تصريحات ليبرمان الاخيرة

الثلاثاء 22 تشرين الثاني 2011

بقلم أيمن الحنيطي

تصريحات افيغدور ليبرمان الأخيرة تجاه الأردن، بأن “اعتبار الأردن هو فلسطين يعارض مصلحة إسرائيل ولا يعكس الواقع”، التي كان يرد فيها، بحسب هارتس الإسرائيلية، على دعوات من داخل حكومة نتنياهو بالعودة إلى ما يسمى ب “الخيار الأردني” بمعناه الجديد ” الأردن هو فلسطين “، ما هي بالفعل إلا رسائل تهدئة مؤقتة من حكومة تل أبيب لعمان، لخدمة متطلبات الأشهر القليلة القادمة.

بعد هجمة إسرائيلية ممنهجة ضد الأردن وقيادته، بدأت من خارج ائتلاف حكومة نتنياهو، وكان وما يزال عرابها المتطرف أريه الداد، ثم كرر اسطوانتها المشروخة الليكودي الجنرال المتقاعد عوزي دايان، وبلغت ذروتها في الأسابيع القليلة الماضية بتقرير معاريف اليمينية، والذي أرادت منه إيصال رسالة واضحة للأردن بان نتنياهو نفسه يتبنى أيضا طروحات الداد ودايان، ثم أخيرا السيناريو الهوليودي لمركز مكافحة الإرهاب ويديعوت احرونوت التي تعد الأوسع انتشارا في “إسرائيل” حول اغتيال الملك عبدالله، يأتي تصريح وزير خارجية “إسرائيل” بالتراجع نوعا ما عن طرح ” الوطن البديل”، ليحمل معه تساؤلا جليا : لماذا الآن بالذات؟ .

للإجابة عن هذا التساؤل وفهم هذا التغيير الدراماتيكي، إذا كان هناك بالفعل تغيير بالموقف الإسرائيلي تجاه الأردن،  لا بد لنا من استعراض الوضع من داخل دولة الكيان وخارجها، وهنا نسال: هل ان ليبرمان بات يغرد خارج السرب؟ أم ان هناك تغيير بالمواقف الإسرائيلية المتطرفة تجاه الأردن، واشياء اخرى؟

حاولت التعرف عن كثب على تفاصيل ومجريات جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست  من يوم 14 نوفمبر الماضي، التي صرح فيها ليبرمان “ان من يتحدثون عن دولة فلسطينية في الأردن إنما يضرون بالمصلحة الأمنية الإسرائيلية”، لكن من خلال بحث شاق على الانترنت، وجدت ان برتوكول هذه الجلسة مصنف ب”السري” وممنوع من النشر، مما يدلل على خطورة ما دار في هذه الجلسة.

لعل هذه السرية تعطي تفسيراً لماذا قفزت الصحف الإسرائيلية في أعدادها لليوم التالي وفي ملاحقها الدسمة  لنهاية الأسبوع عن تصريحات ليبرمان هذه. أو ان مسؤولي تحرير هذه الصحف بدورهم يدركون تماما حقيقة الموقف الإسرائيلي المتطرف تجاه الأردن، فاعتبروا ان أقوال ليبرمان هذه ما هي إلا كلام في الهواء.

العلاقات المتشنجة بين ليبرمان ونتنياهو، وما يحيط بوزير خارجية إسرائيل من ظروف قضائية تهدد مستقبله السياسي بعد تحقيقات بالفساد المالي امتدت لخمس سنوات، وتقترب اليوم من إصدار لائحة اتهام بحقه خلال أشهر، يمكن ان تعطي تفسيرا أيضا لماذا يقدم ليبرمان هذا على إصدار تصريحات خارج السرب، ركز الإعلام الإسرائيلي الرسمي الموجه للخارج على إظهارها دون غيرها في جلسة صنف محتواها ب”السري”، فهذه التصريحات تتناقض صراحة في مضمونها مع الموقف المتفق عليه ضمنيا بين أوساط حكومة نتنياهو اليمينية ضد الأردن. لكن نقول بالفعل فان الغريق لا يخشى من البلل، فهل جاءت تصريحات ليبرمان كنوع من المناكفة لنتنياهو؟

حزب “إسرائيل بيتنا” الذي يتزعمه ليبرمان تأثر سلباً بفوز شيلي يحيموفيتش بزعامة حزب العمل في أيلول الماضي، خصوصا وأن ديوان نتنياهو  كان يساند يحيموفيتش في حملتها الانتخابية في الانتخابات الداخلية للحزب لضمان فوزها.

لا شك ان هذا الوضع الجديد على الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية، يقلق ليبرمان، ويثير مخاوفه من إقدام غريمه نتنياهو على التخلص منه وإخراجه من ائتلافه في أي وقت ليضم إليه الزعيمة العمالية الجديدة يحيموفيتش ضمن حكومة وحدة، خصوصا وان نتنياهو يحتاج يحيموفيتش، هذه الصحافية ذات القبول الجماهيري والشبابي اليوم في ” إسرائيل” لتوجهاتها الاجتماعية، وبذلك يستطيع نتنياهو التخلص من ضغط الشارع المطالب بالعدالة الاجتماعية في تظاهرات أسبوعية، وسط تهديدات بانهيار النظام الصحي في دولة الكيان الصهيوني، لخلافات مالية عميقة بين أطباء الاختصاص والحكومة.

من يقرأ تعليقات القراء الإسرائيليين على تصريحات ليبرمان في المواقع الالكترونية للصحف الإسرائيلية، وعدم اهتمام الصحف الإسرائيلية المطبوعة بأقواله في اليوم التالي، يدرك تماما انه موقف مرفوض من جانب المجتمع اليميني في إسرائيل، الذي يزداد تطرفا تجاه العرب والمسلمين يوما بعد يوم .

خارجياً، لا يمكن لنا قراءة تصريحات ليبرمان “الايجابية” تجاه الأردن بمعزل عن ما يجري في سوريا وإيران، خصوصا في ظل التسخين العسكري الذي نشهده اليوم بين تل أبيب وطهران. ان التطورات المتسارعة على الساحة السورية، وموقف الجامعة العربية من دمشق، واستعراض القوة العسكرية، والتهديدات المتبادلة بضربة عسكرية اسرئيلية استباقية والرد الإيراني عليها بتدمير مدينة تل أبيب، وتامين واشنطن لسلامة جنودها بإخراجهم سلفا من العراق، كل هذا ان دل على شي فانه يدل على ان المنطقة تقترب من مواجهة عسكرية حتمية يتم خلالها إجراء عملية جراحية عسكرية على شكل “رزمة واحدة ” تشمل كل من دمشق وطهران والجماعات التي تدور في فلكهما، وبالطبع بمشاركة قوات الناتو و”إسرائيل”، وبغطاء دولي ودعم عربي.

إذا كنا نقترب من مواجهة عسكرية بالفعل فان هناك ثمة مصلحة إسرائيلية – أردنية مشتركة بتلطيف الأجواء ولو للفترة المقبلة، وربما يكون هذا ما دفع تل أبيب للمبادرة نحو تحسين العلاقات مع الأردن من خلال تصريح ليبرمان، وبانتظار الرد الأردني، والذي ربما يكون قد جاء سريعا أيضا، بعد تلميحات رصدناها في الصحافة الإسرائيلية عن لقاء سري أردني – إسرائيلي رفيع المستوى جرى في لندن أواسط الأسبوع الفائت.

إسرائيل بحاجة لحدود هادئة مع الأردن فيما إذا اشتعلت الجبهة السورية، كما ان تل أبيب وواشنطن بحاجة أيضا لتامين خط دفاعي أمامي جوي من صواريخ الباتريوت الاعتراضية الأميركية تنصب بطارياتها في الأردن، كما جرى في السابق، لتامين سلامة الإسرائيليين أولا، إذا ما أدخلت إيران الحرب، رغم تطوير تل أبيب منظومة “القبة الحديدية” واستخدامها عمليا في  مدن الجنوب القريبة من  غزة، وتأمينها للمنظومة الدفاعية الرادارية ” نيوتيلوس” مع واشنطن. بالمقابل، تسعى “إسرائيل” لاستغلال حاجة الأردن لحماية أجوائها ومواطنيها من خطر أي صواريخ إيرانية بعيدة المدى قد تطلقها طهران تجاه تل أبيب كرد على أي ضربة عسكرية استباقية تتعرض لها على غرار ما جرى في حرب الخليج الثانية عام 1990، عندما قصف صدام حسين “إسرائيل” ب39 صاروخا.

مهما كان وزن تصريحات ليبرمان وغايتها، ومهما تلطفت الأجواء بين تل أبيب وعمان، تبقى “إسرائيل” هي عدونا الأول عندما يهذرف ساستها بخيار “الوطن البديل”، وحسنا فعلنا عندما أبقينا على عقيدتنا العسكرية كما كانت من قبل معاهدة وادي عربة ” للسلام “، التي مضى على توقيعها لليوم 17 عاما.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية