الفقر والبطالة: هل الحكومة قادرة على تقديم الحلول؟

الخميس 17 تشرين الثاني 2011

بقلم علاء الساكت

من البديهي القول أن اولوية أية حكومة استلمت زمام الامور في الاردن هي إيجاد الحلول الشاملة والجذرية لمشاكل الفقر والبطالة المرتبطة مباشرة بمبدا العدالة الاجتماعية.  فكتب التكليف السامية ورد الحكومات عليها ركزت، إلى جانب امور محورية أخرى، على ضرورة خلق فرص عمل والقضاء على جيوب الفقر، و بالتالي رفع المستوى المعيشي الكلي في المملكة وتحقيق التنمية الشاملة و المستدامة.  وهنا يجب علينا طرح سؤال مهم ومفصلي هو: ماذا بوسع الحكومة أن تطبق من سياسات وما هي الادوات المالية والنقدية المتاحة من أجل معالجة مشاكل الفقر و البطالة؟

الجواب، باعتقادي، هو ان الحكومة الاردنية من خلال اختيارها للسياسات الاقتصادية العامة المطبقة حاليا والتي ترتكز على استقرار الأسعار وبالأخص سعر صرف العملة قيدت قدرتها على استغلال كافة ومختلف الأدوات الاقتصادية اللازمة من أجل إيجاد حلول عملية ومجدية لمعالجة تلك المشاكل، وأن نتيجة هذه السياسات إخضاع سيادة الدولة الاقتصادية لمبدأ استقرار سعر صرف العملة والأسعار إجمالا.

الحكمة المفترضة من وراء هذه السياسات المتبعة هي خلق جو استثماري جذاب قادر على تحفيز الاستثمارات المحلية واستقطاب الاستثمارات الاجنبية التي تسفر عن خلق فرص عمل وتقليص البطالة. لكن ومن اجل المحافظة على سعر صرف العملة يجب على الحكومة أن تحتفظ بكمية هائلة من العملات الاجنبية لضمان سعر الصرف.  ومخزون العملات الأجنبية ياتي أساسا نتيجة فائض في الحساب الجاري للدولة، وفي حال وجود عجز في ذلك الحساب، يجب تعويضه من خلال استثمارات اجنبية او اللجوء للاقتراض الخارجي او انتظار المساعدات الدولية لكي لا يتم استنزاف احتياطي العملات.

سياسة ربط العملة في ظل عجز في الحساب الجاري تفرض على الحكومة خلق مناخ استثماري جذاب قادر على استقطاب ما يكفي من استثمارات اجنبية لتغطية العجز في الحساب الجاري، مما يعني في اطار المنظومة الاقتصادية الحالية تحرير الاسواق ودعم التجارة الحرة وزيادة مرونة سوق العمل. لكن الأردن لم يتمكن بشكل عام من استقطاب الاستثمارات المنتجة ذات القيمة المضافة العالية والتي تخلق اكبر عدد من الوظائف وتساعد في تحسين الحساب الجاري، وبالتالي لم ينجح في دعم سعر صرف العملة. لذلك لجأت الحكومة لسياسة رفع اسعار الفائدة من أجل رفع القيمة الادخارية للدينار وبالتالي زيادة الطلب عليه مما يدعم استقرار سعر الصرف. لكن سياسة رفع سعر الفائدة تتناقض مع سياسة استقطاب الاستثمارات للقطاعات المنتجة، والتي غالبا ما تحتاج لتمويل اعتمادي، مما يستهلك جزءا كبيرا من العائدات في ظل كلف تمويلية مرتفعة. وبالتالي نرى تناقضاً في السياسات التي تهدف الى استقرار سعر صرف العملة، فضلا عن فشل هذه السياسات في تحقيق مبدأ التشغيل الكامل للقوة العاملة من اجل القضاء على الفقر. بل ان هذه السياسات تقوض النمو الاقتصادي الحقيقي المصحوب بالتنمية الشاملة.

وعندما تفشل سياسة استقطاب الاستثمارات المنتجة مع عدم القدرة على تحسين وضع الحساب الجاري، يترتب على الحكومة ضرورة اللجوء للاقتراض الخارجي الذي يحمل الدولة عبئاً اضافياً يجب تمويله مستقبلاً من خلال المزيد من الاقتراض، و بالتالي يعرض الاردن لما يسمى بفخ الاقتراض، حيث أن على الحكومة اللجوء الى الاقتراض من الاسواق والمؤسسات العالمية من اجل تغطية الالتزامات الحالية، مع تجديد العملية عندما يحين موعد سداد أحد الديون، وبالنتيجة زيادة مستمرة في الدين العام للدولة وبالأخص الدين الخارجي.

ويمكن ايضا ان ندرج سياسة الخصخصة لممتلكات الدولة تحت بند سياسة استقرار الاسعار من خلال ربط الدينار، حيث أن أحد مبررات الخصخصة جذب الاستثمارات الاجنبية التي تاتي بالعملات الصعبة من أجل تخفيض عبء المديونية الخارجية، ولكن هذه السياسة حتى ولو افترضنا انها نفذت بالشكل الصحيح ولم تشوبها شبهات الفساد لا يمكنها ان تستقطب الكمية الكافية من العملات الصعبة لتسديد الديون بالكامل وأن تخرج الحكومة من فخ الاقتراض.

وبالنتيجة فان سياسة ربط العملة وبالتالي استقرار الاسعار التي جعلتها الحكومة اولوية اقتصادية وبتوصية من مؤسسات الاقراض العالمية بذريعة دفع الاقتصاد الى الامام من خلال تحفيز الاستثمارات الاجنبية وخلق بيئة جذابة لرؤوس الاموال لا يمكنها ان تعالج المشاكل الأخطر على الامن الاقتصادي التي تتلخص بالفقر والبطالة. فالثمن الذي يدفعه الاقتصاد وبالتالي المواطن من أجل سياسة ربط العملة اعلى بكثير من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني التي تنحصر بتوفير بيئة اقتصادية يسهل لرؤوس الاموال استغلالها من اجل تحقيق عوائد قصيرة المدى بعيدة عن الانتاجية الحقيقية، او استغلال استقرار الاسعار ومرونة الاجور لاستغلال العمالة المحلية التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة إذا ما طالبت بحقوقها على اكمل وجه. والخطر من هذه السياسة  في ظل العولمة وسهولة تنقل رؤوس الاموال هو اضطرار الحكومة لتقييد النمو خاصة في الأجور من اجل المنافسة في السباق الى الأسفل مع الدول النامية الاخرى لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية، وتدني الدخل المتاح من اجل الحد من الواردات وتقليص عجز الميزان التجاري، وبالتالي فإن نجاح سياسة استقرار الاسعار وربط العملة مرتبط بالحد من النمو الحقيقي للاقتصاد.

ومن ناحية الادوات الاقتصادية المتاحة للحكومة من اجل القضاء على الفقر والبطالة فان الحكومة وفي سبيل اولوية استقرار الاسعار وربط العملة قد اخضعت جميع الاهداف الاقتصادية ووضعت حدا لقدرتها على المساهمة في تنشيط وتنمية الاقتصاد لان الحكومة محصورة في اتباع السياسات التي ذكرت آنفا. وأهم الادوات الاقتصادية المعنية بتنشيط الاقتصاد التي تقيدها السياسة الاقتصادية الحالية هي الأدوات المالية مثل زيادة نفقات الدولة المعنية بزيادة صافي دخل الفرد، لا سيما الأقل حظاً، من اجل زيادة الطلب الكلي الذي يحرك الاقتصاد الوطني إلى الأمام.  فالحكومة غير قادرة على زيادة النفقات وزيادة العجز في الموازنة العامة لان عجز الحكومة مرتبط مباشرة باحتياطي العملات الاجنبية جراء سياسة ربط العملة وبالتالي فقدان الحكومة السيادة في استخدام العملة المحلية وتحديد الاولويات الاقتصادية.

وبالمحصلة فإنه ليس باستطاعة الحكومة تطبيق اية برامج او سياسات فعالة لحل معضلة الفقر والبطالة في ظل المنظومة الاقتصادية المتبعة لان هذه المنظومة تتطلب تطبيق سياسات نتيجتها الكلية تقويض النمو والتنمية الحقيقية. والمشكلة الحقيقية تكمن في النظريات الاقتصادية اللتي تسمى بالليبرالية والتي تشكل أساس السياسات الاقتصادية الراهنة. فعلى الحكومة اعادة النظر في السياسة العامة للاقتصاد الوطني والنظريات التي تولد هذه السياسات وإعادة ترتيب الاولويات وتطبيق سياسات ترتكز على القضاء على البطالة والفقر بالمرتبة الاولى. ويجب ان تتضمن هذه السياسات إعادة الولاية العامة قي إدارة الاقتصاد الوطني للحكومة من حيث تمكينها من تطبيق الادوات المالية والاقتصادية بأكمل حرية بعيدة عن اية قيود سياسية أو اقتصادية داخلية أو خارجية. لأن المنظومة الاقتصادية المتبعة حاليا في الاردن لا يمكنها ان تاتي بحلول حقيقية من اجل معالجة جذرية لمشاكل الفقر والبطالة، وفي غياب تغيير هذه المنظومة فان التزام الحكومة بتحسين الوضع المعيشي للمواطنين كافة سيبقى مجرد شعاراً فارغاً.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية