمل عن الحضور .
في سطور:
يستيقظ من حلم يستذكر به ايام المسرح أو أمانيه القديمة. يدور النقاش بين رفقائه عن اختلاف الأوضاع في الخارج ، و كيف انه لايمكن الحكم الا عند الخروج . بينما يغط الثالث بالنوم و يرفض المشاركة. يأتي امر النقل لزميله المتدثر بالغطاء أولا، وثم لزملائه بينما يبقى هو بالسجن السياسي يعاني الوحدة، الكوابيس والأرق .
تصل الأنباء لعائلته الغارقة في المساومات والغربة. تتجدد الأمال، المخاوف والقلق. ينتظرون ويتجادلون ويتبادلون الاتهامات والتبريرات. يحاولون اعادة البيت الى ماكان عليه سابقا. وهل يرجع الماضي؟ وينتظرون ويطول الانتظار لايعرفون انه اختار مصيره وذهب حيث أراد بدون مساومة .
تصل الأخبار الى العائلات الأخرى التي ذاقت المر جراء الاعتقال. هناك شوق يجازى بفرحة اللقاء. و هناك مرارة الأمل الزائف و الألم و الوحدة.

كلمة اخيرة

بنهاية العرض ونهاية المهرجان أخرج بصمت ، اقود السيارة بصمت أصل بيتي و أغلق علي بابي بصمت …أعمل الآن على انهاء الصمت .

لقد نجح المهرجان برأيي في ارغامنا على التوقف والتأمل واحداث بعض الضجة. و امتعنا تنوع البرنامج الذي لم يقتصر على الأفلام بل اشتمل نقاشات و عروض فنية وغنائية .
بيد أن البرنامج كان مضغوطا جدا و لم يسمح لي ضيق الوقت وظروف العمل حضور العديد من الفعاليات التي رغبت بشدة بحضورها خصوصا الصباحية. ربما لو طالت الفترة فامتدت الى شهر. أو أن هناك فيلمان وفعاليات على مدار كل أشهر السنة لكان هناك استمتاع اكبر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية