“الضمان” تستدرك: بيع أراضي ومباني الدستور ووقف عمليات اختلاس في الرأي

الأربعاء 18 حزيران 2014

الخسائر المتراكمة في صحيفتي المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وصلت إلى 8,5 مليون دينار للدستور وأربع ملايين دينار للرأي. ولم يعد تجاوزها أو إخفاء أسبابها ممكنا، وبخاصة بعد أن بات لمصلحة البعض الكشف عن قليل من أسرارها.

استدراكا للأزمتين، قام الضمان الاجتماعي بـشراء أراضي ومباني صحيفة الدستور لضمان حقه وهو المساهم الأكبر بنسبة 33% من أسهمها، وتحميل موازنة صحيفة الرأي لعامين ماضيين خسائر ديون غير محصلة نتيجة عمليات اختلاس منظم ومستمر لسنوات طويلة في دائرة الإعلان أدى إلى هدر ملايين الدنانير في شركة تابعة للضمان بنسبة 55% من أسهمها.

تراجع الإيرادات التشغيلية لصحيفتي الرأي والدستور

تراجع الإيرادات التشغيلية لصحيفتي الرأي والدستور

الدستور

في 17 أيار وافق الحاضرون في اجتماع الهيئة العامة للشركة الأردنية للصحافة والنشر (الدستور) على قرار بيع قطع الأراضي (خمس دونمات) والمباني المقامة عليها، المملوكة للجريدة، للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي مقابل مبلغ خمسة ملايين دينار، وبذلك لم يتبق لنقابة المهندسين، ثاني أكبر مساهم بنسبة 19%، شيئا يحفظ حق أعضائها فيما لو تم تصفية الشركة التي انخفض سعر سهمها إلى 30 قرشا.

ومن أصل 14 مساهما حضروا الاجتماع اعترض على القرار المساهمين إسماعيل كامل الشريف وعبدالله القاق، آخر معاقل آل الشريف (باتوا يملكون فقط 13,3% من الأسهم)، خشية أن يتم تصفية صحيفة الدستور.

المساهم وعضو مجلس الإدارة الأسبق القاق غير راض عن الصفقة. مبلغ خمسة ملايين لن يحل المشكلة، سيكفي فقط لستة شهور أو سنة كأبعد تقدير وسيسد فقط ديون عاجلة من مديونية الصحيفة التي تقدر بـعشرة ملايين. وقد يؤول إلى تصفية الجريدة.

رئيس مجلس الإدارة وممثل الضمان الاجتماعي الحالي، تيسير الصمادي، يُطمئن بأنه لن يكون هناك أية تصفية لشركة الدستور، وأن الهدف من بيع أراضيها وعقاراتها استخدام المبلغ في تسوية مع ثلاثة بنوك دائنة تضمنت سداد 40% من أصل 8,5 مليون دينار، وبالتالي إخراج الشركة من القائمة السوداء للبنك المركزي.

لكن الأرقام في البيانات المالية لسوق عمان المالي لا تبشر بأن أزمة الدستور عابرة ومنتهية بسداد ديونها الحالية. فالخسائر تتراكم سنويا بزيادة الهوة بين الإيرادات المتراجعة والنفقات المتزايدة (3 ملايين في 2013 مقارنة بـ1,8 في 2012)، وفقا للبيانات المالية المتوقعة لعام 2013 والتي لم يدققها المحاسب القانوني لغاية الآن.

وسبب عدم تقديم البيانات المالية المدققة في المدة المحددة بقانون الأوراق المالية، كما ورد في افصاحات الشركة لهيئة الأوراق المالية في آذار الماضي، انشغال الدائرة المالية بتجهيز طلبات مدققي الجمارك وضريبة المبيعات والتحضير لاجتماع الهيئة العامة غير العادي. لكن السبب الحقيقي، كما أفصح عنه رئيس المجلس الحالي، وجود بند مالي عالق منذ 2010 يجري التعامل حاليا. ولم يوضح الصمادي ما هو البند العالق رافضا التعليق على كل ما يتعلق بالمجالس السابقة.

أرباح (خسائر) الرأي والدستور

أرباح (خسائر) الرأي والدستور

ومع ذلك فإن الصمادي مصر على أن الصحيفة حاليا قادرة على تغطية نفقاتها السنوية ولن يترتب عليها ديون مستقبلية، وأن الديون السابقة قديمة منذ 2010 ومرتبطة بمجالس إدارات سابقة. وهو أيضا متفائل بما سينتج عن لجنة داخلية تم تشكيل لوضع خطة استراتيجية لثلاث سنوات على المستويات الإدارية، الصحافية والمالية. ويؤكد على أن أداء مطبعة الدستور لا يزال جيدا وقادرا على منافسة مجمع مطابع الرأي، فالدستور مثلا تقوم بطباعة كتب وزارة التربية والتعليم العراقية.

من منظور مختلف، لا يرى عضو المجلس الأسبق، القاق، حلا للأزمة سوى إعادة هيكلة العاملين في الجريدة. وذلك غير ممكن مع الصحفيين لأن النقابة لا تسمح بذلك، وإعادة هيكلة الإداريين فقط لن يحل المشكلة.

الرأي

التطورات في أزمة صحيفة الرأي كانت أكثر دراماتيكية. فالتناقض بين الأرقام التي تقول بأن الصحيفة خاسرة كما يظهر في بياناتها المالية لغاية عام 2013، وبين المدافعين بأن أرباحها قُلبت إلى خسائر دفترية ناشئة عن قيود غير قانونية ولا مبرر لها، حسمه الكاتب السابق في صحيفة الرأي نصوح المجالي، في رده على مقال الكاتب فهد الفانك.

في 2 حزيران 2014 نشرت الرأي مقالا لكاتبها الاقتصادي الفانك بعنوان الرأي نجاح وأرباح!، ضمن عشرات المقالات والتقارير المحتفلة بعيد الرأي الـ44. قدم فيه تفسيرا غير مقنع لنتائج البيانات المالية وألقى باللائمة على إدارتها المالية ومدققي حساباتها الذين قلبوا أرباحها الحقيقية عمداً إلى خسائر دفترية (في السنة السابقة أربعة ملايين دينار وفي السنة الاخيرة مليون دينار). وذلك من قبيل المنافسة مع سلفه الذي كان أكثر تفهماً للواقع….

انطباعات الفانك استفزت المجالي للرد عليه بأن الانطباعات الصحفية شيء والحقائق شيءٌ آخر. وكشف المجالي، الذي لم يعد لديه ما يخسره بعد أن استغنت الصحيفة عن خدماته نهاية العام 2013 ضمن أكثر من 40 كاتبا في الرأي، عن تلاعب مالي، خفي ومنظم ومستمر لسنوات طويلة في دائرة الإعلان أدى إلى هدر ملايين الدنانير من حقوق مؤسسة الرأي، وتجييرها إلى أرباح إضافية لبعض وكلاء الإعلان.

وعاد المجالي إلى تاريخ 18/12/2011 حيث قرر مجلس الإدارة برئاسة سمير الحياري آنذاك تشكيل لجنة برئاسة المجالي، وعضوية السادة زيدون أبو حسان، وعلي الصمادي (ممثلي الضمان الاجتماعي)، لفحص الأوضاع المالية والتسويقية وشؤون الإعلان في الرأي.

وجدت اللجنة المكلفة بالتحقيق، أن بعض قيود الإعلان المالية السابقة حُذفت من الكمبيوتر، مما استوجب تشكيل لجنة فنية، للعودة إلى الهارد دسك Hard drive لفحص قيود السنوات الخمس التي سبقت عام 2011، ومطابقتها على مساحات الإعلان الفعلية في الصحيفة. وعندها ظهرت الفروق الهائلة، بين مطالبات دائرة الإعلان، وبين الديون الحقيقية التي أغفلت بشكل متعمد وذلك في حسابات عدة شركات مما أهدر ملايين الدنانير من دخل المؤسسة.

وعدد المجالي بعضا من نماذج الاختلاسات التي ظهرت خلال فحص حسابات خمس سنوات سابقة لعام 2011، ولو عادت خمس سنوات أخرى للوراء لاكتشفنا ربما ملايين أخرى هدرت من أموال الرأي. وختم بأن التفاصيل برمتها لدى القضاء. ومرت سنتان ونصف السنة على التحقيق الذي بدأ داخل مؤسسة الرأي ورفعته لجنة الرأي إلى المحكمة التي ما تزال تستمع للشهود في جلساتها الأولى. ورفض المجالي الكشف عن تفاصيل أخرى، عدا عن التي وردت في مقاله، لكي لا تؤثر على القضية.

وصلت معلومات متعلقة بصحيفة الرأي إلى مجلس النواب الذي اكتفى بإعداد تقرير بقي في أدراج رئيس المجلس. وفي آب 2013 ناقشت لجنة التوجيه الوطني النيابية ملف الرأي وصرح رئيس اللجنة في حينها النائب خالد البكار، أن المعلومات الواردة لا زالت غير مؤكدة وأن اللجنة ستسعى للوقوف على صحة المعلومات الواردة والتعامل معها بمنتهى الحياد والجدية، وأن اللجنة ستبدأ التحقيق بالتنسيق مع هيئة مكافحة الفساد. وفي تشرين ثاني 2013 أحال مجلس النواب أزمة الصحف اليومية للجنة التوجيه الوطني، برئاسة النائب جميل النمري، لدراستة بشكل مهني وتقديم تقريرها للمجلس.

تضمن التقرير وجود تلاعب في دائرة الإعلان، فساد، سرقات مباشرة، سوء إدارة في مشروع مجمع مطابع الرأي واستنزاف كبير في رواتب، مكافآت ومخصصات الإدارة العليا، إداريا وتحريريا. وطالب التقرير بالرقابة على أموال الصحف. ورفعت اللجنة التقرير لمناقشته في المجلس، لكن رئيس المجلس أحجم عن رفعه للمجلس، يقول النمري.

واستمر التعتيم الإعلامي على ملف الفساد في الزميلة الرأي كما استمر إخفاء صحيفة الرأي لخسائرها خشية التأثير على أسعار أسهمها، فأعلنت عن إجمالي أرباحها (4,7 مليون دينار) في 2013 قبل احتساب مصاريف إدارية وعمومية (3,3 مليون) وعمولات بيع وتوزيع (1,3 مليون) ومخصصات أخرى أدت إلى تسجيل خسارة بقيمة مليون دينار حالت دون توزيع أية أرباح على المساهمين عن عام 2013، وفقا لاجتماع الهيئة العامة.

استثمارات الضمان في الصحافة

تتراكم خسائر الرأي والدستور منذ أكثر من ثلاث سنوات، من دون أن تخسرا المساهمين فيها. فأكبر المساهمين في الصحيفتين، المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، تمكن من امتصاص خسائر الشركتين وتغطيتها من العوائد الاجمالية لمحفظة المساهمات العامة التي يديرها صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، وفيها 81 شركة مدرجة في بورصة عمان.

وتمكنت مؤسسة الضمان أيضا من الاستمرار في تحمل الخسائر، والذي يتعارض مع هدفها المعلن بـإعادة توزيع وتنويع محفظة الاستثمار بالاسهم وبما يتسق مع استراتيجية الاستثمار المعمول بها في الصندوق، وذلك من خلال زيادة المساهمة في الشركات الاستراتيجية ذات الاداء المالي الجيد والتخلص من المساهمات الصغيرة والمساهمات ذات الاداء المالي الضعيف وايجاد ادوات استثمارية جديدة في السوق المالي.

بذلك يتمتع الضمان بقدر أكبر من المرونة والمغامرة المالية في التعامل مع الشركات المتعثرة، وبيروقراطية وشروط استثمار أقل

قامت مؤسسة الضمان بتحويل ملكية أسهمها في الشركة الأكثر خسارة (الدستور) إلى شركة خاصة تملكها المؤسسة بالكامل (راما للاستثمار والادخار) التي أنشأها الضمان لغايات متنوعة مثل الاستثمار بالأسهم والسندات، استملاك الاراضي والعقارات، وأهمها تجاوز بعض العوائق والموانع القانونية في الأنظمة الداخلية لبعض الشركات والمتعلقة بنسبة مساهمة الحكومة ومؤسساتها في تلك الشركات. وبذلك يتمتع الضمان بقدر أكبر من المرونة والمغامرة المالية في التعامل مع الشركات المتعثرة، وبيروقراطية وشروط استثمار أقل، يخضع لها الصندوق عند اتخاذ القرارات.

وتمتلك شركة راما حصص في عدد من الشركات مثل الرأي والدستور (بنسبة 30%) وشركة الأسواق الحرة وشركة لافارج الإسمنت وشركة الفوسفات الأردنية والبنك التجاري الأردني وشركة الترافرتين وشركة الأردن لتطوير المشاريع السياحية وشركة زارا الاستثمارات القابضة. ووفقا لبيانات الصندوق المالية لعام 2012 لم يتم قيد أية مخصصات ضريبية لوجود خسائر متراكمة.

استثمارات سياسية

استثمارات الضمان في الصحافة، أو فيما يسمى بـالمؤسسات الوطنية، واستمرارها وهي خاسرة، يعزوها الدكتور محمد خالد الزعبي في كتابه الضمان الاجتماعي: حماية المسنين بين اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية الأردن نموذجا دراسة تحليلية. إلى نفوذ الدولة المهيمن على القرار الاستثماري في المؤسسة والذي شجع على تلزيم الضمان ملكية مشاريع لأسباب غير استثمارية (مثل الصحف المحلية)”.

استثمارات الضمان في الصحافة، أو فيما يسمى بـالمؤسسات الوطنية، واستمرارها وهي خاسرة، يعزوها الدكتور محمد خالد الزعبي إلى نفوذ الدولة المهيمن على القرار الاستثماري في المؤسسة 

ويتابع أن خطر تدخل الحكومة بأموال الضمان يتفاقم في ظل تنامي الأزمة الاقتصادية. وأدى كل ذلك إلى تورط الضمان وأصبح يملك عددا كبيرا من الشركات التابعة التي تملك المؤسسة أكثر من نصف رأسمالها… والشركات الحليفة التي تملك المؤسسة حوالي ربع إلى نصف رأسمالها.

ويرى الزعبي أن إنشاء الوحدة الاستثمارية (الصندوق) أدى إلى تقليص نفوذ مجلس إدارة الضمان لمصلحة (الخبراء الاقتصاديين) الذين يعينهم مجلس الوزراء، وإلى المزيد من التبعية للحكومة التي استخدمت استثمارات المؤسسة لصالح السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية.

يتألف مجلس استثمار اموال الضمان الاجتماعي، بحسب المادة (14- أ) من قانون الضمان الاجتماعي رقم (1) لعام 2014، من تسعة أعضاء برئاسة رئيس الصندوق (يعين بقرار من مجلس الوزراء) وعضوية كل من مدير عام المؤسسة (يعين بقرار من مجلس الوزراء)، وعضوين أحدهما عن ممثلي العمال والثاني عن ممثلي أصحاب العمل يسميهما المجلس من بين أعضائه بالإضافة إلى خمسة أعضاء من ذوي الخبرة والكفاءة يعينهم مجلس الوزراء.

ولا يتوقف التأثير الحكومي عند مجلس استثمار أموال الضمان، بل يمتد إلى مجالس إدارات الشركات التابعة والحليفة التي يمتلك فيها الضمان أسهما. فبين ممثلي الضمان في مجالس الإدارة (خمسة في صحيفة الرأي وأربعة في الدستور من أصل تسعة أعضاء ومنهم الرئيس) نجد وزراء سابقين يتعاقبون على رئاسة مجالس الصحيفتين، مثل الرئيس الحالي لمجلس الدستور، تيسير الصمادي عضو في مجلس الأعيان الأردني الحالي ووزير سابق، ومن قبله الوزير السابق أمين المشاقبة، وفي الرأي الوزير السابق سميح المعايطة وقبله الوزير السابق علي العايد.

وبذلك تكون السيطرة الحكومية على صحيفتي الرأي والدستور بمستوى التبعية المباشرة للحكومة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) واللتين تمولهما الحكومة ويرأس مجالس إدارتيهما وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال بحكم قانونيهما. في حين أن السيطرة الحكومية، إداريا وتحريريا، على صحيفتين تمولهما اشتراكات المواطنين في الضمان الاجتماعي غير مقونن وغير مقبول.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية