رواية أصابع لوليتا: تسامحٌ بلا شروط

الخميس 25 نيسان 2013

يتساءل يونس مارينا مجدداً: هل يرجع أو لا يرجع إلى الجزائر وهو الذي غادرها بعدما خرجت فتاوى من تكفيريين هناك تقضي باغتياله طالما أنهم أيقنوا بأن روايته “عرش الشيطان” مست الذات الإلهية وطالت معتقدهم الإسلامي؟

هي بالنسبة له صنعة أدبية لم تطل الأديان بقدر ما كانت محاولة لطرح التساؤلات والوقوف في مناطق محرم فيها التفكير والتساؤل.

يونس مارينا، بطل رواية “أصابع لوليتا” للروائي الجزائري واسيني الأعرج،  لم يفكر باللجوء إلى فرنسا إلا بعد أن شعر أنه مهدد فعلياً بالقتل من قبل متطرفين. وجد نفسه في حالة من التناقض بسعيه اللجوء لبلد عاث احتلالاً في موطنه وكان سبباً في مقتل والده الذي ذهب شهيد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي. لكنه أي يونس يرجح كفة التسامح عن أي سبب آخر للكراهية.

تظهر “لوليتا” في حياة يونس بعوالمها وخيالات مؤلفها الفرنسي فلاديمير نابوكوف (قصة حب رجل لابنته الصغيرة) على شكل فتاة تدعى نوى – جزائرية هاربة من محاولة قتل من قبل شقيقها الذي اتهمها بإغواء أبيها بعد أن اغتصبها الأخير خلال زيارتهما إلى أندونيسيا عندما كان عمرها 16 عاماً. يعيش يونس فصولاً مع تلك الغامة في بداية العلاقة وسرعان ما يتورط في مشاعره نحو لوليتا.

يعيش يونس مع لوليتا عوالم خاصة مختلفة كان يريدها؛ عالم متناقض ما بين روائي شهير عالمه الأدب والكتب والسفر بين معارض الكتاب الدولية وبين فتاة شهيرة في عالم عروض الازياء وملاحقات المصورين لها في فرنسا حيث تقيم أو بلدان العالم حيثما تذهب. هي تبحث عن وطنها الجزائر من خلال يونس، وهو يجدها ملجأ يعثر فيه على وطن وحب غير اعتيادي ليثير شجونه وخيالاته ويخرج من أسر روايته “عرش الشيطان” التي اخذت صيتاً عن دون رواياته الأخرى.

تلك العوالم قد نختصرها بحالة من تسامح بلا شروط ما بين أبطال الرواية حيث كل واحد منهما آت من أوضاع صعبة اختلط فيها التطرف الديني على المجتمعي ليحملا إرث بلد خرج من استقلال إلى واقع مرير تعيشه الجزائر.

يفاجأ القارئ بتحول جذري في شخصية لوليتا بعد عودتها من جولة عرض أزياء في اندونيسيا حيث تباغته بسؤال الإيمان وعدم الصلاة، ليعود الأعرج ويذكرنا بمدلول شخصية لوليتا الروائية؛ المتقلبة في سلوكها وغير المتوقع منها الشيء أبداً.

تفاصيل الرواية تنقلنا إلى أجواء ما يعانيه العربي المغترب وكيف هو الحال بالنسبة للهارب من أتون تهديد بالقتل بسبب فكره.

تتشابه أوضاع يونس مارينا مع ما حصل مع الروائي الإيراني سلمان رشدي الذي ألف في بداية التسعينيات كتاب آيات شيطانية حيث أعلنت إيران بلده الأم عن جائزة لاغتياله لما اعتبرته مسّاً للقرآن في كتابه.

يعود واسيني الأعرج بشكل غير مباشر إلى حقبة مرت بها الجزائر خلال احتلال فرنسي جائر واغتيال أحلام الشباب من خلال شخصيات مثلت طبقات المثقفين والشباب والنساء والزعماء والشيء المشترك فيما بينها هو المنفى من بلد بات التطرف سمته في الفترة من الفترات.

وهذا ما عبر عنه صراحة واسيتي الاعرج في محاضرة له في رابطة الكتاب الأردنيين عقدت الاثنين الموافق 15-4-2013، إذ تحدث عن شغفه الدائم للرجوع للتاريخ لا للتوثيق في محاولته لأنسنة تلك المساحة.

رواية واسيني الأعرج التي اختيرت على القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية ولكن لم تصل للقائمة القصيرة، جمعت في الأسلوب الروائي ما بين الأديب اللاتيني غابريل ماركيز من حيث الخيال الجامح والسرد التفصيلي، والأديب الفرنسي اللبناني أمين معلوف من حيث استلهام التاريخ واللعب بالشخوص تاركاً المسألة لمخيلة القراء. باختصار وجدت رواية أصابع لوليتا تستحق القراءة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية