عن وحدة الضفتين والمناهج الدراسية

الإثنين 27 حزيران 2011

في نهاية الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة حول الوحدة بين الضفتين الغربية والشرقية، قال نجل الشهيد محمد الحنيطي الذي استشهد في حرب عام 1948 أن القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعا، وأن من يقول غير ذلك فكأنه “يخون دماء الشهداء”.

تحدث الوثائقي الذي حمل عنوان “الضفتان توأمان” عن تفاصيل العلاقة الأردنية الفلسطينية، والتي أحسب أن من وضع مناهجنا الدراسية فضل عدم الخوض فيها حتى يضمن أن تتكون لنا هوية سليمة لا تعاني من الانفصام، ولكنه حتما فشل في مهمته بدليل أزمة الهوية التي تعرقل أو تستخدم لعرقلة مسيرتنا. حتى لا يضع أجوبة للأسئلة الملحة في مرحلة مبكرة، تركنا مقرر المنهاج نبحث وحدنا عن أجوبة قانونية وتاريخية، نملأها من حيث شئنا، من الكتب الأجنبية، من الأجيال المتعصبة، من الحقائق المغلوطة والمتناقضة، لدينا العديد من الخيارات الا مدارسنا!

التفسير الآخر هو أن المكلف بالمهمة لم يعرف كيف يعرض قصة هوية بهذه التفاصيل، فلا هي بدأت بوحدة الضفتين ولا انتهت بقرار فك الارتباط الذي اتخذ عام 1988، وذلك باعتراف رئيس الوزراء معروف البخيت نفسه، حيث علق وشرح أن القرار اعتبر من كان مقيما على أراضي المملكة الأردنية الهاشمية في ذلك التاريخ أردنيا ومن كان مقيما على أراضي الضفة الغربية فهو فلسطيني، ولكن القرار، بحسب البخيت، ترك الكثير من الحالات من دون تصنيف قانوني واضح، لأنه تناسى الحالات التي كانت تقطن خارج المملكة في ذلك التاريخ وكانت تقيم في الضفتين، وهو “أمر مؤلم أشبه بمقص الخياط” اشارة إلى العائلات التي ستتمزق وتمزق “النسيج” معها.

عند صدور القرار الشهير والذي تطالب اليوم قوى عديدة بدسترته، كان رئيس الديوان الملكي السابق عدنان أبو عودة يلفت انتباه الملك الراحل الحسين إلى احتمال أن يفهم من القرار أنه انتقاص لمواطنة الأردنيين من أصل فلسطيني، فرد الملك وقتها “أعوذ بالله”، ثم أضيفت العبارة التي تبين ومن دون أي لبس أن القرار لا يتصل بالمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني المقيمين على أراضي المملكة الهاشمية، كان هذا قبل 23 عاما، وما زال الكلام يكتنفه الغموض فلا زلنا نخرج بمبادرات لإحياء هذه العبارة بالتحديد ومحاولات لشرح العبارة التي أريد لها أن تكون واضحة بلا لبس فتطلبت بعد ذلك الكثير من الشرح والتفسير.

لا شك بأن محاولة توحيد الضفتين لم تكن سلسة وقد واجهت معارضة من قبل العديد من الأطراف، لا سيما الطرف الفلسطيني الممثل بحكومة عموم فلسطين، والتي نشأت لهذه الغاية ولاحباط انضمام الضفة الغربية للأردن، الا انها فشلت في منع الوحدة، كما أوصت العديد من المؤتمرات وأبرزها مؤتمر أريحا بتوحيد الضفتين.

من المهم أن نتعلم عن مؤتمر أم قيس الذي رفض فيه المؤتمرون الوحدة مع فلسطين في وقت مبكر أي في عام 1920، وكانوا يصرون على ابراز الانفصال خشية أن تتعامل بريطانيا مع الكيانين بمعيار واحد وتخضع الاثنين لوعد بلفور تماما كما يجب أن نتعلم عن مؤتمر قم الذي دعا إلى الدفاع عن فلسطين ولم يعتبرها كيانا منفصلا، فإخفاء الحقائق أو انتقاؤها لا يخدم أحدا!

اذا كان “مفصل” المناهج خشي أن يجرح مشاعرنا واستفزازنا بالتطرق للحساسيات المفرطة، فقد فشل أيضا في تشكيل الهوية الواحدة القائمة على المواطنة والمساواة. فأين هي قصص الوحدة في مناهجنا التي لا تحكي بعبارات انشائية لا معنى لها؟

أين هي قصة يعقوب زيادين، الذي لا يزال هو الشاهد الأقوى لدحض فكرة المشاركة السياسية على أساس الأصل؟ تناسى أيضا صاحبنا مصمم المنهج قصة ابن الكرك الذي كان يعمل في القدس وترشح عنها في زمن انتخابات حرة، ومثل أبناء القدس في الدائرة الثالثة وعبر عن ذلك بفخر حين قال “لم أشعر أنني غريب عنهم”. يشترك الكثيرون مع زيادين في الفكرة، وهم السياسيون الذين انتخبوا لفكرهم وليس أصلهم ولكننا نجهل وجودهم.

ثم نأتي على الفصل الأسود المعروف بـ”أيلول الأسود”، اذ لا نزال نعتقد بأن مرور الكرام أو تجاهل الموضوع تماما هو ما سيمحيه من الذاكرة. ولكن هذا الافتراض ثبت فشله أيضا، فلا زلنا نجد من يريد أن يحيي ذكرى أيلول الأسود في كل عام بالتذكير بحقائق مغلوطة، ولا نجد ما يقابلها في غياب المصدر البديل. لم تكن حرب أيلول حربا أهلية بين الشرق أردنيين والفلسطينيين كما يراد لنا أن نعتقد، وبحسب قول الباحث محمد المصري في الوثائقي “فقد كانت صداما بين مشروعين سياسيين وليست حربا أهلية”، ويشاطره الرأي الكثيرون الذين يستشهدون بوجود “أردنيين وفلسطينيين في الجيش، ووجود أردنيين وفلسطينيين في صفوف المنظمات الفدائية أيضا” مما يسقط عنها حكما تهمة “الحرب الأهلية”، فلماذا لا نعلم حتى لا نصدق الحاقد أيا كان؟

من العبارات الأخرى التي استوقفتني في الوثائقي قول الرئيس البخيت أنه يعرف “الكثيرين من العاملين في سلك الشرطة الفلسطيني بحكم الزمالة السابقة في الجيش الأردني”، ولا أعلم ان كنا نحتاج لشهادات مماثلة حتى نملأ فراغ مناهجنا.

يستوقفني أيضا، وليس في هذا الوثائقي بالذات، أن جميع المحاولات التي تفسر العلاقة الأردنية الفلسطينية تتطرق للوحدة، الحروب العربية الاسرائيلية، موجات اللاجئين، بروز منظمة التحرير الفلسطينية، مؤتمر الرباط، قرار فك الارتباط ومن ثم الانفصال، وتمطرنا هذه المحاولات بذكر المواقف الفلسطينية المناهضة للوحدة والتي تحلم بدولة مستقلة، وفترات الشد والجذب بين القيادة الأردنية والقيادة الفلسطينية الانفصالية، ثم يطل علينا استطلاع رأي نفذ في عام 1995 بنتائج مدهشة، فبعد أن يتهيأ القارئ أو المستمع للانفصال وحتميته، يذكر الاستطلاع أن أغلب أفراد العينة من الشعبين تؤيد الوحدة بين الضفتين ولا تتفق مع رأي القيادات السياسية بالضرورة.

هل هذه الحقائق تكفي لاقناع صانع المنهاج بأهمية ادراجها؟ وهل هي كافية لاقناع من يلح ويصر على أن أختار أن الخيار أصعب من مقطع واحد؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية