الدراما الأردنية: ماذا حصل؟

الأربعاء 08 آب 2012


بقلم: منتج أردني  

تحولت الدراما التلفزيونية في العقد الأخير إلى عنصر أساسي من العناصر “الضرورية” لشهر رمضان، وأصبح سؤال ( شو بتحضر في رمضان؟) سؤال بديهي يتناوله الناس في سياق أي حوار حول طقوس هذا الشهر الفضيل. أضف إلى ذلك الإهتمام الكبير والمتابعة التي تحظى بها هذه الأعمال الرمضانية عند المشاهد العربي حتى بعد انقضاء رمضان وعلى مدار باقي شهور السنة.

وقد أصبحت المحطات الرائدة في الوطن العربي تتنافس على إنفاق مئات الملايين من الدولارات للفوز برضى المشاهد العربي، فمصر ورغم الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تمر بها سجلت رقماً قياسياً في إنتاج الاعمال هذا العام  بتقديم أكثر من سبعين مسلسل وبتكلفة تجاوزت المائتي مليون دولار، مستقطبة ألمع النجوم لجذب المشاهد العربي والفوز بلقب الريادة في خضم منافسة شرسة مع الدراما السورية التي وبالرغم من المنعطف السياسي الذي تمر به سوريا إلا ان القائمين عليها أصروا على التواجد بعدد جيد من الإنتاجات على رأسها المسلسل الأبرز (عمر بن الخطاب) بتمويل خليجي هو الأعلى في تاريخ الدراما العربية. وعلى ذكر الخليج تجب الاشارة الى القفزة النوعية التي حققتها الدراما الخليجية والتي تنافس هذا العام بأكثر من أربعين مسلسل يتميز معظمها بجودة المضمون وتقنية عالية في الصورة لتحجز لها مكانة في سباق الكبار. بالمحصلة، أصبحت أسماء النجوم العرب تستقطب المعلنين والإعلانات التي تشكل الوقود الأساسي لدوران آلة الإعلام، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار شراء هذه الأعمال، وبالتالي ارتفاع أجور الفنانيين والعاملين على هذه الأعمال بشكل كبير، مما سينعكس على مستوى الإبداع والتميز الذي من المؤكد أنه سوف يستمر في الارتفاع في الإنتاجات القادمة.

والسؤال هنا، أين هي الدراما الاردنية من كل هذا؟ ولماذا اكتفى فنانونا هذا العام بالظهور في اعتصام طالبوا من خلاله الحكومة (المفلسة كما يعلم الجميع) بتحسين أوضاعهم المعيشية وبتأسيس شركة إنتاج تشرف عليها نقابة الفنانين لتقديم إنتاجات درامية ببصمة أردنية؟ وأين القطاع الخاص والمحطات العربية عن الدراما الاردنية وعن الفنان الاردني؟ والسؤال الأهم، هل بقي هنالك فعلاً ما يسمى بالدراما الاردنية؟

الفنان الاردني ما زال يعتبر ان الدراما الاردنية هي الدراما الرائدة في الوطن العربي، وما فتئ يعود بذاكرته إلى ثمانينات القرن الماضي، حيث يتغنى فنانونا بأمجادهم ويذكرونا بالزمن الجميل عندما كانت الدراما الاردنية المنافس الأول للدراما المصرية، وأن فناني سوريا والخليج  كانوا يتمنون التواجد في أي دور في مسلسلاتنا. و هنا يتوقف الزمن، حيث حصلت المؤامرة الكونية على الدراما الاردنية نتيجة موقف الاردن السياسي من حرب الخليج عام ١٩٩٠ وبالتالي مقاطعة خليجية لأعمالنا، تلتها مؤامرة داخلية تقودها مؤسسة الاذاعة و التلفزيون الاردني وغياب الانتماء الوطني لدى مؤسسات الانتاج الخاصة، فكانت هذه الأسباب مجتمعة من وجهة نظر الفنان الأردني وراء تقهقر الدراما الاردنية وتراجعها إلى ذيل القائمة عربياً.

أما شركات الإنتاج الخاصة في الاردن بدورها فإنها تعزي توقف الإنتاجات الدرامية المحلية الى عدم قدرتها على تحقيق عائد مالي يغطي حتى تكلفة الانتاج. فالمسلسل الاردني (بحسب هذه الشركات) غير مطلوب في المحطات العربية، وعلى وجه الخصوص في المحطات الخليجية التي تعتبر السوق الأساسي لدراما بلاد الشام، حيث ترفض شركات الإعلان رعاية بث أي عمل يحمل الجنسية الاردنية (ولنا ان نستثني بعض الاعمال البدوية التي يتم إنتاجها بناء على مزاجية المحطات الخليجية وبصورة غير منتظمة، وبالتالي لا تشكل آلية عمل يمكن أن يبنى على أساسها قطاع إنتاجي) إضافة الى غياب اسماء أردنية مسوقة تجذب المحطات أو المشاهد العربي، باستثناء بعض التجارب الفردية مثل صبا مبارك وإياد نصار ومنذر رياحنة، اللذين فضلوا التوجه الى مصر ليتوجوا أبطالاً لأعمال هامة بدلاً من ضياع مشروعهم الفني بانتظار “الجديد” على الساحة الاردنية. ويمكن أن ينطبق  النموذج في البحث عن الخلاص الفردي خارج الأردن على بعض المخرجين والموسيقيين الذين توجهوا بإبداعاتهم الى دول الخليج. طبعاً لا يمكن إنكار وجود بعض المواهب الشابة الواعدة، لكن السبب الأساسي المتمثل بعدم وجود أسواق للمسلسلات الاردنية، لم يعط شركات الإنتاج فرصة لإبرازها، فاكتفت بتقديم أصواتهم من خلال أعمال مدبلجة هي المنفذ التسويقي الوحيد لهذه الشركات إلى المحطات العربية، رغم تواضع العائد المادي للطرفين  وسيطرة اللهجة السورية والخليجية على هذا القطاع أيضاً.

أما المشاهد الاردني فرأيه (في الأغلب) مخالف لرأي الفنان الاردني، فهو لا يعتبر هذا الفنان سفيراً يمثله في الخارج كما يدعي بعض الفنانين. لا بل أن هذا المشاهد الذي تابع ضعف مستوى الاعمال الاردنية على مدى العقدين الماضيين، ولاحظ  أن اداء الفنان الأردني لا يتطور منذ عقود (باستثناء بعض الفنانين الذين شاركوا في اعمال هامة في الخارج كعبير عيسى وجولييت عواد ونادرة عمران)، أصبح هذا المشاهد يرى في المسلسل الأردني صورة نمطية مرتبطة بالهزلية والسخرية من ضعف المستوى الذي تقدمه. وللأسف لو رجعنا الى الأعمال التي انتجها أو قدمها التلفزيون الاردني خلال موسم رمضان السابق وهذا العام (على سبيل العينة) سنكتشف صحة هذا الرأي! فأين هي النقابة والفنان عن هذه الاعمال؟ وكيف يمكن تغيير هذه الصورة النمطية عن العمل الاردني عند المشاهد الاردني والعربي وعند المحطات العربية، في الوقت الذي يصر مقدمو هذه “الروائع الفنية” على تقديم الشخصيات الهزلية النمطية (الجادة منها والكوميدية) في مسلسلات ضعيفة فنياً وموضوعياً وتقنياً، لا بل أن هذه الشخصيات تسيء للشعب الأردني بنمطيتها وعدم واقعيتها.

الدراما لم تعد عنصراً من عناصر التسلية وحسب، بل أصبحت في العديد من الدول وجه من الوجوه الحضارية والثقافية للتطور وللانفتاح على الاخر، وأحد عناصر الجذب السياحي، وقطاع “صناعي” مهم يحقق الدخل الجيد لآلاف الأسر، وأصبح الفنانون فعلاً سفراء يمثلون دولهم في المنظمات والمحافل الدولية. والوصول إلى هذه المستويات لم يكن يوماً وليد اللحظة، بل يأتي بناء على تجربة تراكمية بعض تجارب وأخطاء وعقبات، يتجاوزها العاملون في هذا المجال  بعد ان يعترفوا بها  ويتعلموا منها. وهذا للأسف ليس الطريق الذي اختارته الدراما الأردنية حيث بقيت عالقة تتفاخر بريادتها المنسية وقدراتها المهملة ولعنة الحظ العاثر.

فمتى نخرج من مرحلة الإنكار؟ ومتى نعترف اننا تخلفنا عن الركب لضعف تجربتنا وأن لا نلوم غيرنا على كل  أخطائنا؟ متى نضع النقاط على الحروف ونعيد ترتيب اوراقنا، لنبدأ خطة بناء لمشروع فني اردني منافس لعلنا نحقق المكانة التي نرى بأننا اولى بها؟ متى يعترف الفريق القديم بعدم نجاح مشروعه الفني ويعطي الفرصة لجيل جديد يحمل رؤيا  وأفكار جديدة لمحاولة خلق مساحة للدراما الاردنية دون أن يلعبوا دور الحكماء أوالمنتقدين لمجرد الانتقاد كما يحدث وللأسف في جميع قطاعاتنا التي توقفت عجلة التطور بها منذ عقود؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية