أسباب مقاومة مشروع إعادة الهيكلة

الإثنين 13 حزيران 2011

بقلم باتر وردم

مقال ممنوع من النشر في صحيفة الدستور اليوم

تبدي الحكومة ضيقا شديدا من المقاومة التي يشهدها مشروع إعادة هيكلة الرواتب وتسكين موظفي الهيئات المستقلة على نظام الخدمة المدنية والذي سيعني تخفيض الرواتب والإمتيازات. وفي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة أن هذا المشروع هو “أهم وأكبر مشروع إصلاح إداري في تاريخ البلاد” لا تجد مانعا من وصف كل من يقاوم المشروع بأنهم من “أعداء الإصلاح” وأن الحكومة “لن تلتفت إلى القلة المتضررة”، ولكن يبدو أنه من الأفضل مراجعة هذا الموقف والتعامل بهدوء وتروي مع معارضي المشروع لأن لكل منهم اسبابه وبعضها مقنع بل وقانوني أيضا.

العدالة مطلب الجميع وكلنا ندرك أن هنالك تباينا غير مقبول في الرواتب والإمتيازات ما بين موظفي القطاع العام المشمولين بنظام ديوان الخدمة المدنية وهم الأغلبية وموظفي الهيئات المستقلة المستندين إلى قوانين إدارية خاصة وعاملين بعقود ذات امتيازات وأن هذا التباين يجب مواجهته. ولكن هذا لا يعني أيضا التوجه نحو “شيطنة” هذه الهيئات وموظفيها ووصفهم بأنهم “إنتشار سرطاني” واستنزاف للوطن لأنهم ايضا يمثلون في غالب الحالات موظفين متميزين انتقلوا من نظام بيروقراطي يحتاج إلى 10 تواقيع لشراء قلم حبر نحو نظام أكثر مرونة يسمح لهم بإظهار إمكانياتهم وطاقاتهم. ربما تكون هنالك رواتب مبالغ بها وواسطات ومحسوبيات في الطبقات العليا من هذه الهيئات ولكن هذا لا ينطبق على كافة الموظفين ولا كافة الهيئات ايضا ومن الظلم إجبارهم على دفع ثمن سياسة وقرارات اتخذها آخرون في السنوات الماضية.

وكذلك ليست كل الهيئات عبئا على الوطن لأن بعضها يقوم بإنجازات مهمة لا يمكن أن تتحقق في سياق البيروقراطية التقليدية للدولة وبالتالي فإن بعض قرارات الدمج كانت متسرعة وغير منطقية وأحيانا قد تكون بالفعل ظالمة جدا ولأسباب غير إدارية بل سياسية. مثال على ذلك قرار دمج هيئة تنظيم العمل الإشعاعي مع هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وهذا يعني إزاحة هيئة تنظيم العمل الإشعاعي عن القيام بدورها في مراقبة هيئة الطاقة الذرية التي تقوم بإدارة مشروع الطاقة النووية بلا رقيب ولا حسيب ومن الواضح أن قرارا كهذا بشطب هيئة تنظيم العمل الإشعاعي وخبرات موظفيها وكوادرها جاء لأسباب سياسية لا إدارية ومن الضروري مراجعته.

الحكومة تجد نفسها الآن في مواجهات غير محسوبة مع قوى مهمة في المجتمع ومنها النقابات والتي أعلنت رفضها لقرارات إعادة الهيكلة، وهذا ما يجعلنا ندرك مرة أخرى بأن النقابات المهنية وإن كانت تحمل مظهر المدافع عن الحقوق المدنية والسياسية فإنها ستكون في غاية الشراسة في الدفاع عن مصالح أعضائها ومنتسبيها سواء في رفض قوانين مهمة مثل المساءلة الطبية أو في رفض مشروع لتحقيق عدالة وظيفية مثل إعادة الهيكلة. ومن مظاهر المشكلة أن الحكومة قد تضطر أيضا لعمل استثناءات مثل عدم شمول موظفي وكالة الأنباء الأردنية والضمان الاجتماعي وغيرها من المؤسسات المؤثرة اقتصاديا واجتماعيا بقرار إعادة الهيكلة وبالرغم من مبررات هذا الإستثناء فإن الواقع هو أنه في الوقت الذي يبدأ فيه استثناء البعض من القرار فإن كل مصداقية وعدالة التوجه سوف تعاني من التشكيك.

قرار تخفيض الرواتب هو ايضا غير مسبوق في الدولة الأردنية ويجب التعامل بحذر مع تبعاته وخاصة التراجع في تحصيل ضريبة الدخل عندما تتراجع نسبة كبيرة من الرواتب إلى شريحة الإعفاءات السنوية. أن الطريقة التي سيتم فيها تنفيذ هذا القرار ستكون مؤلمة ايضا عندما يحين موعد تجديد العقود السنوية وتصبح الكلمة الحاسمة لمدير أو رئيس الهيئة في فرض الراتب الجديد أمام الموظف أو إجباره على إخلاء وظيفته وهذا قرار قد يصدر نتيجة اسباب مزاجية وغير مهنية في بعض الحالات وسوف تعاني هذه الهيئات من شللية تحاول الإستئثار بالوظائف والرواتب الجيدة على حساب موظفين قد يكونوا هم الأكثر كفاءة ومهنية ولكنهم الأقل واسطة وحظوة سياسية واجتماعية.

مع كل هذه التبعات من الأفضل للحكومة والرأي العام التوقف عن شيطنة واتهام الهيئات المستقلة وموظفيها والتحشيد ضدهم والعمل على تنفيذ هذا القرار بأقل القدر من الاضرار واحترام الحقوق المكتسبة لكل موظف أردني والالتفات لها بجدية.

—–

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية