عروس عمّان: مراجعة رواية

الأحد 13 كانون الثاني 2013

بقلم ساندرا الحياري

يعتلي غلاف احد الكتب رسمة لامرأة تتحلى بنظرة اصرار مختلطة بالحزن. وتحت عيناها المكحلتان بالسواد تمتزج ألوان نارية تجمع البرتقالي بالأحمر والبني والأصفر. من قال ان لا نحكم على الكتاب من غلافه قد اخطأ هذه المرة، فغلاف رواية “عروس عمان” بطبعتها الثانية للراوي فادي زغموط تحلى بلوحة للفنانة سهير السباعي استطاعت من خلالها تجسيد مكنونات القصة وتحضير القارئ للمحتوى المكتوب داخل صفحاتها.

المرأة المتحلية بالاصرار هي بطلة القصة بالمفهوم المطلق للبطلة، وللقصة ثلاثة شخصيات رئيسية كلهن من الإناث، وشخصيتان مساندتان، احداهما أنثوية والأخرى ذكرية (وحتى هذه الشخصية ينظر اليها المجتمع على انها”انثوية”). واجتماع هذه الشخصيات الخمس يصب في بوتقة واحدة: اثر المجتمع على خيارات وطريقة حياة المرأة العمانية.

برع الراوي في تسليط الضوء على هذه القضية من خلال التركيز على مرحلة مفصلية في حياة الفتاة العمانية ألا وهي مرحلة التخرج من الحياة الجامعية الى الحياة العملية وكيف تستقبل الفتاة هذه المرحلة. ثلاثة من شخصيات القصة، ليلى وحياة ورنا، هن صديقات شاركن المرحلة الدراسية الجامعية مع بعضهن الى ان أتت لحظة التخريج – نقطة ابتداء القصة – لتسلك كل واحدة منهن مساراً مهنياً واجتماعياً يختلف عن الاخرى. يفتتح زغموت القصة بمشهد للبطلة الاولى، ليلى، والتي أقامت لها عائلتها احتفالاً بمناسبة تخرجها من الجامعة وهي على أعلى قائمة المتفوقين. وتستقبل أمها وصديقات أمها هذا الإنجاز ب”عقبال ما انشوفك في بيتك”. من نقطة الانطلاق هذه، تستطرد احداث القصة لتكشف في كل فصل من فصولها عن جانب مخفي للشخصيات الرئيسية. قدم الرّاوي نموذجاً لثلاثة “زيجات” لليلى وحياة ورنا بدواعي مختلفة واختتم الرواية بعرس أيضاً.

حين بدأت بقراءة الرواية، قالت لي إحدى الصديقات أن زغموت “ظلم مدينة عمان بقصته”.

ظل هذا التعليق يرن في أذناي ويلاحقني من فصل لآخر باحثة فيه عن عمان. إن توقع القراء إيجاد عمان في القصة من خلال ما تعودنا عليه (بل ومللنا منه) من التغني بأدراجها القديمة وأحيائها ووسطها فان ظنهم سيخيب إذ لن يجدوا الا مشهداً واحداً فقط في القلعة. وجدت عمان. لم يختزل زغموت تعريفها بجغرافيتها فالمدينة هي احياناً حالة ذهنية وسيكولوجية متطبعة بعادات مشتركة ذات صبغة اجتماعية تمتاز بمفاضلة الذكورية وحصر من هم خارج إطار هذه المنظومة في زاوية ضحايا للمجتمع، فهنالك علي ‘الغاي’، وحياة المغتصبة وسلمى التي خلفت رسالة قوية عن كيف ينظر المجتمع لها.

رتب الكاتب تفاصيل الرواية عن طريق تقسيمها الى فصول، ويحوي كل فصل على باب مختص بإحدى الشخصيات الخمسة ومعنون بأسمائها منفردة ويربط اسم كل شخصية برسالة فمثلاً الرسالة الاستفتاحية في الباب الاول للبطلة ليلى هي “مميزات اكبر كامرأة صالحة للزواج”. واستطاعت رسائل كل باب خلق مساحة للقراء يستطيعون مقارنة إطارها الفكري مع أطرهم أكانت متشابهة ام مختلفة وهذه إحدى جواهر كتابة زغموت.

على الصعيد الفكري، ربطت الرواية الاسلام والمسيحية لا فرقتهما كما كسرت حاجز الصمت ووضحت طرق توائم المثليين مع أنفسهم ومحيطهم. ولكن أحد الثغرات في الرواية هي التأكيد على صور نمطية متعلقة باختلاط المرأة بالرجل سواء أكان في العمل أم على مقاعد الدراسة الجامعية، فالرواية تحوي على نسيج من حكايات ليلى التي تعمل في البنك وحياة المضيفة على متن خطوط الملكية الاردنية. وهنالك خطر من ان تعزز الرواية من مخاوف من يخشون انخراط المرأة في ميادين الحياة العامة على اختلافها.

وأخيراً، أحلى ما في كتابة زغموت أنه استطاع إيجاد عامل مشترك بين شخصيات القصة رغم اختلاف طريقة حياة كل منها. واستطاع اللعب ببراعة على حبال قضايا عادة ما تحدث خلف الكواليس الاجتماعية فجعل من الزواج والدين والمثلية الجنسية ثالوث محلل للنقاش وقلب تلك  الكواليس من مكانها لتحتل مركز المشهد الاجتماعي. ان “عروس عمان” رواية خفيفة بالوزن عند حملها بين اليدين ولكنها ثقيلة فكرياً فهي تحتاج استعداداً لتقبل الاخرين. وتطرح الرواية على مائدة النقاش وجبة دسمة من القضايا المعقدة التي سيضطر المجتمع للتعامل معها ولو بعد حين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية