إسلام تركيا أم إسلام أفغانستان؟ رد على د.ارحيل غرايبة

الإثنين 05 كانون الأول 2011

فتحت جلسة النقاش التي نظمتها مجموعة حبر مشكورة نقاشاً مهماً حاول الدكتور رحيل غرايبة تلخيصه في مقاله الذي شابه بعض الالتباسات وهي ناتجة ربما عن نفس السبب الذي ذكره في مقاله،  وهو التخندق دوماً في معسكر واحد والنظر للآخر كعدو، فهو صنّف الحضور بأنهم جهلة بثقافتهم وحضارتهم وأنهم متعلقون فقط بالمشروع الليبرالي العلماني المصحوب بالفكر الإقتصادي الرأسمالي والمذهب الفردي الحر، أو أنّهم يعيشون على أنقاض المذهب الإشتراكي البائد والفكر الشيوعي الفاشل دون أن يضع بالحسبان أن من خالفوه بالرأي ربما لم يكونوا جاهلين بعظمة الإسلام، لكنهم ببساطة لا يثقون بالنماذج التي تحمله في محيطنا العربي نتيجة تجارب واضحة وظاهرة للعيان، فالحاضرون بأغلبهم ليسوا قلقين من عدالة الفاروق عمر بن الخطّاب ولا حكمة الإمام علي بن أبي طالب، بل قلقون من النموذج الأفغاني وأسامة بن لادن ومحاولة فرض الدين بالقوة وسلب الناس حريّتهم بإسم الدين، فهل للدكتور رحيل أن يوضّح موقفه وموقف الأخوان المسلمين من هذا النموذج ليطمئن قلب المؤمنين أنهم يواجهون من يدعو لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالسيف وتفجير الفنادق التي عزّى بعض قيادات الأخوان المسلمين بمن أعلن مسؤليته عنها.

 

كما قال الدكتور ارحيل إن ما طرح من أسئلة، يحتاج الكثير من الوقت لبناء رؤية مشتركة، وأظن اللقاء كان ضرورياً لتعرف الحركة الإسلامية الهواجس المختلفة التي يحملها الشباب الواعي من غير جمهور الحركة الإسلامية، لكن هناك ملاحظات لا يمكن إغفالها، فالدكتور ارحيل قال في حديثه أن ما يقوله ليس إجتهاداً، ولكنه الإسلام الحقيقي، هذه العبارة هي الأكثر خطراً في كل ما قيل النقاش، كما يقول الرسول الكريم: “الإسلام بضع وسبعون شعبة، واحدة في الجنّة والباقي في النار” فكيف نعرف أننا من الفرقة الناجية أم الفرقة الهالكة، هذا الخطاب الذي يعتقد أن فهمه هو للإسلام هو الفهم الحقيقي هو الأخطر على المشروع الإسلامي وهو الذي يجعل كل جماعة ممن تتخذ من الإسلام إسماً، تستعيد من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ما يؤصل لخطابها السياسي فيستخدم الإيمان النقي الطاهر للناس في معارك السياسة وفرض موازين القوى، على سبيل المثال يتم رفض الخلع في الأردن وهو وارد في الإسلام حتى لا يزعج طبيعة المجتمع، إن هذا يشكّل الخطر الأكبر على جعل الإسلام كدين وثقافة مورد لكل المجتمعات التي يشكّل فيها المسلمون عنصراً أساسياً من تشكيل المجتمع، فإن كان الإسلام دين المجتمع وجماعات الإسلام السياسي لا تتبع النهج التكفيري فلماذا تصرّ على حيازة اسم الاسلام لإستخدامه في معارك السياسة؟ هذا السؤال تم توجيهه للدكتور رحيل في النقاش ولم يجب عنه، ربما لضيق الوقت،  وأظنّه العقدة الأساسية في وجه جماعات الإسلام السياسي، إذ أنهم لا يريدون الإقتناع بأن إسلام المجتمع ليس مرتبطاً بوجودهم في السلطة، فهل المجتمع الماليزي كافر مثلاً؟ هل المجتمع الأردني لا يحمل الإسلام ديناً؟ هل باقي المجتمع الذي لم يصوّت للاخوان المسلمين هو من الكفار؟ الشباب الذين ناقشوا الدكتور رحيل لم يكونوا جهلة بالمشروع الإسلامي، وكانوا يعرفون تاريخهم جيداً، ويعرفون أن الاستناد للدين في ظل مجتمع متدين يمنح جماعة فضلاً عن جماعة أخرى بغض النظر عن تمثيلها الحقيقي لمصالح الناس، وليس صحيحاً أن جماعة الأخوان المسلمين لم تحكم بعد، فالجماعة حكمت في السودان، وقسّمته، وحكمت في اليمن عن طريق تحالف الزنداني في اليمن مع علي عبدالله صالح، وكان جزءاً من الظلم الجاثم على صدور اليمنيين، وكانت شريكة في الحكم تحت الإحتلال في العراق، وحكمت في غزّة وبالتأكيد نحن نقدّر الحصار العسكري والإقتصادي الذي تعرضت له حركة حماس في غزّة، ولكننا رأينا تصرّفات لم يكن لها علاقة بمقاومة الحصار كفرض الحجاب في المدارس والمحاكم في غزّة، ويجب التنويه أن الدكتور رحيل إستنكر حصول هذا التصرّف من حكومة حماس ووعد بالكتابة والتوضيح بأن الإسلام من الطبيعي أن يحمي حريّة غير المسلمين فكيف بالأحرى بحريّة المسلمين، ولكنّي أظن أن رفاقه في الحركة الإسلامية في الأردن لا يوافقونه على هذا الرأي.

بالعودة إلى أصل النقاش، وهو الحركات الإسلامية والدولة المدنية، والتي نراها في خطاب الحركات الإسلامية ليست بالضرورة عن قناعة سياسية وإيمانية عامة ولكنّها ضمن مقتضيات سياسية ورسائل تطمين للمجتمعات ووللمجتمع الدولي ولكن هذه الرسائل تختلف حسب إمكانية السيطرة في كل مجتمع، ففي مصر تم رفض خطاب أردوغان عن العلمانية وبالتأكيد لا ننكر نجاح حركة الأخوان المسلمين الكبير في الانتخابات والتي نحترمها لأنها خيار الشعب المصري، ولكن لا يمكن أيضاً أن نتجاهل الشوائب التي رافقت المعركة الإنتخابية من خطاب تكفيري وعمل ريعي لكسب الأصوات، ونرى الإنفتاح التي تحدث به راشد الغنوشي في تونس عن قبول الحركة الإسلامية للبكيني في تونس!! ونرى الرفض المعلن للحركة الإسلامية في الأردن للنموذج التركي الذي أكّد الدكتور محمد أبو رمّان في نفس النقاش أن الحركة الإسلامية ستخسر كثيراً إن لم تلتزم به، وهنا يأتي قلق الشباب من الحركات الإسلامية وليس من جهلهم للمشروع الإسلامي، ويأتي قلقهم من أن الذين آثروا الإنتخابات على دماء الشهداء في مصر التي أعادت لنا الثقة بالشباب العربية وبقدرته على التغيير على الأرض، ونحن نعرف حرمة دم المسلم في الإسلام، ونتذكر كيف أن الإخوان المسملين رفضوا النزول في 25 يناير ومن ثم حصدوا غنائمها بعد أن أشعل الشباب الذي يتم تكفيره اليوم الشرارة، بالتأكيد الإخوان المسلمين هم خيار 40% من الشعب المصري الذي نحترمه، ولكننا نتمنى أن ينتبه هؤلاء الأخوان لما يعانيه من انتخبهم من فقر وجوع وبطالة ويحاولوا حل هذه المشاكل لكي لا يخسورا الثقة التي منحهم إياها المصريون ويخسروا إمكانية إحقاق العدل بعد سنوات من الظلم لشعب إختارهم.

 

في النهاية، النقاش الهاديء بين مكونات المجتمع هو ضرورة دائمة لإزالة الهواجس التي تمنعنا من التقدم نحو الدولة المدنية الديموقراطية التي تكفل حقوق المواطنين جميعاً يكون فيها الشعب لا غيره مصدر السلطات، ونعود للسؤال الأهم، ما مشروعكم في الأردن إسلام تركيا أم إسلام أفغانستان؟

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية