حزب الجاعد* الأردني

الأحد 08 كانون الثاني 2012

بقلم ضياء اشتيه

تقول الأنباء المتواترة من عمّـان، أنّ حزب الجـاعد الأردني يمثل الغالبية العظمى من الأردنيين رغم سرّيته المُـفرطة، وعدم وجود هيكليّـة تنظيمية واضحة تضبط إيقاعه، أو مؤسسة إعلامية تشهر مواقفه وآرائه، وهو الحزب الوحيد في المملكة تقريباً الذي استطاع اختراق المعادلة الداخلية العصيّـة على الحلّ حول مفاهيم المواطنة والهوية والعدالة الإجتماعية، فينتمي له حالياً من يسْكن المدن والريف والمخيمات والبادية، إضافة لقطاع واسع من المغتربين حول العالم، خليط عجيب من الرجال والنساء والشيوخ والشباب، والموظفين والتجار، الفقير منهم والغني، المؤمن والمُـلحد، المسلم والمسيحي، يختلفون في اللهجات والثروة والأصول والمنابت، لكنهم اختاروا بإرادتهم الانضمام لهذا الحزب، الأمر الذي عجزت عنه أحزاب الأيدولوجيات الأممية من أصحاب اليمين إلى أصحاب اليسار.

تاريخ تأسيس حزب الجـاعد غامضٌ بعض الشيء، البعض يقول أنه امتدادٌ لمن اعتزل في بيته حين اقتتل عليّ ومعاوية، وآخرون يقولون أنهم تكاثروا في بيوتهم خلال فترة الأحكام العرفية المُـعلنة، وما تلاها من أحكام عرفية غير مُـعلنة، عددهم غير معروف بالتحديد، غير أنّ بعض المراقبين يرجحون أن يكونوا ستة ملايين ينقصون بضعة آلافٍ هم: الوزراءُ والنوابُ والمحزّبون وموظفو الدولة الكبار وأصحاب الذوات والمناصب (السابقون والحاليون واللاحقون)، ولا يوجد مقرّ رئيسيّ ودائم لحزب الجـاعد، بل يعتمد على الانتشار الجغرافيّ لبيوت وشقق أعضاءه الموزّعة على مساحة البلد.

شعاراتُ الحزب أزليّـة وثابتة، ومواقفهُ مبدئية وصارمة وغير قابلة للمساومة والبراغماتية، ويمكن اختصارها بالمفردات التالية: اللامُـبالاة، عدمُ الاكتراث، الحياديّـة السلبية، العزوفُ عن السياسة والشأن العام، مواقف مجانية دون تحمل للمسؤولية، عدم الاهتمام بما يجري في البلد من قضايا حياتية ومعيشية وسياسية وثقافية، والاستسلام للأمر الواقع. وأدوات الحزب سلميّـة جداً؛ جـاعدٌ صوفيّ مُريح، يحتسي المنتسبُ من على ظهره الشايَ ويأكلُ المُـكسراتِ ويُـداعبُ أحفادهُ أو أبناءهُ أو زوجاتهِ، يُحيط به مذياعٌ وصحفٌ، ويقابلهُ تلفازٌ يبثّ فضاءً من الهراء والتضليل والرقصات.

إلا أن الأداة الأكثرَ رواجاً ونجاعة في صفوفهم هوالصمت من خلال هواية تعطيل صاعق الحنجرة.

التقيت مجموعة من منتسبي وقيادات حزب الجـاعد، وبصعوبة بالغة قبلوا الإدلاءَ ببعض التصريحات، وكشفوا عن أسمائهم الحقيقية لأوّل مرة: الجبان، الحراث، والأخرس.

يقول الجبان: “لم أنزل يوماً في مظاهرات التأييد أو المعارضة، لم أشهرْ حبّي للقدس أو بغداد، أخشى الضرب بالهراوة أو الاختناق بالغاز، ترهبني فكرة السجن والسّجان، ويُـخيفني أن يتمّ استدعائي من قبل الدوائر الأمنيّـة واعتقالي بسبب رأي أو نشاط، وأتدرّب ليلَ نهار على ذلك الرعب من خلال الاستماع بوجل إلى الذين خاضوا تجارب الملاحقة والتضييق الأمني والاعتقال من أصدقاء وأقارب ومعارف، وأقنع نفسي بصواب الاستمرار بالخوف، أمضي حياتي متملقاً من شرطيّ السير وموظفي الحكومة، وأحاول جاهداً نسج علاقات مع أصحاب النفوذ، فقد ينفعوني إذا ما أصابني داء الشجاعة الخبيث يوماً”.

أما الأخرس، فكانت أسباب انضمامه مغايرة: “أنا أنتمي وبكل فخر واعتزاز للأغلبية الخرساء في هذا البلد، ووجدت في حزب الجـاعد ضالتي وطموحي، أنا من الذين لا صوتَ لهم، يتحدث نيابة عني كل من اعتلى منبراً في مسجد، وكل من داعب قلماً في صحيفة، وكل من نطق بلسان الحكومة، وكل من ظنّ نفسه ناشطاً سياسياً، وإن سألني أحد عن رأيي في شأن عام أبسط كفيّ وأومئُ برأسي إستنكاراً، بعضنا لم يشارك يوماً في اقتراع أو انتخابات، بحجج التزوير والقانون المتواطئ وغير العادل وعدم جدوى التغيير، وبعضنا شارك لأنه باع صوته في المأدبات الانتخابية أو استجابة لنداء الفزعة، لا أكثر”.

الحرّاث أكثر واقعية من صديقيه: “لن أتدخل فيما لا يعنيني، مستقبلي ومصلحتي فوق كل اعتبار، فأنا أستيقظ صباحاً، أذهب إلى مصادر رزقي المُرهِـقة، أعملُ بكدٍ وشغفٍ لتأمين احتياجات عائلتي من خبز واحتياجات دولتي من ضرائب، وأعود مساءً لأتناول طعامي وأنام استعداداً ليومٍ مشابه، روتين لذيذ يوفره لي حزب الجـاعد. لم أحتجّ يوماً على ارتفاع أثمان الكهرباء والسجائر ورسوم الجامعات، وأربّي أبنائي كي يصيروا مثلي حين يكبرون، ولا يلتفتوا إلى من يدعوهم إلى كسر هذه الحياة الرتيبة حتى لو كانت بحجج مطالب حياتية ومعيشية”.

يعدّ التنظير من استراتيجيات أتباع هذا الحزب، ويختارون ذلك النوع من المواقف المجانية غير مدفوعة الثمن مسبقاً، ويقدّمون وهم متكئون النصائح لشهداء الميادين، ويستعرضون قوتهم في تحليل أسباب سقوط الأنظمة وتقييم أداء الأحزاب في الديمقراطيات العربية الناشئة، لا يعلمون أن أنصاف المتعلمين أخطرُ على المجتمعات من الجهلة، لا يفهمون أنّ الجـاعد يحوّلهم لكائنات استهلاكية، وأنهم يمضون بالحياة دون إسهامٍ فيها، ودون دور يثبت إنسانيتهم، ودون أثر يتركونه خلفهم، ودون إضافة تحفظ قيمهم وكيانهم، ودون جهد يبذلونه في سبيل مصيرهم ومستقبلهم، يكتفون بأن دائرة الإحصاءات العامة تحصيهم حين تحصي، وبأنهم السيف الذي يضرب به كل رُويبضة دون مشورتهم.

*الجاعد هو جلدُ الخراف الذي يستخدمه الأردنيون كمفارشَ لمجالسهم، وبعضهم يضعه زينة على “تابلو” السيارة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية