المواطنة والمشروع العربي المشترك

الأربعاء 20 شباط 2013

‫أبق عينيك على النجوم و قدميك على الأرض
– ثيودور روزوفلت‬

تقع المواطنة، كغيرها من المفاهيم، في صراع استقطابي بين وجهتي نظر تمثلان رؤيتين مختلفتين للمفهوم وأبعاده. من جهة يوجد التيار الليبرالي الذي يعرف المواطنة استناداً للطبيعة الفردية للإنسان كعلاقة مؤسسية تحكمها الحقوق والواجبات. ومن جهة أخرى هناك التيار المدني الجمهوري الذي يعرف المواطنة بالاستناد إلى الطبيعة السياسية والجمعية للإنسان بأنها حالة من المشاركة والالتزام بمشروع جمعي. ويدفع هذا الالتزام المواطن إلى تقديم تنازلات أو تحمل أولويات غير شخصية كقربان لعلاقة العقد الاجتماعي الممثلة بالدولة‪.‬

الفرق بين التعريفين قد يبدو سطحياً،  لكن طرحه الان في خضم ما تمر به الأمة العربية من تحولات قد يكون مصيرياً. فهل المخاض الذي تمر به الشعوب العربية ببساطة هو مخاض البحث عن رفاهية المواطنة الكاملة وميزات المساواة؟ أم أنه يتجاوزه لتحقيق الحلم العربي بأمة عربية قوية ومستقلة؟ الجواب واضح (على الأقل من الناحية الشخصية)، فالمواطنة التي لا تحملني أوتحمل أولادي إلى فلسطين هي ليست فقط مواطنة منقوصة، بل هي رشوة واضحة لمجرد تحويل أنظار الشعب العربي بعيداً عن الطريق الحقيقي وتوجيهه إلى مطلب آخر (حقيقي بدوره)، وهو الكرامة و الاستقلال‪.‬ والقضية الفلسطينية هي ليست ببساطة قضية الشعب الفلسطيني، ولكنها في حقيقتها وجه الهيمنة الغربية على المنطقة وأي استقلال حقيقي لابد أن يقود إلى انهاء حالة “الشرطي الصهيوني” على الشرق الأوسط.
‪ ‬

فهل يمكن تعريف المواطنة بما ينسجم مع تطلعات الشعب العربي وما يحقق وجهة نظر المجتمع المدني، مع الأخذ بعين الاعتبار الجدل الدائر على مستوى الشارع الأردني المتعلق بالمواطنة والهوية؟ قد نستطيع الإجابة عن هذا التساؤل إذا استطعنا تحديد المعوقات التي تحول دون الوصول إلى تعريف وطني واضح متفق عليه على المواطنة في الأردن (كما في العديد من الدول العربية)، ومن أبرز هذه المعوقات: ‪ ‬

·         وجود الهويات الفرعية التي تنامت (بتعزيزها بقرار سياسي ممنهج) لتطغى على المفهوم المواطني الحقيقي. فمثلاً توجد الهوية الأردنية والفلسطينية وكلتاهما “أحدث” من معظم مدن المنطقة، وبالتالي كان من الطبيعي أن تكون أي محاولة لإنشاء كيان سياسي مرتبط بهذه الهويات هشاً وعرضة للتفرقة الإقليمية العائمة على هويات أخرى أكثر فرعية كهوية العشيرة أو المدينة؛ تلك الهويات التي يتم تجاهلها بالرغم من أسبقيتها لمفهوم الدولة في كلا المثالين الاردني والفلسطيني. وللتوضيح، لماذا لا يتمتع سكان مدن عريقة كالكرك أو الخليل بنوع من السيادة كأبو ظبي مثلاً أو أي من الولايات الأمريكية؟
‪ ‬

·         افتقار الدولة لمشروع مركزي يمثل تطلعات الشعب كاملاً فيتوحد حوله. فالمواطن هو إنسان في نهاية الأمر وليس مجرد عجل في آلة الدولة، وإذا لم يشعر الإنسان باندفاع والتزام تجاه قضية أوهدف يتم تعبئته على أساسه فمن الصعب عليه أن يحقق أعلى درجات التفاني والمشاركة في الحياة العامة، تلك المشاركة التي تعتبر من أهم معيير انتماء شعب لدولته. فما المشروع الذي تحمله الدولة في الأردن حتى تحدد بناء عليه مدى التزام المواطنين به وانتمائهم له؟

 ‬
خذ على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية التي خاضت صراعاً طويلاً للاستقرار من بريطانيا. وهو بالمناسبة صراع للحصول على الكرامة والاستقلال، وليس بهدف الحصول على المساواة مع المواطن الانجليزي وإلا لما كان  له أن ينجح. تبلور مع هذا الصراع للاستقلال مشروع يسمى “بالحلم الأمريكي” والذي تحول بدوره إلى دولة تمثل تطلعات الشعب الأمريكي بكل فروقاته الفرعية التي ترجمت إلى ولايات ذات استقلال داخلي وارتباط وتماسك مثير للدهشة. على الطرف المقابل، فشلت حركة الحقوق المدنية للسود في ذات الولايات المتحدة الأمريكية بإحداث نقلة نوعية للسكان السود لأنها لم تطرح شكلاً جديداً للدولة ولم تمارس نقداً جذرياً لها، مما أدى إلى ابتلاع الحركة من قبل النظام الرأسمالي وأعادة إنتاج شكل جديد من الاستغلال. فعلى الرغم من أن الأمريكيين من أصل إفريقي قد نالوا “حقوق المواطنة الكاملة” إلا أن أحوالهم الاجتماعية (جمعياً) على جميع المستويات لم تتحسن (إن لم تكن تراجعت)، ففشلت الحركة بتحقيق أهدافها‪.‬
‪ ‬

إن مشروع النهضة العربية الشاملة والمستقلة هو الشكل الوحيد القادر على تحقيق الكرامة للشعب العربي، والمواطنة العربية هي مواطنة المشروع المشترك (قبل أن تكون مواطنة الحقوق والواجبات) ومواطنة المعركة الواحدة أمام خطرتحول الوطن العربي إلى ساحة للاقتتالات وأمام خطر إجهاض فرصته بتحويل ثوراته إلى شكل من إعادة توزيع السلطة وإعادة تقسيم المقسم لإنتاج جولة جديدة من الاستبداد والاستغلال.

ربما كان الشباب السوري في بدايات القرن الماضي أكثر وعياً واستشراقا للمستقبل منا، وأجمل مثال على وضوح رؤية الهدف؛ فحالة الاستعمار والتشرذم العربي آنذاك لم تقف عائقاً أمام مطالبتهم بالاستقلال، لسوريا واحدة من جبال طرطوس الى سيناء، والانضمام لباقي العرب في مشروع النهضة الواحد، ولا أعتقد أن أحدهم طالب الباب العالي أو الاستعمار بالمساواة والتحول الديموقراطي‪ ‬.

sufian's article photo

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية