لماذا نقاطع سيرك دي سوليه؟

الأربعاء 20 حزيران 2012

بقلم زينة أبو عنّاب

منذ اللحظة التي علمت فيها بأن سيرك دي سوليه ينوي إقامة عروض له في ما يسمى بإسرائيل، أدركت في نفس اللحظة وبشكل تلقائي بأن ذلك يعني أني سأقاطع عروضه في عمّان بعد أن كنت من أشد المتحمّسين لحضورها. بدت المسألة واضحة جداً لا تحتمل اللبس. وبشكل عفوي، تشكلت مجموعة تضم عدداً من المعارف والأصدقاء الذين شاركوني هذا القرار التلقائي.

 بدأنا أولا بالضغط على سيرك دي سوليه لإلغاء عروضه في “تل أبيب”، انطلاقاً من تقديرنا للفن وحرصنا على التبادل الثقافي، كما قمنا بحثّ الداعين والراعين لعروضه في عمّان للعمل بالمثل.  لكن عندما لم نلق أي تجاوب، كان لا بد من الدعوة إلى مقاطعة السيرك في عمّان. ونُجمل الأسباب التي قادتنا إلى هذا القرار (أو الاستنتاج) بما يلي:

  • مقاومة التطبيع، ورفض التعامل مع كل من يتعامل مع هذا الكيان الغاصب ويعطيه شرعية زائفة.
  • إقامة العروض في ذات الفترة التي يزور فيها السيرك عددا من المدن العربية، وكأنه يفترض أن الكيان الصهيوني هو جزء طبيعي من هذه المنطقة، الأمر الذي نرفضه جملة وتفصيلا.
  • نمو حركات المقاطعة العالمية، ولا سيما الثقافية، والتي اكتسبت شرعيتها بشكل لا يقبل الجدل، عندما أصدرت عدد من الهيئات والنقابات والشخوص الفلسطينية في الداخل الفلسطيني نداءً للعالم تطالبه بتفعيل ودعم المقاطعة بكافة أشكالها وصورها.
  • اعتبار القضية الفلسطينية قضيتنا -أولا وآخراً-، فنحن لسنا متضامنين مع هذه القضية بل نحن أصحابها، وأوّل من يدافع عنها، ويقف حارساً للذاكرة، خاصة في زمن ما بعد اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة.
  • وجدنا لاحقاً كمجموعة أن الجمهور الذي نخاطبه ينقسم إلى فئتين رئيسيتين: فئة تقبل مبررات ودواعي المقاطعة دون جدل أو نقاش أو أي حاجة إلى تفسير، وفئة أخرى مقاومة –وبشدة- لفكرة مقاطعة السيرك مستندة إلى مبررات شتى، أحاول أن أستعرضها وأرد عليها فيما يلي:

أولا: “إذا بدكم تقاطعوا السيرك قاطعوا جميع الشركات، والمنتجات التي تتعامل مع الكيان الصهيوني”، أكثر ما تردد على مسامعنا هنا، شركات السيارات والمنتجات التكنولوجية وماركات الأزياء العالمية.

وهنا أقول،

  • إن أي دعوة لمقاطعة مؤسسات ومنتجات يجب أن تكون قابلة للتطبيق، وعليه نختار عناصر ومنتجات يتوفر لها بدائل وبالتالي يمكننا مقاطعتها، حتى يكون من المتاح للجمهور تبنيها وتطبيقها دون أن تشكل معوّقا أمام استمرار الحياة الفاعلة لأي فرد. فمن غير المبرر –أو المعقول- أن نطالب الناس مثلاً بمقاطعة وسائل التكنولوجيا الحديثة، فيعزلون بذلك أنفسهم عن التقدم ويقصونها عن منابر هامة للتواصل، وإذكاء روح الوعي بقضاياهم.
  • سقف المقاطعة لا يفرضه شخص أو فئة، فإن تمكّن أي منكم من مقاطعة منتج يدعو للاعتراف بهذا الكيان ويتعامل معه فلا تنتظروا من يدعوكم إلى المقاطعة بل كونوا الحكم وبادروا.
  • أن تختار مقاطعة منتج أو نشاط معيّن تكون قادرا على مقاطعته، لا يعني –بالضرورة- أن تتبنى وتعمم هذا القرار على كافة الأصعدة الأخرى دفعة واحدة. لم أسمع أحداً يقول يوماً –على سبيل المثال- إن كنت لا تصوم فلا تصلِّ ولا تزكِ ولا تحج! بل اتخذ الخطوات التي أنت تقدر عليها ولكل فعل أثره.

ثانياً: “سيرك دي سوليه سيرك عالمي، ومن غير المعقول أن نقحمه في صراعنا وقضايانا المحلية، هو عرض فني محايد”

  • من يختار أن يرفه عن من ارتكبوا ويرتكبون بشكل يومي جرائم ضد الإنسانية – وهنا أذكّر بأنه ليس من صهيوني يقيم في فلسطين المحتلة بريء من هذه الجرائم- ليس بمحايد، بل قد اتخذ قراراً واعياً بأن يغض النظر عن هذه الانتهاكات والجرائم.
  • الفن رسالة إنسانية وأخلاقية ومبدئية، ولا يمكن تجريد الفن من رسالته -كما يفعل السيرك- عندما يختار أن يعرض في كيان غاصب ذبح سكان الأرض الأصليين، وشرّدهم وقلع أشجارهم، ونهب تراثهم، إلى جانب الخروقات العديدة للقوانين الدولية، وقرارات مجلس الأمن، وانتهاكات اتفاقيات حقوق الإنسان!
  • أختم هنا بمقولة ديسموند توتو الشهيرة “أن تقف محايداً عند وقوع الظلم يعني أنك اخترت الوقوف إلى جانب الظالم”. ومن هنا فإن سيرك دي سوليه مذنب لأنه يختار جانب الظلم.

ثالثاً: “ما هي الحالات التي أثبتت فيها المقاطعة الثقافية جدواها؟ المقاطعة الثقافية لا ولن تؤثر في الصراع مع العدو الصهيوني؟”

  • إن الحالات التي تم فيها إخضاع المقاطعة للتجربة ليست بكثيرة، والظلم والإجرام الذي حل بالشعب الفلسطيني -وسط تحالفات ودعم عالميين- يمثلان أيضا حالة ليس لها سابقة في التاريخ، وعليه لا يمكن القياس على تجارب وإثباتات سابقة. لكن قد نلتفت مجازاً لتجربة جنوب أفريقيا في المقاطعة  والتي أثبتت نجاعتها بشكل كبير (على الرغم من الإختلاف بين الحالين).
  • إن انضمام فنانين وفرق فنية عالمية واتخاذهم مواقف داعمة للمقاطعة هي بحد ذاتها دليل على نجاح الدعوة إلى المقاطعة الثقافية، أذكر منهم: Gorillaz, Santana, Bjork, Roger Waters. أما بالنسبة للأثر الذي تحدثه هذه المواقف، فنحن نتذمر دائماً وأبداً من فقر تغطية الإعلام الغربي لمعاناة الشعب الفلسطيني، ولكن ألا تحقق مقاطعة فنانين عالميين للكيان الصهيوني صدىً اعلامياً مهماً، فتشكل بذلك نافذة للحقيقة؟
  • لقد سنّ الكيان الصهيوني قوانين تجرّم المشاركة بأي نشاط يدعو أو ينوّه إلى مقاطعته، كما جنّد مبعوثين لمدن مختلفة حول العالم خلال ما يعرف “بالأسبوع العالمي لمقاومة الفصل العنصري” ليشوشوا على الفعاليات المقامة … ألا يعتبر هذا دليل على أن الكيان الصهيوني يتأثر بحركات المقاطعة؟
  • إن الكيان يستخدم العروض الفنية والثقافية ليروّج نفسه كياناً حضارياً ومتطوّراً، فيصرف النظر عن الجرائم التي يرتكبها في الوقت ذاته. وإن المقاطعة الثقافية للكيان ستصعّب هذه المهمة عليه (الترويج لنفسه وصرف النظر عن حقيقته)، كما ستعزله عن المجتمع الدولي.
  • إن أي حركة أو حراك يستمد قوّته من عدد المؤازرين والمشاركين، فلو توحدنا كدول عربية ورفضنا التعامل مع فنانين يتعاملون مع الكيان، سيكون التأثير مضموناً. وإن الأثر الذي نتوقعه أو نطمح إليه لن يتحقق، أو حتى يُظهر أية بوادر نجاح في القريب العاجل، إنما نؤسس ونخطط لعمل يحتاج إلى الكثير من المثابرة، والجهد، والإيمان.

رابعاً: “إن استضافة فرق عالمية –مثل سيرك دي سوليه- هو استثمار وطني يضع الأردن على خارطة الثقافة العالمية وينمّي السياحة”.

  • من الأولى بنا أن ندعم ونروّج ونستضيف عروضاً لفنانين عالميين اختاروا نهج المقاطعة، فنضع الأردن “على الخارطة الثقافية العالمية” دون أن نساهم في إحباط جهود المقاطعة، المحلية منها والعالمية، بل نتبنّاها وندعمها.
  • لدى الأردن العديد من الإمكانات والمصادر الكفيلة بوضعه على “خارطة العالم الثقافية” إن تم ترويجها والإستثمار فيها بالشكل المناسب. أليس من باب أولى أن تستثمر الشركات الوطنية الحريصة على المصلحة الوطنية في مهرجان جرش مثلا، هذا المهرجان الذي يقام في موقع تاريخي يصعب على أي دولة مضاهاة ما يحمل من حضارة وجمال؟ أو أن يروّجوا لزيارة البتراء بالشكل الصحيح عوضاً عن استفادة الصهاينة من الترويج للبتراء ضمن رحلات تروّج لما يسمى إسرائيل؟

خامساً وأخيراً: لماذا نقاطع السيرك في عمّان إن كان هدفنا أن يقاطع السيرك الكيان؟

  • لأن تعامل السيرك مع الكيان وإقامة عروض فيه يعني اعترافه به.
  • ببساطة شديدة، لأننا نحتاج ورقة ضغط. من غير المعقول أن نطالب السيرك بالمقاطعة فيضرب بمطالبنا عرض الحائط ثم نذهب لمشاهدته!
  • إن أي فنان أو أية فرقة تطمح إلى خلق مساحة واسعةٍ من الشعبية، والفرق العالمية تقيس نجاحها حتماً من خلال شعبيتها –ومبيعاتها- على مستوى العالم. فالتأثير الذي قد يتولد عن مقاطعة 350 مليون عربي لفرقة فنية –أو حتى لشركة أو سلعة- معينة ستضغط عليهم للاستماع لنا والتجاوب مع مطلبنا.
  • حتى تتنبه المؤسسات والشركات الوطنية في المستقبل، فلا تبادر باستضافة فنانين أو عروض فنية تتعامل مع الكيان، أو تقيم عروضاً فيه خلال جولاتها في المنطقة العربية.

 

وفي النهاية، فإن الدعوة إلى المقاطعة الثقافية لم ولن تعيد جدّي للبيت الذي هجّر منه، ولن تحرر أرض فلسطين، لكنها من الخيارات الممكنة والمؤثرة والمتاحة التي تسهم في فضح الكيان على حقيقته، وبالتالي إضعافه أمام المجتمع الدولي وعزله عن بقية العالم.  كثيرون من يتحدثون عن القضية الفلسطينية فيشجبون ويستنكرون ويتحسّرون دون فعل مجدٍ، ونردد “ما باليد حيلة”. هذه آلية مقاومة في متناول الجميع.

دعونا لا ننسى بأن أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة لن يُسمح لهم حضور هذا السيرك الذي يقام على تراب أرضهم.

دعونا لا ننسى الأطفال والنساء والرجال والشيوخ الذين استشهدوا في المجازر، وأولئك الذين يواجهون الموت ويألفون مشهده بشكل يومي.

دعونا لا ننسى الأسرى في المعتقلات واللاجئين المشردّين في كل بقاع الأرض.

القائمة تطول، وهي بلا شك مطبوعة في ذاكرة كل منّا. من يختار أن يرفه عمن كان السبب في كل هذا، يستوجب –على الأقل- مقاطعته.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية