المصريون وإسرائيل

الأحد 11 أيلول 2011

opinion

بقلم أحمد زكريا – مصر

لم يكن بناء الجدار العازل الحامي للسفارة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية سوى تكريس واضح لطريقة تفكير وعقلية النظام المصري الذي حكم مصر منذ اتفاقية السلام عام 1979. فبالرغم من إسقاط مبارك ومشاهدة العالم له وراء القضبان، إلا أن المجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور منذ يوم 12 فبراير يفكر بنفس الطريقة العقيمة التي لا تؤدي سوى لعواقب وخيمة نراها الآن بأم أعيننا عند السفارة الإسرائيلية في الجيزة.

لماذا اقتحم مصريون مقر السفارة الإسرائيلية؟

لماذا تم بناء الجدار العازل منذ البداية ؟

تساؤلان كبيران أحاول الإجابة عليهما في السطور القادمة:

اقتحم عدد من المصريين في يوم الجمعة 9 سبتمبر، مقر سفارة دولة إسرائيل التي وقعت مع مصر اتفاقية سلام عام 1979، و كان هذا الأمر نتيجة طبيعية بسبب تخاذل المجلس العسكري ومجلس الوزراء المصري في اتخاذ موقف تجاه حادثة مقتل عدد من الضباط المصريين على الحدود المصرية الإسرائيلية الشهرالماضي. خرج المصريون يطالبون بطرد السفير ولكن لم يحرك النظام ساكـــنــًا وكأن مبارك ونظيف وأبوالغيط هم من يديرون الأزمة وليس المجلس العسكري الذي لطالما صدع رؤوسنا بأنه يدعم الثورة، وعصام شرف الذي حلف يمين الوزارة في ميدان التحرير. خنعت رؤوسهم وصمتت ألسنتهم وصُمت آذانهم ، بل قالوا للمصريين: سحقــًا لكم، لا نآبه بمظاهراتكم سوف نحمى إسرائيل منكم سوف نبني لها جدارًا عازل عن همجيتكم. يبدو أن السلطات المصرية احترفت بناء الجدر والأنفاق التي تحمي وتدعم إسرائيل .. لا أعلم هل يحصل المجلس العسكري ومجلس الوزراء على مرتباته من تل أبيب!

انبنى الجدار، وارتفع العازل، ولم تفارق المصريين صورةُ الجدار العازل الذي بنته دولة إسرائيل لتفصل بينها وبين أرض الزيتون، لكن كانت المهانة مضاعفة فمن بـَـنـى الجدار مصريون.

كان طبيعيــًا أن يقتحم عدد من المصريين مبنى السفارة، التوقيت خاطئ لكنه حدث، لست بصدد تقييم الموقف وارتداء ثوب المحلل الأفلاطوني الذي يقول “كان ينبغي ، كان من الواجب”. لقد سبق السيف العزل يا سادة. لقد دخل عدد من المصريين السفارة وسوف أكون متحاملاً وبشدة وأقول أن المجلس العسكري هو المتسبب الأول في حدوث ذلك بسبب تقاعسه عن اتخاذ موقف تجاه مقتل أبناء الجيش المصري، فمسألة طرد السفير أمر نادى به المصريون ، فالمصريون لا يحبون إسرائيل، إلا من يريد مصلحة مع إسرائيل ويريد سلامـــًا ذليلاً لإسرائيل اليد الطولى فيه.

المصريون الذين اقتحموا السفارة لم يستفيدوا أي شيء من ذلك في رأيي سوى معرفتنا بفعلهم، لكن للأسف هذا الموقف لن يلقى إجماعــًا بالإشادة، فمصر الآن في موقف أقل ما يوصف أنه عبثي، لا يمكن أن تقتحم سفارة دولة عدو بدون هدف، خاصة وأن سفارة إسرائيل تحديدًا هي السفارة التي ستكون حريصة على الحفاظ على طاقمها وأوراقها المهمة لأن الإعتداء متوقع في ظل الحالة الثورية التي تعيشها البلاد.

لا أجد تفسيرًا لبناء الجدار سوى أن المجلس يريد أن يحمي إسرائيل، ولا أعلم هل المجلس من الغباء بمكان أن يفعل ذلك، حتى يستفز المصريين ، أم أنهم ظنوا أن المصريين سيهابون المجلس العسكري و لن يعلنوا العصيان؟

لقد دخل المصريون السفارة، وألقوا بأوراق من الشرفات، ولابد أن يخرج المجلس العسكري الذي صار مسؤولاً سياسيــًا أمام الشعب منذ أكثر من ستة أشهر، ويقول للمصريين : إما طرد السفير أو علاقتنا بإسرائيل استراتيجية.

أنا أشعر بالريبة تجاه المجلس العسكري منذ يومه الأول في السلطة، وإذا كان بالنسبة لكثيرين خط أحمر فهو بالنسبة لكثيرين أيضــًا خط أخضر وأنا من ضمن هذه الثلة.

إذا كان المجلس يرغب في السلطة فليقل ذلك حتى نقوم بثورة جديدة تكون أكثر وضوحــًا فحالة الإلتفاف التي يقوم بها المجلس غير مقبولة مطلقــًا وهذه الطريقة التي يدير ويحكم بها المجلس مصر لن تعبر بالبلاد لبر الأمان بل سوف توغل بنا في حرب ضروس لا يعلم مداها إلا الله.

إذا كان المصريون يكرهون إسرائيل، فالمجلس العسكري لن يحميها من كراهيتنا، وإذا كان المجلس العسكري يرغب في الوصول للسلطة ويرغب في دعم الشارع عن طريق رسم صورة همجية للثوار في تظاهراتهم التي تهاجمه، فالثوار في النهاية ليسوا ملائكة، فإذا أراد المجلس أن يجعل من الثوار يهوذا أو مسيلمة الكذاب، فلنكمل الطريق و نحن بهذه الصورة حتى يتم التطهير تمامــًا.

الولايات المتحدة الأمريكية إذا رأت أن ماحدث في أحداث السفارة الإسرائيلية يهدد أمن إسرائيل وبالتالي يخرج المتلونون في الخارجية ويلوحون بتهديد ونذير، وأن المصريون غير مؤهلين للديمقراطية ، فهذا لن يجعل المجلس العسكري نبيــًا يحمل رسالة يهدي بها المصريين. لست نبيــًا أيها المجلس ولسنــًا كفارًا.

لسنا في المدينة الفاضلة، فأفلاطون لم يصنعها في اليونان، والفارابي لم يصنعها في خراسان، ونحن لن نصنعها في مصر، فقط نريد دولة عادلة، لا تظلم أحدًا على حساب آخر. دولة تحقق مطالب مواطنيها، تستجيب للأغلبية، وتحمي الأقلية.

اللهم احم مصر وأهلها

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية