جنسيتي ومنصبهم

الثلاثاء 11 تشرين الأول 2011

بقلم هادي

شاءت الأقدار أن أكون من حملة جنسيات إحدى الدول الأجنبية بالإضافة إلى جنسيتي الأردنية. فوالدتي تحمل جنسية تلك الدولة وبالتالي اكتسبتها أنا وإخوتي ووالدي بحكم القانون، فجنسية أمي حق لي بحسب دستور تلك الدولة. بعد إقرار ما يسمى جدلاً بالتعديلات الدستورية التي تمنع ازدواج جنسية من يحمل منصباً معيناً في الدولة، وجدت نفسي أتساءل، لو عرض علي فرضاً أحد هذه المناصب، هل سأتخلى عن جنسيتي الأجنبية؟ وحقيقة تفاجأت بسهولة وسرعة القرار. بالطبع لا. حتى ولو عرض علي منصب رئاسة الوزراء.

على عكس إخوتي، أنا لم أزر بلد جنسيتي الأجنبية إطلاقاً بعد خروجي منها طفلاً ذا ثلاثة أعوام، ولا أعرفها إلا كل عامين مرة من خلال سفارتها في عمان عندما يزورنا أحد موظفيها للاطمئنان على أوضاعنا وتجديد معاملاتنا وتذكيرنا بحقوقنا كمواطنين في تلك الدولة، تماماً كما تفعل السفارات الأردنية مع رعاياها في الخارج. عندما أسافر أستخدم تلك الجنسية لتسهيل معاملاتي داخل السفارات وحركتي داخل المطارات. وداخل البلد غالبا ما أبرزها كنوع من الحماية. فعلى سبيل المثال، أذكر أثناء توجهي من عمان الى إربد قبل عام لزيارة أحد الأصدقاء في جامعة اليرموك، صعد شخص الى الحافلة بلباس مدني يحمل سلاحاً وطلب من جميع الذكور الترجل وإبراز هوياتهم الشخصية بدون توضيح الأسباب، فما كان مني إلا أن أبرزت بطاقة هويتي الأخرى. فأشار إلي بالبقاء في مقعدي، وأكد لي بلطف أن الموضوع لايعدو كونه تفتيش روتيني. فقط في دول العالم الثالث تستخدم جنسيتك الأخرى للحصول على الحمايه داخل بلدك. جنسيتي الأجنبية وباختصار هي بوليصة تأمين لي ولأولادي من بعدي وهي ذات صلاحية أبدية فلا داعي للقلق بأنها يمكن أن تسقط أو تسحب في يوم من الأيام. فتلك الدول لا يوجد فيها محاكم تفتيش أو دوائر متابعة يطلب منك مراجعتها كلما أردت تجديد ورقة أو ختم معاملة.

السبب الآخر هو طبيعة المنصب في الأردن. الجميع يعرف أن المنصب لدينا لا يستمد شرعيته من الشارع وعبر صندوق الاقتراع فهو لايعدو كونه منصباً وهمياً لا قيمة له ويمكن أن ينتهي بقرار فردي فجائي في ليلة ظلماء. فالبرلمان يمكن أن يحل والحكومة تقال والبلديات تدمج وتفرط في لحظات ولأتفه الأسباب. فمثلاً، فقط في دوله مثل الاردن يقال أحدهم لأنه ليبرالي الهوى! أي أنه وباختصار لا ضمان. وهنا كان لابد من اتخاذ القرار. هل أحتفظ بجنسيتي المضمونة الى الأبد؟ أم أستبدلها بمنصب حكومي يمكن ان يزول في لحظة؟ أعتقد أن القرار سهل.

البعض اختار التخلي عن المنصب والاحتفاظ بالجنسية. وهو قرار صائب من وجهة نظري للأسباب الآنف ذكرها. والبعض تغاضى عن كشف أوراقه متمتعاً بحماية دولة جنسيته الأخرى التي تلتزم بسرية معلومات مواطنيها ولا تكشف عنها إلا بعد إجراءات معقدة يمكن أن تستمر لسنوات. واختار البعض، وهم قلة قليلة، التنازل عن الجنسية والاحتفاظ بالمنصب، و حقيقة لا أعلم مدى قانونية هذا الأمر، فالتنازل عن الجنسية عملية شائكة قانونياً، ليس كما في بعض الدول التي تسقط وتمنح فيها الجنسية بناءا على مزاجية موظف حكومي من الدرجة العاشرة. فالكثير من الدول التي تحترم حقوق الإنسان تتبع نظام شبيه بنظام الفيسبوك بحيث حتى لو قرر المواطن التنازل عن جنسيتها فإنه يبقى ضمن ملفاتها وبإمكانه بعملية قانونية بسيطة استعادة تلك الجنسية بعد إثبات انه أجبر عن التنازل عنها تحت ضغط سياسي أو أجتماعي. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فالأردن ليس استثناءا. فمعظم حكام ومسؤولي المنطقة العربية وأولادهم وأصهارهم يحملون جنسيات دول أخرى تحسباً لأي طارئ. فمثلاً جمال مبارك ابن الرئيس المخلوع لم يتردد في إرسال زوجته قبل الثورة إلى لندن لتضع مولودته هناك لضمان حصولها على الجنسية البريطانية. ابن رئيس الدولة والرئيس المتوقع القادم لا يثق بدولته!

وبالعودة للتعديل نفسه، فأنا شخصيا أراه قراراً رجعيا وله خلفيات لا مجال للخوض فيها الآن. فعادة حملة الجنسيات الأجنبية وخصوصاً الأمريكية يتمتعون بانفتاح وثقافة ودراية بحقوق الإنسان بحكم الوقت الذي قضوه في تلك الدول. وإذا كان لابد من اتخاذ هكذا قرار أليس من الواجب أن يطبق القانون على الجميع؟ وأقصد هنا الجميع بلا استثناء. على أي حال المشكلة في الاردن أكبر من قوانين مؤقتة وتعديلات رجعية، المشكلة الاساسية هي في تعريف المواطنة. من هو الأردني قانوناً؟ ما هي حقوقه وما هي واجباته؟ عندما نتفق على ذلك يمكن أن نفكر بأمور فرعية مثل ازدواج الجنسية وغيرها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية