الأردن الذي نريد

الثلاثاء 29 أيار 2012

بقلم بكر الحياري

لماذا لا يوجد لدينا حلم او تصور للاردن الذي نريد؟

هل هنالك تصور واضح لدى الاردنيين كيف سيكون شكل الاردن  بعد خمسين عاماً؟ او بعد مائة عام؟ أو في العام ٣٠٠٠ مثلاً؟

انا اعتقد جازماً انه لايوجد في المخيلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية  تصور واضح حول الأهداف التي نسعى كدولة بكافة مكوناتها (نظام ، حكومة، موسسات ومجتمع) لتحقيقها في المستقبل. إن الشعور العام الذي يستقيه المراقب للامور عن كثب اننا نعيش في حلقة مفرغة وأن الدولة الاردنية بكافة مكوناتها وقطاعاتها تعمل على قاعدة المياومة أو اليومية وما يأتي معها من حسابات الربح والخسارة الآنية والمنقوصة، ونعول على القفز الحر والاستمرارية بالدفع الذاتي. أين هو الحلم الأردني؟

إن غياب التصورالخلاق للمستقبل هو من الأسباب الرئيسية لفشل وتعطيل عجلة النمو والتقدم والاصلاح، حيث لا يتسنى لنا فهم مركزية وأهمية المبادرات المطروحة على اختلافها، ولانستطيع ادراك علاقاتها المباشرة او غير المباشرة  بالمستقبل القريب أو البعيد. ولا ندرك دورنا وقيمتنا فيها كأفراد أو مجموعات، وبالتالي فان أي تقييم لهذة المبادرات والسياسات المرسومة أو المتبعة يصدر قاصراً ومعتمداً علي الواقع المعاش حالياً اومنعكسا علي واقع انتهى ومضى إلى غير رجعة. وأي نتائج إيجابية أو سلبية تتحق حاليا تبقى علي الهامش في غياب الهدف العام المشترك. ولا يمكن لنا بأي حال من الاحوال فهم وادراك وقياس الاثار والنتائج المترتبة لهذه المبادرات وعليها في غياب الرؤية المستقبلية، عدا عن عدم قدرتنا على الحكم الصحيح على حقيقة نجاحها من فشلها.

هل نحن قادرون على وضع سيناريوهات تحاكي الطموحات والتحديات المشتركة للمستقبل الذي نريد؟ علي من تقع مسؤولية  بناء وتكوين ورعاية الحلم الاردني المفترض؟ هل الحكومة هي المسؤولة عن ذلك؟ ما دور وزارة التخطيط اذا كان لها دور أصلاً؟ أين يقف القطاع الخاص من كل هذا؟ أين المجتمع المدني والجامعات ومراكز الدراسات المختلفة عن هذا المجال؟ هل انغمست الاحزاب والحركات السياسية في جهد من هذا القبيل؟ لابد ان الضعف المزمن للمجتمع المدني هو من الاسباب الرئيسية الحاجبة للإبداع والتخيل بأشكالهما المتعددة.  في حدود معرفتي هنالك مركز يتيم للدراسات المستقبلية في جامعة فيلادلفيا، والغالبية العظمى من المختصين والأكاديميين عندنا لم يسمعوا بهذا المركز ولم يطلعوا على إنتاجه العلمي ان وجد. هل كانت الأجندة الوطنية الموؤودة بداية الطريق إلى المستقبل والحلم؟ هل يمكن العودة إليها وهل حقاً نريد ذلك؟

لقد اصبح واضحاً منذ عشرات السنين ان حالة التأزم المستمر والنزاع وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسكاني هي السمات الوحيدة الثابتة في منطقتنا، والدارس لتاريخنا القديم والمعاصر يدرك ان هذه الحالة الديناميكية مرتبطة ارتباطاً عضوياً لا ينفصل  بالجغرافية السياسية (الجيوبوليتيكية) والديموغرافيا ومركزية موقعنا في العالم، فلايمكن ان نستمر في تبرير تخاذلنا في تطوير رؤى مستقبلية شاملة بحجة عدم الاستقرار والتقلبات السياسية أو حالة النزاع اللامنتهي عندنا، او نظريات المؤامرة الأزلية.

أعتقد أنه لم يعد أمامنا الكثير من الوقت أو القدرة على الاستمرار على النهج المعتاد وعلى عقلية المياومة والمسكنات والاستدانة او الرهن على حساب المستقبل ومن رصيد الاجيال القادمة من اجل حلول آنية وسريعة تزيد من عمق المشاكل  وتعقدها وترحلها الى غدٍ قريبٍ جداً. إن التحديات التي تواجه الاردن حالياً علي كافة الصعد مرشحة للتفاقم والتطور أو الانفجار إذا لم نبدأ فوراً، جميعاً وعلى اختلاف مواقعنا وقدراتنا بالتفكير والتخطيط والدفع بكل ما أوتينا من عزم وعلم لاستباق الانفجارات او الانهيارات القادمة بدون شك.

لقد أثبتت لنا التجارب التي عشناها في الماضي القريب فشل القطاع العام والأنظمة الرعوية الريعية في استشراف المستقبل. والمتأمل في مسيرة العقد الأخير في الاردن يدرك دون اي مجال للشك أن القطاع الخاص ايضاً  لوحدة غير قادر غير مؤهل أصلاً لمثل هذة المهمة الكبيرة. بل ان المشاكل والازمات التي كان من المفروض والمتأمل ان تتلاشى بقدراته الخارقة، قد تفاقمت الي حد يتجاوز الهامش المعتاد والمألوف أردنياً علـى الاقل. حتى عندما تحالفت عناصر من القطاعين العام والخاص لم نلمس اي تحسن يذكر ولم تختلف النتيجة أو المحصلة النهائية.

لم يعد لدينا خيارات، أو بالأحرى لقد فقدنا معظم خياراتنا اذا لم نفقدها كلها، ولم يعد الوقت في صالحنا. ان هذه المسؤولية عادت لتقع على عاتقنا جميعاً، وخصوصاً الذين منا يدّعون اهتمامهم بالشأن العام وبمستقبلنا المشترك. لابد من تحرك سريع وفعال يقلب المعادلة الصعبة ويضع المسوولية على المجتمع المدني وعلى المستوى الشعبي العام، تحرك يوظف وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي من اجل إطلاق مشروع الرؤيا المستقبلة للأردن وخلق توافق مجتمعي عريض حوله  بحيث نكون جميعاً شركاء ومساهمين في هذا الحلم ونصبح مع الوقت أمناء عليه وليس مجرد حراس. فقط عندما نفكر ونحلم بالأردن الذي نريد في المستقبل يمكن البدء في شق الطريق الطويل والصعب الذي سيوصلنا الى حلمنا ومبتغانا. وعندها فقط تتوضح الادوار المختلفة والمساهمات المطلوبة منا جميعاً، وتتضح الصورة والاطار العام  الجامع، فلا يكون هنالك مجال للبناء للمجهول ، ولا يكون هناك تضحية غير مبررة في سياق غير مفهوم.

إن مجريات الامور حولنا في المنطقة وتطوراتها لا تترك مجالاً للشك أو الاختلاف حول اهمية هذا المشروع.  إما أن نفكر ونطور ونستبق الأحداث و نستعد لها بفهمٍ افضل لأنفسنا و للتطورات في المنطقة وللدور الذي يناسبنا ويتماشى مع رؤيتنا للمستقبل، أو نستسلم للظروف وللواقع المتجدد الذي قد يفرض علينا ادوار لاتناسبنا ان لم تكن تتعارض مع مصالحنا ووجودنا ودورنا التاريخي.

إن حلماً مشتركاً لايعني حلماً موحداً، بل يعني إطاراً جامعاً وحاضناً لأحلامنا وآمالنا جميعاً في غد مشرق ومستقبل أفضل، مستقبل يعبر عن طموحاتنا وعن رؤيتنا وعن رغبتنا في الانتماء لمشروع نهضوي وورشة تخيل وتصميم وإبداع.

فقط عندما يصبح لدينا حلم جميل يعظم الجوامع ويحترم الخصوصية والفروق، تصبح التفاصيل مهمة وتصبح لأعمالنا قيمة ويصبح تحقيق الحلم وتطويره والبناء عليه غايتنا.

الاستقلال ليس حدث تاريخي أو جزء من الماضي فقط. الاستقلال هو القدرة علي الاستمرارية والابداع وبناء الحلم في عالم متغير.

هيا بنا نبني ونحلم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية