التحدي

الخميس 26 شباط 2009

dsc04845

د.حمدي أبو عدس


لم يكن الهدف من ذهابي لغزة سوى تلبية نداء الإخوة هناك، حيث طلبوا المساعدة في تلك المحنة التي ليس لها مقياس حتى على درجات رختر. كان ما كان و رأيت ما رأيت. و بعد عودتنا، تفاجأت بدعوة من مكتب محاظير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق، عبر السفارة الماليزية. حيث تم دعوة مجموعة من الأطباء الأردنيين للمشاركة بمؤتمر لإدانة جرائم الحرب و نصرة غزة في ماليزيا. كشهود عيان على الجرائم الإسرائيلية البشعة في غزة. كان علينا أن نسرد بعض مشاهداتنا الطبية كما كان كان علينا أن نري الحاضرين بعضا من الصور التي التقطناها و التي ستبقى دائما شاهدة على وضاعة الحروب التي تختلقها اسرائيل ضد الفلسطينيين
و بالرغم انه حرب غزة تستحق كتاب لوحدها، الا ان هذا ليس موضوعي اليوم. كانت هذه المقدمة فقط لشرح الظروف التي ادت الى لقائي بالسيد محاظير محمد، وهو الباني لماليزيا و الأب الروحي لها. يعطى هذا العملاق العظيم فضل هندسة تحديث ماليزيا ، و زرع قيم التكافؤ الإجتماعي و محاربة الفردية في اسيا خلال الإثنين و عشرين عاما التي تولى خلالها منصبه كرئيس وزارة. كما يعتبرواحدا من اكثر القادة المؤثرين في اسيا و خاصة لقدرته على انتقاد الغرب بطريقة حضارية و مسموعة.

المهم انه انجازاته أدت الى استحقاقه دخول كتب التاريخ بجدارة

في المؤتمر حظيت بفرصة التكلم معه.  كنت أود أن أطرح علىه سؤالا لم أجد له جوابا لأكثر من خمسين عاما. الا و هو “ما هي الية الصعود من الهاوية التي نقبع فيها من زمن ليس بالقليل”. و لفرحتي أجابني هذا الرجل بجواب لخصه في جملة بسيطة “يجب أن نتشارك جميعا في عمل الكعكة (الكيك) التي علينا ان نأكل جميعا منها ”
بدأ بعد ذلك بتبسيط الأمور، حيث اخبرني انه الماليزيين من ثلاثة أعراق وأصول: المالاوي، الهندي و الصيني. لهم لغات و أديان مختلفة بل في الحقيقة ليس هناك أي قاسم مشترك بينهم. قبيل توليه المنصب في 1981 كانت كل فئة منهم تريد أن تنفرد بالسلطة، كما تريد الإمتيازات للأبناء جلدته

قال السيد محاظير “عندما استلمت السلطة، قلت للماليزيين أن لدينا كعكة، كل منا يرغب في أخذها له. بذلك ستنشأ المشاحنات و الخصومة و المحسوبية. الأفضل أن نتشارك جميعنا في تنشأتها و أكلها. و بجهود المجموعة، تكبر الكعكة و تكفي لجميع فئات المجتمع.”   أكمل بعد ذلك قائلا أن أهم التطورت كانت، بتطويردولة المؤسسات لا دولة الأمزجة و المجموعات. و طبق القانون على الجميع بلا استثناءات. و سارت الأمور حتى أصبحت الكعكة أكبر بكثير من الكعكة الأصلية، و أصبحت تكفي للجميع”

كنت معجب بهذا الرجل العظيم، لذلك رغبت بمعرفة المزيد عنه. مما دفعني للتكلم مع مساعديه. و أذكر هنا نادرتين

الأولى، انه عندما اختار التنحي عن رئاسة الوزاررة، سئل عن اسبابه لترك هذا المنصب و الذي لا يصلح الا به، فأجابهم أنه اذا لم يستطع شخص اخرشغل هذا المنصب، فهذا يعني انه فشل فشلا ذريعا بالقيام بواجبه. أما النادرة الأخرى، فبعد دورتين من انتخابات رئاسة الوزارة، لا يزال الماليزيين يكتبون اسمه في اوراق الإنتخابات بالرغم انه ليس من المترشحين.

بالنهاية اتمنى من الإخوة الوزارء في الأردن، في ظل التعديل الوزاري الأخير، أن يفهموا و يفعلوا فلسفة الكيك، حتى يأتي يوم تكبر فيه هذه الكعكة، لدرجة أن تكفي كي يتشارك فيها جميع ابناء الأردن

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية