قصّة البسطة التي تحوّلت إلى دكّان

الثلاثاء 07 نيسان 2009

بقلم: وائل عتيلي

كان يا مكان في وقت ليس بزمان، وفي إحدى شوارع جبل الحسين القديمة، يوجد دكّان صغير إسمه دكّان علاء. هذه القصة
عن رجل ضرير تحوّل من صاحب بسطة إلى صاحب دكّان… قصّة شبيهة بقصة الأميرة سندريلا ولكن بدلاً من سندريلا كان علاء وبدلاً من الجنيّة كان هناك مجموعة من الشباب اجتمعوا على الخير.

إخراج: عمروالطوخي

علاء

ولد علاء ضريراً لا يبصر النور. ولكنه تعلّم ودرس كما يدرس المبصرون وأنهى الثانوية العامة.. ولعلاء الكثير من القصص الطريفة التي يرويها.. فيروي لنا قصصه مع أسئلة الخرائط ومعاناته في رسمها.. وكيف صمم على النجاح بالرغم من أنه أعاد تقديم إمتحان الثانوية أكثر من مرّة… كما يروي لنا قصّة طريفة عن رجل قام بصفعه لأنه ظن أنه ينظر إلى زوجته قبل أن يكتشف أن الرجل الذي أمامه ضرير.. علاء وبالرغم من كل الظلام الذي يحيط به.. لديه قدرة عجيبة على تحويل معانته إلى نكت طريفة.

البسطة

توفي والد علاء وهو مازال مراهقاً صغيراً وأصبح على عاتق علاء مسؤولية كبيرة تكمن في رعاية أسرة من خمسة أفراد. ومن هنا بدأت رحلة أخرى لعلاء حيث لم يجد سوى العمل على بسطة صغيرة قرب أحد المساجد في عمّان. ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة له، فقد كان فريسة سهلة لكبسات الأمانة والتنمية الإجتماعية، وهكذا ظل حال علاء حتى التقى بالشباب…

زبائن خير

بالرغم من زبائن الأمانة، كان هناك زبائن من نوع آخر، توفيق وخالد صديقان من روّاد ذاك المسجد الذي حوى بسطة علاء. وفي كل مرّة يمر بها توفيق وخالد من أمام البسطة تقصر المسافة بينهم حتى أصبح السلام واجباً بين الشباب. وفي كل مرّة يمر توفيق أو خالد من أمام البسطة
يتوقفان قليلاً للاستماع إلى قصص علاء الطريفة واسلوبه الساخر في وصف واقعه الذي يعيش.

إختفاء علاء

وفي يوم من الأيام اختفت بسطة علاء وطال غيابه واستمر هذا الوضع ما يقارب الشهرين مما أثار استغراب كل من توفيق وخالد اللذان سوارهما القلق والحيرة تجاه صاحب البسطة الضرير. وبعد شهرين عاد علاء إلى موقعه فسارع توفيق وخالد لسؤاله عن سبب هذا الغياب. فكان السبب أن التنمية الاجتماعية إعتقلت علاء بسبب البسطة وأصبح هذا العمل لا يجدي نفعاً أبداً ولكن لا يوجد لديه أي خيار آخر سوى الاستمرار في هذا الدوّامة. ومنذ تلك اللحظة قرر خالد وتوفيق أنه أصبح من الضروري تغير واقع هذا الرجل المأساوي ومساعدته بأي طريقة.


مشروع كشك

في البداية حاول خالد وتوفيق تأمين كشك صغير لعلاء يستطيع من خلاله العمل ولكن عملية الترخيص كانت مستحيلة.. فمنذ ثماني سنوات “وقبل التعرف على خالد وتوفيق”حاول علاء عدّة مرات ترخيص كشك صغير ولكن كان مصير هذه المحاولات الفشل بحجة أنه ضرير.. ومع كل هذا حاول كل من خالد وتوفيق ترخيص الكشك ولم يفلحوا أبداً حتي مع جهودهم في تدبير واسطة لذلك.

بصيص أمل.

وبعد أشهر عدّة إتصل علاء بالشباب وأخبرهم أن هناك بقّالة معروضة للبيع بالقرب من منزله. ومع أن الرقم كان فلكياً بالنسبة لعلاء ” ٨٠٠٠ دينار” إلاّ أن هذا الأمر لم يثبط من عزيمته وإقدامه. وهنا بدأ الشباب بالتفكير جدياً في المشروع ومساعدة علاء على تحقيق هدفه.

الجنّية اشتغلت مع الشباب

وجد توفيق وخالد أن مساعدة علاء لن تكون مجدية بمجرد إعطاءه بعض النقود وأن عليهم أن يعملوا أكثر من أجل تغير حياته جذرياً. ومن هنا قرر الإثنان أن يتحول علاء من صاحب بسطة إلى صاحب دكّان قادر على شق الطريق بنفسه.. يقول توفيق: إن ما دفعنا لمساعدة علاء هو طموحه وإصراره على النجاح وخوض التجربة دون تردد. وبما أننا أنا وخالد من أصحاب الشركات الناشئة كانت لدينا رؤيا بأن نقوم بتطبيق الأفكار والنظريات والمعايير المتعلقة بإدارة الأعمال وتطويرها في مشاريع صغيرة تخدم المجتمعات الفقيرة وقد كانت هذه فرصة لنا للتجريب والعمل على أن يكون مشروع دكان علاء قابلاً للتطبيق و أن تكون لديه صفة الديمومة والتوسعيه. وبالتالي يمكن تحويله إلى نموذج يمكننا أن نطبقه مع أشخاص آخرين.

>جمع رأس المال

بدأت عملية جمع المبلغ لشراء الدكّان، وقد ساهم الجيران والمعارف وأهل المسجد في ذلك.. وقام خالد وتوفيق بإقناع إمام المسجد بإلقاء خطبة عن المشروع لدعم الفكرة. وفي النهاية تم تحصيل المبلغ إمّا على شكل تبرعات أو ديون يتم سدادها من أرباح المشروع فيما بعد. ولكي يضمن كل من خالد وتوفيق نجاح المعروف بدأوا بطبيق الأفكار التي تساعد على تطوير العمل وديمومته.. فتحدثوا إلى صاحب محل تجاري ناجح وأخبروه القصّه، ولم يطلبوا منه دعماً مادياً بل طلبوامنه أن يقوم بتدريب علاء ونقل ما
يستطيع من خبرات لديه، فاستحسن الفكرة ووافق على الفور.

صعوبات

لكن صاحب المحل التجاري الناجح وجد أن جهوده ستذهب سدى لأن حال الدكّان والبضاعة التي فيها كانت في حالة مزرية وشحيحة. فاقترح على خالد وتوفيق جمع نقود أخرى لشراء بضاعة جديدة. وبالفعل تم جمع مبلغ آخر من المال على شكل تبرعات أو ديون لتأمين المحل بالبضائع. كما استطاع الشباب أن يجدوا بائع جملة يمول المحل بكميات قليلة تناسب إمكانات علاء الحالية. ثم طلب توفيق من عمرو “وهو مخرج للأفلام” من تصوير المحل قبل وبعد البضائع الجديدة، إلاّ أن عمرو وجد أن حال المحل مزري ويحتاج بالعربي إلى نفض “فاقترح أن يتم تنظيفه ودهانه من جديد”. ولكن الوقت لم يكن في صالحهم فالدكّان قريب من مدرسة للبنات وقد شارف إنتهاء العطلة وبدأ دوام المدارس، فكان لا بد من البدأ بعملية التغير بأسرع وقت.

ورشة قلب المحل | إكستريم ميك أوفر

في صباح يوم جمعة، إتصل بي عمرو وأخبرني أنه يريد أن يأخذني إلى مكان ما بعد صلاة الجمعة. فكان المكان دكّان علاء وهناك قابلت علاء وأخاه ووالدته وعرفت عن حكاية علاء. وقال لي عمرو أنهم يريدون تغير المحل خلال يومين.. ظننت في البداية أنه كان يمزح ولكن عمرو لم يكن كذلك. وبالفعل كانت حماسة عمرو تشعل الجميع.. وبدأ العمل.. وصراحة تحول العمل من مجرد دهان جدران إلى تغيير كامل للمحل… وبدأ الشباب بالاتصال بمعارفهم من الحرفيين من حداد ونجّار وكهربائي ودهّين ومعلّم ألمنيوم. وشارك الكثير من الشباب والأصدقاء كل حسب خبرته ومستطاعه.. كما ساهم شباب الحارة وأصدقاء علاء في كثير من الأعمال التي شملت النقل والتنظيف والمساعده وسهروا حتى أوقات متأخرة لإنجاز العمل. ومن الأشخاص الذين برزوا في هذه الورشه شاب أسمه محمد عوّاد، الذي أخذ على عاتقه إدارة المشروع وتوفير كل المستلزمات التي كان أي شخص في العمل يحتاج إليها.

بصراحة لم أكن أصدق أن الشباب قادرون على إنجاز هذا المشروع، حتى في كثير من الأحيان كنت أحس أني مُثبط للعزائم بحجّة الواقعية. ولكن حماسة الشباب أسكتت كل منطق كان لدي. صحيح أن العمل أخذ أكثر من يومين ولكن لولا إصرارهم لما تم إنجاز شيء. يذكر أن تكلفة نفض المحل لم تتجاوز الـ١٥٠٠ دينار أو يزيد بقليل.
بداية الطريق

بعد الانتهاء من العمل تحسنت أوضاع البيع والشراء وتضاعف المدخول وأصبح علاء قادر على إعالة أسرته وأصبح فرداً عاملاً ومنتجاً في هذا المجتمع، وفي الوقت الحالي يقوم هادي -وهو محاسب متخصص- بأعمال إستشارات وتدريب في الإدارة المالية والمحاسبية في المشروع. أمّا بالنسبة للمدرسة المجاورة فقد قام الشباب بشرح القصة لمديرة المدرسة التي أبدت دعمّا كبيراً لفكرة الدكّان وساعدت على ترويج الدكّان بين طالبات المدرسة.. ولكن مازالت هناك تحديات كبيرة أمام علاء وهي تسديد الديون المتراكمة وضمان إستمرار العمل. والآن تأتي الخطوة التالية لعلاء وهي تعلّم قيادة السيّارة!! ربما!

مجتمع الخير

إن في هذه القصّة الكثير الكثير من الدروس والعبر المؤثرة، وربما لأنني عشت هذه التجربة وكنت جزءا منها فإن لهذه الدروس والعبر وقع آخر علي. ولكن من أهم الأشياء المؤثرة هو طموح وإصرار علاء الذي ألهم الجميع وجعلنا أطفالاً صغاراً أمام معلّم كبير مثله. أضف على ذلك عفوية كل الأحداث وتتطورها بشكل فاق كل توقعات الجميع، فمن فكرة كشك إلى دكّان إلى مشروع. لقد أثبتت هذه التجربة أن أي شخص قادرٌ على فعل التغير وإحداث فرق حتى ولو بمجهود قليل. وأن المساعدة ليست بالضرورة أن تكون تقديم مبلغ من المال أو التكرم بأشياد عينية، إن كل واحد منا لديه خبرة معينة في مجال ما يمكن أن يشارك بها الآخرين فتساعدهم على تغير حياة الكثيرين وإحداث فرق لا يمكن لأي دينار أن يحدثه. كما جعلتني أدرك هذه التجربة أن بذرة الخير موجودة لدى الجميع، مهما كانت أفكاركهم أو إتجاهاتهم، وأن عمل الخير معدي وقادر على التأثير في الجميع. وأن المجتمع في لحظات الحاجة قادرٌ على التكافل والوقوف في صف واحد من أجل التغيير.

أبطال القصة الحقيقيون

أصحاب الدكّان
علاء سلامه
علي سلامه
شباب الحارة
وسيم مجالي
حسن شعبان
عادل خطيب
زيد دوله
طه أبوصالح
متطوعون
توفيق سعد الدين
خالد كلالدة
عمرو الطوخي
محمد عوّاد
وائل عتيلي
وفا النابلسي
هادي كرمي
شكر خاص
أعمال الكهرباء: رأفت عريقات
أعمال الدهان: أشرف أبو الشوارب وفريقه
أعمال صيانة الثلاجات: جمال
أعمال حدادة: جلاء عبدالجبار وفريقه
أعمال نجارة: محمد عساف
شركة تجارة الألمنيوم
عدنان للاعلان
استيتية للبرادي والأرضيات
نيروخ للأرفف والخزائن

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية