يعقوب أبو غوش: قبعة الساحر

الثلاثاء 12 تموز 2011

ما الذي يعنيه أن تكون عمّانيّاً عام 2011؟ المدينة التي تمزج ولا تذوِّب، والتي تُقصي مَن يتفرّد ويخرج عن نظامها الجمعي، أبعد ما تكون عن المدينة الكوزموبوليتيّة، لكن ثمّة من يراها كذلك. أو على نحو أدقّ، ثمة من يريد رؤيتها كذلك. من بين هؤلاء الموسيقي يعقوب أبو غوش (1975) الذي يمارس عمّانيّته بعيداً عن الكليشيهات التي تغرق فيها المدينة. لا يمكن فصل شخصية أبو غوش ومدينته عن موسيقاه، وخصوصاً مع صدور أسطوانته الأولى «كزرقة أنهار عمّان» (إنتاج وتوزيع شركة «إيقاع») التي ألّف كامل مقطوعاتها وحده وقدّمها منذ أيام ضمن «مهرجان موسيقى البلد» في مسرح «الأوديون».

تنتج التوليفة العمّانيّة من عناصر مختلفة في شخصية يعقوب أو غوش وميوله: الاستوديو الخاص به وصور ثيلونيوس مانك، وجون كولتراين ومايلز دايفز التي يعلّقها في كل مكان، إلى تعلّقه بطقطوقات أم كلثوم وألحان القصبجي وأنور براهم وصوت المقرئ مصطفى إسماعيل، وتذمُّره من التورّط في تلحين مسلسل أطفال يمنيّ، وقبّعة «الخواجات» المشهورة التي يرتديها الفنان الشاب.

وكما عرف أبو غوش كيف يستثمر كل هذه العناصر، حاول التعبير عنها بالموسيقى على مدى 15 عاماً، بدأها من فرقة «رم» ليؤسّس بعدها فرقاً عدة منها «زمن الزعتر» التي أطلق معها أسطوانتين هما «زي كل الناس» (2004)، و«زاد» (2007). هذه الفرقة التي اعتمدت شكل «التريو» وضمّت في نسختها الأخيرة اثنين من أفضل الموسيقيين الأردنيين أحمد بركات وناصر سلامة، شقّت طريقها في وقت قتلت فيه الأجهزة الأمنية والمجتمع معاً نشاط الميتال الروك، واستنفدا محاولات خلق مشهد موسيقي بديل ومستقل، مما أدى إلى فجوة زمنيّة حاول أبو غوش ورفاقه ملأها.

من حفل إطلاق ألبوم كزرقة أنهار عمان ضمن مهرجان موسيقى البلد

بعد تفرّق أعضاء الفرقة، اتجه أبو غوش إلى العروض الحيّة ليؤسّس فرقتي Chapter 11و«أبطال المسارح». كان العمل في هاتين الفرقتين مهماً لعازف الباص غيتار المتمكّن. من خلال استقطابه عازفين من مختلف الخلفيّات، تعمّقت تجربته في الفانك والروك وحتى البوست ـــــ فانك والبوست ـــــ جاز. وها هو يختتم هذه المرحلة عبر أسطوانته «كزرقة أنهار عمّان» ليؤسّس لمرحلة أخرى.

لذلك، لا يمكن النظر إلى الأسطوانة على أنّها مخلّصة أو ناجية من تراكمات التجربة، بل هي خلاصة تجمع بين كل عناصر اكتمال التجربة، والابتعاد عنها. هذا ما يفسّر قلق سنتين من العمل عليها وإنتاجها، والتنقل بها بين القاهرة والسعوديّة ولبنان.

الأسطوانة مشغولة بعناية مريحة للمستمع العادي وللموسيقي في آن واحد بمشاركة أكثر من 20 عازفاً من الأردن ورومانيا وأميركا ومصر والنرويج وفلسطين: من الإيقاع المستوحى من مقطوعة Rhapsody in Blue للأميركيّ جورج غيرشوين على مقام الحجاز كار في «السيارة الزرقاء»، واللعب حول الجاز في «عالطاير»، والاتّكاء على العود في توليفة مغاربيّة وفانك وجاز في «أسمى» إلى ذروة الأسطوانة وأطول مقطوعاتها «سماعي سعيد»، التي يستوحي فيها والده بقالب السّماعي، مثبتاً ـــــ من دون استعراض ـــــ تمكّنه من تغليب الصمت على الحرفة… وانتهاءً بمحاولاته الوصول إلى أغنية شعبيّة بكلمات أبو غوش نفسه، وصوت تامر أبو غزالة. هنا يصل صوت أبو غزالة، وخاصةً في «مشتاق»، إلى مرحلة الترتيل.

باختصار، يمثّل يعقوب أبو غوش الحالة العمّانيّة بكل هدوئها وتطرّفها ومحاولاتها لاستيعاب الآخر. ساعده على ذلك اقترابه من الجيل الموسيقيّ الجديد والعمل معه إنتاجاً وعزفاً، واستيعابه إرثاً موسيقيّاً، ومزجه كل ذلك في الضجيج العمّانيّ.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية