انكتاب وعزازيل

الإثنين 22 آب 2011

بقلم جابر جابر، تصوير ريم منّاع

كنت مساء أمس مع مجموعة “انكتاب“، وهي مبادرة من موقع حبر دوت كوم، في لقاء مع مجموعة رائعة من الشباب والصبايا نناقش رواية عزازيل، إحدى الروايات الأشهر عربيا خلال العامين الماضيين، والتي حصلت عقب صدورها على جائزة البوكر العربية والتي تعد بحسب رأي العديدين اقوى جائزة عربية للرواية العربية.

أقول مجموعة رائعة لعدة أسباب: أولا أن شباب المجموعة يأتون من خلفيات فكرية وثقافية غاية في التنوع تعكس بشكل أو بآخر توجهات الشارع الأردني ومذاهبه الفكرية ”غير المتناحرة“، وثانياً أن الشباب في معظمهم قراء نهمون، وذوو ذائقة جميلة، والأهم من هذا وذاك أنهم وفي معظم الوقت يعرفون كيف يستمعون الى بعضهم البعض، ويجيدون النقاش البناء المفيد لمعظم من يستمعون اليه.

الكاتب الأردني الياس فركوح

وقد شاركنا في النقاش اليوم كاتبان جميلان: الأول هو الكاتب الاردني الياس فركوح والذي سبق وقرأ العديدون منا روايته “أرض اليمبوس” وحضر معنا جلسة انكتاب سابقة لمناقشتها، وقد ساهم الأستاذ في إثراء نقاشنا حول رواية عزازيل بشكل كبير، والحقيقة أنه ساعدني عندما “عكّيت” وأنا امدح تقدمية هيبا – الشخصية الرئيسية، وكذلك أمتعنا وهو يتحدث عن اللغة المستخدمة في الرواية.

أما الكاتب المميز الثاني فهو مؤلف الرواية الأستاذ يوسف زيدان والذي وافق وفي بادرة تحسب له كمثقف وكإنسان على ان يناقش معنا الكتاب عبر “السكايب”، وتحمل مشكورا الأوقات التي تعطل فيها الاتصال به، والمرّات التي كنا نطلب منه فيها أن يعيد الكلام علينا لأننا لم نستمع جيداً، كما وأمتعنا حضرته بخفة الدم المصرية المعتادة وبحنوه الابوي عندما تحدث مع أصغر قارئة للرواية (طالبة في الصف الثامن).

أما فيما يتعلق بالرواية نفسها، تالياً بعض الأفكار الأولية من قراءتي ومن الجلسة:

– خلال الاستراحة أخبرني أحد الحاضرين بينما كنت امتدح الجلسة أن علينا أن نناقش موضوع السياسة في الرواية، فاجبته بعفوية ان لا سياسة في الرواية ثم بسرعة اتضح لي تعجلي في الكلام، صحيح أن الحديث عن الدولة والحكام كان غير بارز كثيراً في الرواية إلا أنه عندما ورد كان مؤثرا وخصوصا بالنسبة لي عندما أخبر هيبا عما قاله “نسطور” يوم رُسِمَ أسقفاً: “ساعدني في حربي ضد الكفر، أساعدك في حربك ضد الفرس”.

هكذا هي العلاقة بين “رجال الدين” والسياسيين في معظم الاحيان، علاقة استغلال متبادل، فالحاكم يريد أن يمنح نفسه شرعية ربانية حتى يفعل ما يطيب له في “الرعية”، يقتل وينهب ويسلب وكل هذا يتم في ظل الموافقة “الدينية”. ويصبح الحاكم حاكما مطلقاً وكل هذا باسم الرب زعما وبالخنوع المجتمعي، فأي محاولة للخروج على الحاكم او على الاقل الاعتراض عليه هي كفر وزندقة وكفر بالرب الذي يحكم هذا الحاكم باسمه والذي منه مباشرة يستمد شرعيته.

اما رجل الدين “المستغل للسياسي” فانه يستفيد أعظم الاستفادة من هذه العلاقة فكما يطلق هو يد الحاكم على الرعية، يطلق الحاكم يده على كل مخالف، فيوسم بالهرطقة أو الكفر كل من يجرؤ على مخالفة رجل الدين هذا، ويعتبر زنديقا، وفي افضل الاحوال مرتداً، وهذا ما مارسه أسقف الاسكندرية مع نسطور عندما طرده من الديانة وحرمه.

– اعجبني جدا قول نسطور في الصفحة 242: “كلا يا ربولا، لن أهادن في هذا الأمر ابداً، وليكف كيرلس عن وهمه المريض بأنه حامي الايمان على الارض”.

كلام رائع وهو ما نحتاج اليه كثيرا هذه الايام ونحن نرى الانقسام المذهبي المفجع الذي تعاني منه أمتنا والذي يتجسد في الصراع بين السنة والشيعة في العديد من دولة المنطقة وما يصاحب هذا الصراع من تحالفات وافتراءات بل وقتل وتفجير متبادل لدور العبادة، هذا اسلامياً اما مسيحياً فلا أعلم ما هو الحاصل.

والمشكلة أن الطيب نسطور وفي مناقضة صارخة للذات مارس ما كان ينتقده منذ قليل فبينما انتقد ادعاء أسقف الاسكندرية امتلاك الحق كل الحق، مارس هو ذات الشيء عندما عين اسقفا للعاصمة “انطاكية”على ما ذكر.

يا ايها الرجل المعلم غيره … هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام … وذي الضنا كيما يصح به وأنت عليل
وأراك تصلح بالرشاد عقولنا … أبدا وانت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك اذا فعلت عظيم

أعلم أنني أطلت وأنني لم أنم منذ الأمس وأن علي أن أستيقظ بعد سويعات إلا أنني لن اسامح نفسي إذا اختتمت هذه التدوينة دون أن يسطر قلمي تلك الكلمات الرائعة التي خطها هيبا في الصفحة رقم 146 والتي يقول فيها: “نظرتُ إلى الثوب الممزق في تمثال يسوع، ثمّ إلى الرداء الموشّى للأسقف! ملابس يسوع أسمالٌ بالية ممزَّقة عن صدره ومعظم أعضائه، وملابس الأسقف محلاة بخيوط ذهبية تغطيه كلّه، وبالكاد تظهر وجهه. يد يسوع فارغة من حطام الدنيا، وفي يد الأسقف صولجان، أظنّه من شدّة بريقه، مصنوعاً من الذهب الخالص”

وبالطبع هذا التناقض موجود لدى الكثير من رجال الدين، أي دين، للأسف، بل وأنه موجود لدى الكثير من الإصلاحيين سواء كانوا سياسيين أو اجتماعيين أو دينيين، فلا يجوز عزيزي المصلح أن تتحدث عن الكادحين ومعاناتهم وأنت لم تدق مسماراً في يوم من الأيام، كما لا يجوز لك صديقي السياسي أن تتحدث عن الديمقراطية والحرية والعدل بينما تظلم اهل بيتك، أليس كذلك؟
ولا يجوز لك عزيزي المصلح ان تتحدث عن الزهد وأنت تقود سيارة “موديل السنة” ولا أن تتحدث عن الأمعاء الخاوية في حين ما يلقى في سلة مهملاتك كل أسبوع يكفي لإطعام فقراء الحي كلهم .

ببساطة تصبح الأقوال مجرد هراء مهما كانت جميلة وبراقة إن لم يصاحبها الحد الادنى من الفعل.

الرواية تحتمل الكثير من الكلام ولا زال في جعبتي وجعبة الانكتابيين أيضا الكثير الكثير من الحديث وخاصة عن المرأة، وعن الجنس في الأدب بشكل عام والأدب العربي بشكل خاص، وسأفرد تدوينة في قادم الأيام لأسطر فيها الاقتباسات التي امتلأت بها نسختي من الكتاب.

—-

مقالات سابقة عن انكتاب ومراجعات كتب

تعليقات الحضور عن جلسة أمس على تويتر

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية