زيارة إلى السيرك

الثلاثاء 27 تشرين الثاني 2012


بقلم سلافة الشامي

 في وسط شارع الجاردنز المزدحم تظهر الخيمة المغطاة بالغبار المحاطة بالأضواء الملونة الباهتة وكأنها في حالة من العزلة عن المنطقة المحيطة بها. بخلاف الانطباع الاحتفالي المبهج الذي يفترض أن تتركه كلمة سيرك من مهرجين وسحرة وحيوانات مدربة وفناني ألعاب بهلوانية يتقافزون برشاقة على أنغام الموسيقى الكلاسيكية، فإن خيمة “السيرك الروسي” المهترئة المنصوبة في شارع وصفي التل (منذ عام ١٩٩٣) تعطي انطباعاً معاكساً تماماً يطغى عليه جو من الغموض والريبة والشك.

 يحوم حصان هزيل في باحة السيرك المحوطة بالسياج الصدىء، وموقف السيارات لا يوجد به مركبة واحدة، بينما تمر السيارات من أمامه في الشارع المزدحم بدون أن تعيره أدنى إهتمام، فالاعتقاد السائد بأن السيرك الروسي قد هجره أصحابه و”فنانوه” تاركين الحصان المسكين وحيداً. رحلة مسائية إلى الخيمة، كانت تلك الطريقة الوحيدة لحسم الرهان بين الأصدقاء، بين المقتنعين بأن خيمة السيرك مهجورة فعلاً كما تبدو وبين المؤمنين بأن “العرض لا بد أن يستمر”، فتكون صدمة الطرف الأول كبيرة عندما تفتح الخيمة ابوابها لاستقبال الحضور في الساعة الثامنة! لكن الصدمة الحقيقية فعلاً كانت بسعر بطاقة الدخول: عشرة دنانير للمقاعد البلاستيكية القريبة من ساحة العرض، وتسعة دنانير للمقاعد الخشبية التي تبعد حوالي متر عن المقاعد البلاستيكية. عدد الحضور متواضع كما هو متوقع لكنه آخذ بالازدياد ليصل إلى حوالي عشرين شخصاً توزعوا بين مقاعد الدرجتين “الأولى” و”الثانية”.

انتظر الحاضرون وصول الفنانين بفارغ الصبر (وبنوع من القلق والترقب للمفاجآت) بينما استغلت العائلات الموجودة بين الحضور الوقت بتصوير أطفالهم داخل الخيمة، التي أضفت عليها الألوان والإضاءة من الداخل أجواءً أكثر سعادة (نسبياً)  جعلتها خلفية لا بأس بها للصور العائلية.  في الثامنة والنصف بدأ العرض – كأي ليلة فرح أردنية – بأغنية “لوح بإيدك” لعمر العبدالات، وتلا الأغنية “الوطنية” فرقة “عالمية” من جنوب أفريقيا مكونة من ستة رجال كانوا قد وصلوا إلى موقع العرض قبل دقائق قليلة من ظهورهم على الساحة.  قامت الفرقة بتأدية رقصة إفريقية تضمنت الكثير من القفز والحركات الجمبازية، فاستمتع الأطفال والكبار بالأداء وظهرت على وجوههم الفرحة، رغم التكرار في حركات الفرقة “العالمية”، خاصةً في الظهور الثاني والثالث لها، حيث تبين بعد بضع فقرات أن العرض كاملاً وبكل فقراته يديره ويقدمه مجموعة لا تزيد عن عشرة أشخاص، يتكرر ظهورهم. خذ مثلاً مقدم العرض أو المذيع الداخلي الذي ضرب مثلاً في عالم “المهام المتعددة”، فهو يقدم الفقرات ويعلق على مجرياتها بحس الفكاهة المميز (المعروف باسم مدرسة محمد الوكيل)، ويقوم بتحضير وتغيير الأغاني، والتحكم بالحبال التي ترفع “تاتيانا” لاعبة الأكروبات في الهواء، كل هذا أثناء إجراء مكالمة على هاتفه الخلوي وتدخين سيجارة على مرأى الحضور.  أما الفنانة الروسية “لاريسا” فيمكن القول بأنها كانت نجمة العرض (أو على الأقل في المركز الثاني بعد نسخة الوكيل المذكورة) بعد أن قامت  بتأدية أكثر من مقطع وأظهرت مهاراتها العديدة، وأبهرت جانباً كبيراً ومهماً من الجمهور (قطاع الشباب)  عندما أدت حركاتها الجمبازية  ببدلة ضيقة ومزخرفة، فأعادت للأذهان ذكريات السيرك الأوكراني والروماني في العصور الذهبية لهذا الفن، فاستحقت الثناء من مقدم العرض قائلاً، وبصوت حنون بشكل مبالغ به، “يعطيكي العافية”.

أما الخطأ القاتل فكان طلب موافقة “صاحب” السيرك على تصوير الفقرات. حيث تبين أن السيد محمود حساس نوعاً ما ناحية التصوير، فخاطبنا بنبرة حادة وهددنا بالطرد من السيرك، ولم يهنأ له بال منذ أن “اعترفنا” له بنيّتنا، فكرّس ليلته لمراقبتنا عن كثب، وتحذيرنا ما بين فترةٍ وأخرى بأنه واعِ تماماً لنوايانا بمغافلته لاستعمال الهاتف الخلوي للتصوير. وقف السيد محمود يدخن سيجارته على مقربةٍ منا وعيونه تترقب أي تصرف من الجمهور بنظرات ثاقبة أقل ما يمكن وصفها بأنها كانت غير مريحة، وكانت الفقرات قد بدأت تميل نحو التكرار والملل، فكان القرار بالمغادرة بعد الساعة الأولى من العرض القرار المنطقي الوحيد، فخرجنا سعيدين لسبب واحد، إذ اكتشفنا أن السيرك الروسي في شارع الجاردنز “لسّه شغال”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية