التعديلات الدستورية والمرحلة الانتقالية

الأحد 28 آب 2011

تصوير روان دعاس - ٢٥ فبراير ٢٠١١

بقلم عاهد العدوان

لنجاح اي برنامج اصلاحي يهدف الى الانتقال من مرحلة تمركز السلطات الى توزعها، يجب ان نفكر مليا في الانظمة والاعراف والسلوكيات التي ممكن ان تعزز هذا الانتقال بنجاح ومن خلال البناء على ما تم انجازه والانتقال الى وضع افضل، وهذا هو المعنى الحقيقي للاصلاح، الانتقال الى وضع أفضل.

نحن اليوم مجتمع ومؤسسات تغلب عليها الفردية في العمل  واتخاذ القرار، نفتقد روح فريق العمل، نعتمد على اسلوب الفزعة بدلا من التخطيط الجماعي، نشخصن الامور ونميل معظم الوقت لاستنباط أسباب بعيدة عن التقييم العلمي والعملي عند تحليل المواقف، أضف الى ذلك عدم تفهم واحترام وجهة نظر الاخر وبالتالي نفتقد النظرة الشمولية للامور، نعتمد على الواسطة والمحسوبية والشللية وتبادل المنافع في احقاق الباطل وما زلنا نعتبر ان الالتزام بالقانون هو ضعف وان الفهلوة والشطارة تتمثل في كسر القوانيين والافلات دون عقاب.

كيف نستطيع ان ننتقل بمجتمع تسوده هذه الصفات الى مجتمع تتداول فيه السلطة سلميا من خلال حكومات منتخبة؟ هذا سؤال يحتاج الى تفكير وحوار ونقاش مفتوح مع الجميع حتى نصل الى توافق على ملامح المرحلة القادمة.

يبدو ليا جليا انه لا بد من وجود مرحلة انتقالية يتم فيها تعزيز روح التوافق وتقاسم السلطة بحيث نخلق حالة يتم فيها تقبل الرأي الاخر واحترامه واعتبار ذلك جزءا اساسيا من الية الوصول الى قرارات وحلول وبرامج، الشعور بمسؤلية التوافق و الحوار مع الاخر هو متطلب اساسي لكل من يسعى لإستلام السلطة، نريد ان نؤسس لثقافة التشاركية كبديل لثقافة الفردية و الشللية.

اذا، ما هي المتطلبات الاساسية لهكذا مرحلة؟

١- تعزيز فصل السلطات، فتشكيل الحكومة حالياَ من الأغلبية البرلمانية وبدون وجود اعراف ديمقراطية راسخة وحياة حزبية ناضجة يعني أن المؤسسة التنفيذية والرقابية تخضعان لسلطة جهة واحد، وهل نستطيع اليوم أن نمنح هذا الحجم الهائل من السلطات في ظل عدم وجود حياة ديمقراطية حقيقة؟ هل نريد أن نجعل من كل ما أنجزناه حقلا للتجارب؟ هذه مخاطرة كبيرة جدا في ظل وجود بدائل اخرى اكثر عقلانية ومنطقية، بتعبير آخر، فانه للوصول الى تداول ديمقراطي للسلطة علينا ابتداءا ان نمنع احتكار السلطة الى ان نؤسس لتلك الحالة تشريعيا وفكريا وسلوكيا.

٢- العمل من خلال برامج وتتم المحاسبة على اساس تحقيقها للاهداف المتفق عليها.

٣- أن تكون السلطة التشريعية ممثلة للأحزاب والديموغرافيا والجغرافيا، بدون ذلك، نفتقد المكون الشرعي لاتخاذ القرارات وهو التمثيل العادل لكافة مكونات الوطن والذي يضمن مراعاة مصالح الجميع.
٤- فصل السلطة القضائية وهيئة مكافحة الفساد نهائيا عن السلطة التنفيذية ماليا واداريا.

٥- تعزيز استقلال وحرية الصحافة والاعلام من خلال حرية حقيقية مسؤولة.

٦- تعزيز مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بما يخلق حالة حقيقية من المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات.

بالاضافة الى التعديلات الدستورية التي اعتقد انها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ولخلق اساسيات المرحلة الانتقالية، أقترح ما يلي:

١- يطلب جلالة الملك من مجلس الامة التصويت على اسم من ثلاثة اسماء يختارها جلالته لرئاسة الحكومة تمثل ثلاث مدارس مختلفة مثل المحافظيين، الليبراليين، .. من خارج المؤسسة التشريعية، ويقوم الرئيس الذي حاز على اكبر عدد من الاصوات بتشكيل الحكومة من خارج المؤسسة التشريعية وبوضع برنامج عمل لمدة اربعة سنوات – مدة عمل الحكومة والمجلس- يتم مناقشته مع كلا المجلسين ومن خلال اللجان البرلمانية المختصة مع الوزير المختص، ويعتبر تصويت الثقة تصويتا على البرنامج والتشكيلة الحكومية، وتقوم الحكومة عند تقديم الميزانية السنوية بتقديم تقارير عن مدى التقدم الحاصل في برنامجها للجان البرلمانية المختصة، ويعتبر اقرار الميزانية السنوية من قبل مجلس الامة تصويتا على استمرارها بتنفيذ تلك البرامج، وهكذا يتوافق الوطن بنظامه واحزابه و ديمغرافيته وجغرافيته على ادارة شؤون الدولة،  ويستمر مجلس الامة بدوره الرقابي والتشريعي المعزز لهذا البرنامج. يعتبر هذا الاسلوب مدرسة في تعليم الجميع كيفية الوصول الى توافقات تراعي مصالح الوطن ويعزز دور الرقابة المتبادلة والذاتية وعدم تغول سلطة على اخرى، والاهم انه يؤسس لمرحلة الحكومات المنتخبة فكرا وسلوكا.

٢- تمثيل الجغرافيا ويكون بداية بتعيين نصف عدد اعضاء مجلس الاعيان من قبل جلالة الملك (عينين عن كل محافظة) وانتخاب النصف الاخر (عينين عن كل محافظة)، على ان يتم انتخاب جميع اعضائه في المستقبل، هذا المجلس سيكون عنصرا اساسيا في مراعاة البعد الجغرافي في البرامج والتشريعات والانظمة وبالتالي ضمان عدالة توزيع مكتسبات التنمية.

٣- تصبح كوتا الاحزاب في مجلس النواب ٥٠٪ من عدد اعضاء المجلس على ان تزداد تدريجيا في المستقبل حتى تصبح ١٠٠٪.

٤- تعرض اسماء اعضاء المحكمة الدستورية على مجلس الامة بشقية لإقرارها.

٥- يحق تحويل ملف فساد وزير او نائب – كل من يتمتع بالحصانة الدستورية والقانونية – من هيئة مكافحة الفساد الى مدعي عام محكمة الاستئناف مباشرة والذي في حال اصداره قرار الاتهام يطلب من مجلس الامة رفع الحصانة للسير بإجراءات القضية.

٦- يحق لقاضي الاستئناف، النظر في دعوى عدم دستورية اي قانون او اتفاقية، وفي حال اقتناعة، يتم تحويل الطلب للمحكمة الدستورية

بعد نهاية فترة كل مجلس امة يتم مراجعة هذه الانظمة وبطريقة تسمح بتعديلها توافقيا لتتطور وتتلائم مع مقدار التطور الديموقراطي في المفاهيم والسلوكيات، اعتقد انه وبعد المجلس الاول سيتشكل لدينا احزاب متعددة ومن الممكن ان تكون تشكيلة الحكومة بعد ذلك مختلطة بين الاحزاب والتكنوقراط وهكذا حتى نصل الى حكومة منتخبة عندما يكون لدينا تشريعات واعراف ديمقراطية تحترم الاخر، وترفض احتكار او استغلال السلطة، وتسعى للتوافق، وتعمل من خلال برامج وليس اشخاص، وتقوم بالرقابة والتصحيح الذاتي، وأخيرا وفوق كل شئ، تؤمن ان مصلحة الوطن تعلوا على مصلحة ايا كان .

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية