الحقيقة والوهم

الإثنين 17 حزيران 2013

في محاولة فهم موقف من يرفض تشجيع المنتخب الأردني لكرة القدم بوضعه الحالي 

إذا كانت ظاهرة “المبالغة بعرض الفخر والاعتزاز بالمؤسسة العسكرية والجيش كدليل على إثبات حب الوطن” مفهومة نوعاً ما نظراً للدعاية التاريخية التي أضفت هالة من القدسية على المؤسسة العسكرية، فإن ترجمة هذا النموذج من “الوطنية الشعبوية البديلة” إلى فريق كرة القدم بحيث يصبح المنتخب مصدر إجماع لا بل مصدر مزاودة على حب الوطن وصدق الانتماء له غير مفهومة وفيها نوع من السذاجة.

لوضع “الإنجاز الرياضي” في سياقه الصحيح، لا بد من التذكير بأن الإنجاز الرياضي الوطني ليس مجرد احتفال بقدرة شخص على العدو بسرعة، أو قدرة خمسة أشخاص على التجديف أسرع من خمسة أشخاص من بلد ثاني، ففي هذه الحالة لن يختلف هذا عن “الإنجاز” بفوز مطرب في مسابقة، أو فوز البتراء بتصويت عبر الرسائل القصيرة، لا بل حتى لن يختلف عن التغني بجمل فارغة المضمون مثل “سيأتي يوم يتمنى فيه كل إنسان أن يكون أردني-اينشتاين”، من حيث أنها حالات فردية خارج السياق أو “الكونتيكست”. الإنجاز الرياضي هو احتفال بنجاح الدولة: الدولة تعمل، والنظام يعمل، والبرامج تعمل، وهذه هي نتائجها، متوجة بإنجازاتها الرياضية.

لا داعي لخلط الرياضة بالسياسة، وإن كان أصحاب هذه الدعوة الرومانسية قد أغمضوا أعينهم عن أن الرياضة كانت وما تزال إحدى أدوات الأنظمة الشمولية في الحصول على الشعبية والشرعية، والأمثلة كثيرة. ونقتبس هنا من الصفحة الأولى من ملحق الرأي بمناسبة عيد الجلوس الملكي: “حظيت الحركة الرياضة برعاية شاملة من القيادة الهاشمية، وأضحت إحدى الصور البارزة لنهضة الأردن وتطوره، وشكلت الإنجازات الرياضية نقطة مضيئة في المسيرة الأردنية التي يفتخر بها كل مواطن. وكانت الرياضة والرياضيون دوما في قلب ووجدان وأولويات القائد، وتنعمت المسيرة الرياضية باهتمام ورعاية ملكية وعرفت الرياضة في عهد جلالة الملك إنجازات وتطورات وازدهارات، وضعتها على قائمة الدول المتقدمة في كافة الميادين الرياضية.”

فبغض النظر من هو الطرف الذي يجبرك على خلط الرياضة بالسياسة، وبالتركيز حصرياً على وضع الرياضة الأردنية، من البديهي أن تعاني الرياضة الأردنية من نفس المشاكل والخلل الذي تعاني منه مؤسسات الدولة. فكرة القدم على سبيل المثال في وضع تعيس: فالدوري هزيل، مستواه متواضع وجمهوره شبه معدوم. الأندية مفلسة وإدارتها تفتقر لبديهيات العمل المؤسسي وتدار بالشللية والعشوائية. تجربة الاحتراف بائسة. الفئات العمرية لا تتلقى الاهتمام الكافي ويتولى تدريبها لاعبون سابقون غير مؤهلين. هناك ملعب كرة قدم واحد تقريباً لائق لاستضافة مباريات دوري الدرجة الممتازة (بحسب مدير المسابقات في الاتحاد الآسيوي)، واللاعبون المحترفون في دوري المحترفين يجرون وراء الكرات التي تطير من ملعب البتراء ويبحثون عنها بنفسهم في غابات المدينة الرياضية.

الموسم الكروي هذا العام بدأ بمباراة كأس الكؤوس التي لم تقم رغم حضور الفريقين والحكام والجمهور بسبب خلاف على تسجيل لاعبين ضاعت بيانات تسجيلهم بين برامج الكمبيوتر وإداريي الاتحاد وإدارة النادي. يمكن اعتبار النقطة الفاصلة في مسيرة الدوري الأردني لهذا العام تخسير فريق أشرك لاعباً موقوفاً أمام الفريق الذي حاز على لقب الدوري، وما زال الفريق الحائز على المركز الثاني يهدد باللجوء إلى الفيفا حتى هذه اللحظة لاحتمال وجود تلاعب في المباريات وتقصير من الاتحاد في شرح القضية للنادي المتضرر. في دوري المحترفين الأردني يتم إنهاء عقد المدرب بعد أول خسارة (حتى لو إضطر الفريق إلى تغيير خمس مدربين في الموسم)، ويتم حرمان اللاعب المحترف من مخصصاته الشهرية إذا أضاع ركلة جزاء. (ولكن على الأقل حادثة اعتداء رئيس النادي على لاعب محترف بعكازه ومن ثم ضربه لأنه أضاع ركلة جزاء لم تحصل سوى مرة واحدة قبل بضعة اعوام.)  لنترك الحكم على وضع الكرة الأردنية للجنة الاتحاد الآسيوي التي زارت الأردن لتقييم وضع منظومة الكرة الأردنية، وكانت النتائج رفض طلب الأردن بالمنافسة في دوري ابطال آسيا لفشله في الحصول على الحد الأدنى من النقاط (٦٠٠ من أصل ألف نقطة) التي رصدت للأندية والملاعب والحكام والإدارة والتسويق والرقابة المالية وغيرها من عوامل التقييم، مما أفضى إلى اعتبار بطل الدوري الأردني غير مؤهل للمشاركة في دوري الأبطال ويمكنه أن يشارك في بطولة كأس الاتحاد الاسيوي فقط، التي تعد دوري الدرجة الثانية.

إذاً فأنت يا عزيزي محب الرياضة مفرط الوطنية الكروية تطلب مني أن أغض النظر عن الصورة الشاملة لكرة القدم والرياضة الأردنية وأن ارتدي نظارات الوهم (لا بل حتى الغمامات) التي تجبرني على التركيز فقط على مباراة واحدة والتهليل للعلم والزي والرمز خارج أي سياق لواقع الرياضة الأردنية! فوز الفريق وتأهله لكأس العالم لا يعكس وضع كرة القدم الأردنية الذي لم يتحسن في واقع الحال بل استفاد من تراجع لفرق آسيا القوية، الذي يحصل دورياً في عالم كرة القدم. أثبت منتخب كرة السلة أن صدفة التأهل إلى كأس العالم لا تعني شيء، خاصةً إذا جاءت على حساب كل عناصر اللعبة الأخرى، مما يعني موتها (وهذا موضوع يطول). خسارات المنتخب الثقيلة بدورها تجبرك على العودة إلى الواقع ومراجعة أسبابها، لتكتشف (أو تعيد اكتشاف) أن هذا هو الوضع الطبيعي في ظل المعطيات الموجودة.

أخيراً، فإن الإمتناع عن ركوب سراب “يلا عل برازيل” لا يعني عدم التعاطف مع اللاعبين كأفراد واصدقاء، ففي بلد مثل بلدنا يوجد على الأقل صديق واحد مشترك بينك وبين أي منهم، وعلى الأغلب أن منهم أقاربك وجيرانك وأولاد صفك. لكن تذكر دوماً أن “برامج” المؤسسة الرياضية الأردنية في وضعها الحالي تتخصص في تحطيم المواهب، و تخيل ما هي فرص طفل أردني في تطوير موهبته ضمن هذه المنظومة وفي أن يمثل بلده يوماً على أعلى مستوى، وتذكر المواهب التي مرت عليك خلال حياتك وعملت أوساط الاندية و الاتحادات على تنفيرها من ممارسة الرياضة بشكل منظم والاعتزال بسبب القرف.

إذا كنت تهتم بالرياضة فعلاً فلن تقبل بأن تعتنق كذبة، أما إذا كنت تبحث عن مناسبة تفرح فيها وتحتفل وتطلق العنان لزامور السيارة شاعراً بفخر واعتزاز وطني غير مستحق، فالمناسبات الوطنية كثيرة، حيث يصادف يوم ١٨ آب من هذا العام اليوبيل العاشر لفوز ديانا كرزون بالنسخة الأولى من مسابقة سوبر ستار، فكل عام والوطن بخير.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية