في التعديلات الدستورية – من شب على شيء شاب عليه

الثلاثاء 16 آب 2011

بقلم: محمود أبوصيام

في مدرستنا المتواضعة التي لم يكن فيها موضع لممارسة الديمقراطية سوى حرية الاختيار بين تلقي الضرب بعصا ساخنة أو الارتطام بسرعة الضوء بكف مديرنا الفاضل، كان من بين المعلمين مدرس يقيم في بداية كل فصل دراسي “انتخابات حرة ونزيهة”، حيث يختار من بيننا ثلاثة طلاب لينتخب البقية واحدا من هؤلاء عريفاً للصف.

كنا سعيدين بتجربتنا الديمقراطية‪.‬ لم نشعر في حينه بأننا نختار من بين أسماء وخيارات فرضت علينا وتحت السقف الذي وضع لنا. وفي حين بدأ يتسلل إلى البعض شعور بأن حريته مصطنعة ظل البعض الآخر واثقا أنه يعيش “عرسا ديمقراطيا”، مع أنهم هؤلاء لا يملكون حتى قضاء حاجتهم دون استئذان.

على الصعيد الوطني يكاد المشهد لا يقل هزلية، تم تشكيل عدة لجان (لجنة تعديلات دستورية – لجنة اقتصادية – لجنة حوار وطني) مهمتها رسم صورة إيجابية يتم إلصاقها بالمشروع الإصلاحي المفترض، وما يزيد المشهد هزلية أن تدخل النخب السياسية في دائرة الجدال والسجال حول هذه مخرجات هذه اللجان.

ليس هذا وحسب بل حتى هذه التغييرات الشكلية تلقى ممانعة من قبل ما يسمى بالتيار المحافظ داخل دوائر صنع القرار في الدولة، إلا أن هناك فريقا آخر من المسؤولين يرى أنه لا مانع من قبول بعض الإصلاحات التجميلية شريطة أن تبقى دون السقوف المنخفضة التي رسمتها الدولة، وأن تتماهى مع الحدود التي يسمح بها صانع القرار.

وبين مزاج الفريقين يتعين على الأردنيين أن يضعوا مطامحهم في الإصلاح بهذا التعريف فكل ما يتم الحديث عنه من إصلاحات وتعديلات دستورية لا يعدو زوبعة في فنجان ترتشفه الحكومة مع كل لجنة جديدة يتم تشكيلها.

لا ننفك نسمع اليوم من ثلة من المتابعيين للشأن الأردني تحليلات تثني على ديناميكية النظام وكيف تمكن من التقاط المؤشرات والمتغيرات من محيطيه العربي ثم التكيف معها والحفاظ علي استقرار البلد.
ومما قد يتبادر إلى الأذهان أن الاستقرار المعني هنا هو ذاك الناتج عن رضى الشارع بما قدمه النظام من تنازلات وإصلاحات، وفي حقيقة الأمر “الحفاظ على الاستقرار” في هذا السياق يعني القدرة على إبقاء المارد الشعبي داخل القمقم دون إجراء أية إصلاحات حقيقية، ودون تلبية مطالب الشارع الجوهرية.

لا شك أن ذلك يعد من مناقب النظام، ولكن بمعيار الممانعين للتغيير وقوى الشد العكسي، وليس بمنظور الشارع الذي قد يبدو لوهلة مسالما و”مستقرا” كما يشتهي صانع القرار، غير أن سياسات الدولة في المماطلة والتسويف وشراء الوقت ستجعله أكثر مساءلة وأقل استقراراً.

أفهم أن التعديلات الدستورية خطوة إيجابية ولكنها تبقى خطوة واحدة في مسيرة الألف ميل، و ليست قفزة إلى المستقبل كما يحاول البعض أن يصورها.

وكما تمت مصادرة حقنا صغاراً في اختيار ممثلين عنا لمدرستنا غير الذين يفرضون علينا، فاليوم هنالك من ألغى دور الشعب في مراجعة دستوره أو الاستفتاء عليه، وذلك كي يبقى أي إصلاح دون السقف المطلوب والمتفق عليه. وقديما قالت العرب: من شب على شيء شاب عليه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية