رحلة إلى المجلس

الثلاثاء 19 حزيران 2012

البرلمان الأردني باعتباره مؤسسة خارج معادلة الإصلاح.

بقلم: مراسل حبر لشؤون العبث العقيم 

شذرات من بث مباشر 

على أثير راديو البلد تبدأ الجلسة التاريخية لمناقشة (أو بالأحرى  إقرار) قانون الانتخاب العصري المؤسس لعملية الإصلاح الجدي.

نائب (بنبرة خطاب المجلس التقليدية، خاصةً في حالات التظلم): يا سيادة الرئيس إن لواء (أبصر وين) يضم أكثر من (مش فارق العدد) مواطن وتم دمجهم مع دائرة (لواء ثاني)  مما جعلهم بلا تمثيل حقيقي.

رئيس المجلس: لن اسمح بالحديث اليوم عن الدوائر وتقسيمها، فهذه نبحثها في القانون الملحق بهذا القانون بعد اقراره.

نائبآخر (نبرة خطاب من الستينات): نقف اليوم على أبواب مرحلة تاريخية وعلينا أمانة، فهذه أول مرة يصوت فيها المجلس على قانون الانتخاب الذي كان يصدر دائماً بقانون مؤقت.

رئيس المجلس مقاطعاً: القانون في سنة الخمسة وثمانين كان قانون دائم أيضاً.

عدة نواب يخاطبون المجلس بكلمات تبدو مهمة (نفاخر به الأمم، مسؤولين أمام الشعب، توجيهات جلالته، لجنة الحوار، قوائم مفتوحة، حقوق مكتسبة) بدون خلاصات أو مقترحات، واحياناً بدون ما حد يفهم اشي (بدون ذكر أسماء).

نائب: يا اخوان اللجنة القانونية قامت بعمل ممتاز وأرى أن نختصر الوقت ونستعجل في إقرار المواد.

رئيس المجلس: خلينا نصوت على المادة الأولى، وهي التعريفات. تعريف المجلس، موافقة؟ (أصوات ضجيج وصراخ)، موافقة. تعريف المرشح، موافقة؟ (صراخ)، موافقة. تعريف الناخب، (صراخ ومقاطعة).

نائب: هذه المادة طالعة منها ريحة والله حاسسها مش حلوة. بتحكي الناخب هو الأردني الذي يحق له الانتخاب (مقاطعة وضجيج). ما هو استنوا علي، في سحب جنسيات وأرقام وطنية وفي المغتربين، وحسب القانون السابق ما كان نص المادة هيك.

رئيس المجلس: والله لو اني جاي من الهونولولو لأفهم إنه هالتعريف واضح.

فاصل من راديو البلد للتلخيص: يتم مناقشة مشروع قانون الانتخاب بعد منحه صفة الإستعجال. تم استثناء السجائر والمشروبات الروحية وتذاكر الدرجة الاولى من الضريبة الخاصة في الجلسة الصباحية، كما حصل شجار بين النائب يحيى السعود والنائب جميل النمري قبيل عقد الجلسة.

نعم، يبدو أنه اليوم المثالي لزيارة مجلس النواب للإستمتاع بجلسة فرح اردنية بمشاركة كبار نجوم الوطن.

في مكتب خدمة الجمهور 

تمثل هذه الصالة الصغيرة انعكاساً مصغراً للمجلس ذاته: مجموعة موظفين يتراوح عددهم ما بين ثمانية إلى اثني عشر موظف منهم إثنان إلى ثلاثة بزي الأمن العام. يظهر مكتب أكبر حجماً في زاوية الصالة بجانب المقاعد المخصصة للجمهور ويتوسطهما محطة لعمل الشاي والقهوة. أما وظيفة هذا الفريق هو تزويدك بورقة تحمل اسمك (تصريح دخول) ومن ثم كتابة اسمك ورقم هويتك في دفتر كبير.

أما المفاجأة لهذا اليوم فكانت رفض الموظفين إصدار تصاريح دخول للجمهور إلى شرفة النظارة تحت قبة المجلس. عند السؤال عما إذا كان النواب قد صوتوا في الجلسة الصباحية على جعل الجلسة مغلقة، كان الرد بأن “الجلسة ليست مغلقة لكن الأمانة العامة للمجلس بدهاش جمهور اليوم، ومعطية تعليمات بعدم إعطاء تصاريح”. بغض النظر عن دقة هذه المعلومات إلا أن مجرد قيام موظف (أو أمانة المجلس) بالاعتداء على صلاحية مجلس النواب بهذا الشكل كان كافياً لرسم الابتسامة على شفاه الحضور.

بعد مفاوضات مع شباب خدمة الجمهور تم الحصول على تصريح بالدخول إلى مبنى مجلس النواب لمراجعة المكتب الإعلامي.

في أروقة المجلس 

تزامن الدخول إلى مبنى المجلس (البناية المجاورة لقبة البرلمان) مع تحول هذا المبنى إلى مركز الحدث. “فرطت الجلسة”، “دقوا ببعض” “مين؟ مين؟” كانت هذه هي العبارات التي تداولها الحشد الكبير في أروقة المجلس. “النمري والسعود”، “لولا خليل عطية كان حواليه ولا كان قتله” صاح أحد الصحفيين عبر هاتفه الخلوي. تتابع دخول النواب إلى مبنى المجلس الذي انقطع عنه التيار الكهربائي في تلك اللحظات، فتوجه البعض منهم إلى قاعة في طرف المبنى (قاعة عاكف الفايز) وجلسوا في الصف الأول استعداداً لعقد مؤتمر صحفي، وصعد البعض الآخر إلى مكاتبهم، بينما غادر معظم النواب من القبة إلى سياراتهم مباشرة.

ممرات الطابق الأول من مبنى مجلس النواب عالم قائم بذاته خاصةً في الفترة التي تلي فض الجلسات: فبالإضافة إلى أصحاب المقاصد والحاجات الذين يلاحقون النواب، وإضافة إلى الأعداد الخرافية من الشباب لابسي البادجات محدودي المسؤوليات المعروفين بإسم “شباب المجلس”، في ذلك اليوم كان هناك شخص يختار بعض النواب لتوزيع كروت دعوات لعرسه: “أمانة انك تشرفني يا شيخ نايف” وقبّل رأسه. هناك أيضاً فتاة توزع مطبوعة على النواب: “العدد الأول من جريدتي الجديدة” بخفة مبالغ فيها (مع إنه الصحيفة الصفراء التي توزعها مكتوب عليها العدد الثاني). هناك شخص يدور على النواب حاملاً ملفات كبيرة تحت إبطه ويعاتبهم بالدور: “سد الكرامة المفروض إنه في دائرتك ليش ما فتحت ملفه؟” (تبين فيما بعد وإثر مشادة كلامية بين هذا الشخص المسكين ونائب (صرخ النائب بحدة مبالغ بها “امشي من هون” واصدر صوتاً عادةً ما يستخدم للتخلص من الحشرات) بأن هذا الشخص، “مشعل”، مداوم في أروقة المجلس، وانه معروف بين شباب المجلس، و”براعوا وضعه” خاصةً إنه غالباً ما يصرخ بأنه سميح بينو باعته على المجلس يتابع الملفات).

الجلسة الاستثنائية المصغرة 

اجتمع حوالي ثلاثة وعشرين نائباً في قاعة عاكف الفايز مع حشد من الصحفيين ووسائل الإعلام المرئي. أعلن أحد النواب المتحدث باسم المجموعة بأن هذا ليس مؤتمر صحفي وإنما اجتماع لمداولات مفتوحة كان مقرراً حتى قبل فض الجلسة والاعتداء على زميلهم. وأضاف أن ما يجمع الحاضرين فهو رفضهم للصوت الواحد على مستوى الدائرة المحلية ومطالبتهم بتوسيع وزيادة مقاعد دائرة الوطن، وأن مجموع من يؤيد طروحاتهم هو من 27 إلى 30 نائب، قد يلجأ بعضهم للاستقالة إذا تم تمرير القانون بشكله الحالي. تتابع النواب المجتمعين على طرح وجهات نظرهم (دفع الملل الكثير من الصحفيين خاصةً جماعة الكاميرات إلى المغادرة) وأخذوا أدولراً في الحديث عن مقترحات كلها تدور حول نفس الفكرة  التي تم تلخيصها في نهاية الإجتماع: “صوتين بدل الصوت الواحد في الدائرة الواحدة مع توسيع الدائرة، وزيادة عدد القائمة على مستوى الوطن”.

أما الحدث الأبرز في هذا اللقاء فكان تحديداً في تلك اللحظة التي بدأ فيها عضو من أعضاء اللجنة القانونية التي صاغت القانون بالحديث عن الصدمة الكبيرة بنتائج تلك اللجنة، فعندها بدأت حفلة توزيع وجبات من شاورما الضيعة على جميع الحاضرين، فاختلطت أصوات أكياس النايلون وروائح البطاطا مع مقترحات تعديل القانون، وأصبحت العلب الصغيرة البيضاء تشارك المتحدثين اهتمام الحاضرين، وتجلت قمة السريالية عندما تخللت أصوات فتح علب المشروبات الغازية في أواخر الوجبة المداخلة الهامة للنائب عبلة أبو علبة.

(لا شك أن التغذية السليمة أساس في قدرة الانسان على اتخاذ القرارت لكن في حوالي الساعة الثانية والنصف مساء، في اجتماع يعلم الجميع أنه لن يمتد لبعد الساعة الثالثة، ليس هناك أي داع لإدخال عامل الوجبات في جلسة على هذا المستوى)

الحل السحري، كالعادة

الكلمة الأخيرة في الجلسة الاستثنائية كانت من حق نجم اليوم، النائب جميل النمري. وقف النمري من مقعده وتوجه نحو المنصة ناظراً إلى هاتفه الخلوي الذي كان يصدح برنة نوكيا الأزلية. “سكره، سكره” صاح أحد الزملاء، فاستجاب النمري وبدأ الحديث، مستهلاً برفضه تسمية ما حدث بينه وبين زميله بالمشاجرة أو الطوشة لأنه لا يدخل في طوش، واضاف “هكذا كائن يحجر عليه” وسط تصفيق خجول من حوالي أربعة من الحاضرين، تبعه النمري بشبه تأكيد على أنه لن يقدم شكوى في المركز الأمني ضد النائب المعتدي. (*1)

بعد أن لخص مقترحاته (صوتين، وقائمة وطن أكبر) أعلن أن “المعركة ما تزال في بدايتها” كما أعلن أنه يوافق على مقترح صياغة نداء إلى جلالة الملك باسم ثلاثين نائب! (كان النائب الشايش الخريشا قد اقترح ذلك في كلمة مختصرة  قال فيها: “قاعدين نضيع وقتنا على الفاضي. راح يمرروا هذا القانون مثل ما مرر غيره. احنا بنرسل برقية لجلالة الملك لمنع التدخل في عمل المجلس ويصبح المجلس سيد نفسه، وبنعمل قانون إنتخاب 140 مقعد ولا 60 مقعد ما تفرق. كلنا قد حارة في الباكستان”.

 لخص المتحدث باسم النواب المجتمعين ما توصلوا إليه، وبالرغم من أن الخيارات والتسويات للتعديل على قانون الانتخاب بدت معقولة، إلا أن الانطباع العام الذي يخرج به المتابع المحايد غير مطمئن أبداً. فهذه المجموعة التي يفترض أنها مجموعة “المعارضة في المجلس” يظهر من خطابها وتصرفاتها واساليبها (وحتى تصويتها تحت القبة أحياناً) بأنها لا تقل هلامية (وفي بعض الحالات انتهازية) عن المجموعة المقابلة وهي بلا شك ليست أقل هزلية منها، كل على طريقته. لا بل أنها تتفوق عليها في بحثها عن النجومية المزيفة التي تعبر عنها بابتسامات بلهاء ودموع مضحكة.

همّ الجميع بالمغادرة عندما تذكر أحد الحضور موضوع البرقية لجلالة الملك، فصاح المتحدث باسم النواب: “يا اخوان موافقين على البرقية لجلالة الملك”، فعلا صوت النمري على كل الأصوات، بصفته شيخ القعدة لذلك اليوم: “كلنا موافقين بالإجماع”.

أخذت السيارات الفارهة ذات النمر المزورة (*2) تغادر باحة مجلس النواب تباعاً، بينما انهمك عمال شركات “نفرتيتي” للتنظيف بجمع بقايا علب البلاستيك وزجاجات المياه الفارغة التي تركها المجتمعون خلفهم في هذا اليوم التاريخي.

*1 التعامل مع اعتداءات النائب يحيى السعود بشكل هزلي وتبسيطها وعدم التعامل معها قانونياً ظاهرة خطيرة. فهذه الإعتداءات متكررة، وتأتي كما هو واضح مع سبق الاصرار والترصد وبتخطيط، وقد طالت مواطنين وصحفيين ونواب. إن عدم التعامل معها بشكل قانوني وقضائي (من خلال المراكز الأمنية) يعطي انطباعاً بأنها مقبولة و-“بتمشي”. السعود ليس نكتة أو ظاهرة منعزلة في حدث منفصل، وعليه لو كان النمري رجل موقف فعلاً لكان قد لجأ إلى القضاء وانتصر لكل من اعتدى عليه ذلك النائب الذي يسيء، وبدون مبالغة، لكل من يجلس تحت القبة لا بل للمؤسسة كاملة.

*2 ظاهرة نمر سيارات النواب غير الصادرة عن دائرة السير ما تزال في تفاقم مستمر. يبدو أن النواب لا تعجبهم اللوحات الصادرة عن دائرة السير فيعملون على تبديلها بنمر “صناعة منزلية” أكبر حجماً يظهر عليه اسم مجلس النواب بشكل أكبر وقد يصحبها ديكورات أخرى مثل تاج أو تخطيط. الأخطر من ذلك أن ذلك فتح المجال لبعض النواب للستخدام نفس رقم اللوحات لمركبتين أو أكثر (فتجد مثلاً اللوحة الصادرة عن دائرة السير على سيارة مرسيدس ونفس الرقم على لوحة مزورة على سيارة رينج روفر (شاهد عيان، دير غبار))، مما يعني أن هناك سيارات فلت في عمان، فتخيل مثلاً لو قامت احداها بالتورط في عملية تهريب دنانير مزورة أو غيرها من الجرائم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية