نهاية السياسة، وبداية عصر الحقوق

الإثنين 14 آذار 2011

بقلم: محمد يوسف – ناشط شبابي

في محاولته للالتفاف على الثورة المصرية، وكّل الرئيس السابق لمصر حسني مبارك مدير جهاز المخابرات عمر سليمان لعقد حوارات مع الأطياف السياسية بهدف الحصول على تسوية. المحاولة فشلت في اجهاض الثورة وساهمت في الخروج إلى حقبة جديدة في العقود الاجتماعية للشعب المصري.

ربما تكون هي من المرات القليلة التي ساهم فيها العرب في تقديم مفهوم جديد لنظم المعاملات بين الأفراد والحكام. وفي حين كان الأنموذج المفضل عالميا هو النظام الديمقراطي الحزبي للتغيير عبر السياسة، فرض الشعب المصري رموزا أخرى للمعادلة. هذه الرموز أنهت ما يمكن تسميته بعصر السياسات الحزبية و بدأت ما يمكن تسميته و لو بصيغة مؤقتة بعصر او حقبة الحقوق.

لفهم التغيير، يجب توضيح بعض ظروف الوضع السابق في مصر والعالم:

• كانت الديمقراطية تعتبر وجود الأحزاب شرطا لتطور الحياة السياسية. و باختلاف المدارس السياسية (يسارية و يمينية)، كان الاتفاق على وجود الأحزاب كوسيلة لتمثيل الناس. التمثيل المقصود هو النيابة عن الناس في أمور حياتهم عبر تنفيذ برامج تلتقي مع أفكارهم و مواقفهم. رغم ذلك، تحولت الأحزاب إلى وسيلة لفرض ارادة النخب السياسية على الشعوب. في حالة الحزب الواحد شيوعيا، و الذي كان يمثل الشعب والنظام الحاكم في آن، أو في حالة الثنائية الحزبية في الولايات المتحدة، والتي تحصر اختيار الناس بين جهتين فقط، وصولا الى حالة التعدد الحزبي الذي يقوم على عقد التحالفات المناطقية والمرحلية كما هي الحالة في الكيان الصهيوني او في تركيا.

• البرامج الحزبية تنبثق بالضرورة باعترافها بالنظام السياسي القائم political ecosystem ، بمعنى: الاحزاب القائمة لا تتطلع عامة إلى خدمة مصالح الشعب، انما الى حصول على حصة اكبر في السلطة القائمة. و من ثم تقوم بتحوير السلطة بما يضمن بقائها على قمة الهرم.

• تم اهمال مفهوم الديمقراطية المباشرة و التي تعتمد على اختبار الشعب ضمن سياق الالتفاف على اختيارات الناس وبحجة صعوبة تطبيقها و تنفيذها.

ما الذي حدث:
في حالة الحوار مع عمر سليمان، مبعوث الرئيس السابق، كانت القوى المشاركة تعترف بالهيكلية السياسية القائمة، و كنتيجة، تحاول الحصول على اكبر حصة ممكنة من السلطة. فشل الحوار في تحقيق اهدافه لعدة امور:
• كانت حالة الوعي الشعبي المصري في اوجها بحيث كان من الصعب الالتفاف عليها عبر الاحزاب
• الأحزاب التي شاركت لم تستوعب هذا التغير في الوعي الشعبي, و عاملت الشعب اما كأعضاء سوف يتبعون قرارات القيادة الحزبية (الاخوان المسلمون) او مجموعات مصالح سوف ترهق و تنفض بعد حصولها على القليل (الوفد).

عموما، اللاتواصل بين الحالة الحزبية والشعبية كان عاملا مهما في نجاح الثورة المصرية. و من المهم هنا ان لا نتحدث فقط عن نتاج الحراك الشعبي، و انما عن الظروف التي اتاحت له التطور بهذا الزخم:

• التواصل الشعبي الواسع عبر وسائل الاتصال الحديث. شاهدنا في مناسبات عديدة اثناء وبعد الثورة المصرية سرعة اتخاذ قرار يعبر عن شريحة واسعة من فئات الشعب. سواء عبر التصويت في الفيس بوك او عبر النشر عبر تويتر. و بغض النظر عن الوسيلة، فإن التواصل الواسع كان محركا اعطى للثورة زخما واسعا.
• عدم ارتقاء الاحزاب إلى خطاب الحقوق الذي طرحه الشارع. و رغم ان المطالب التي رفعها الشارع رفعتها قلة من الاحزاب في اوقات مختلفة، الا انها كانت ضمن سياق المناورات السياسية. و شاهدنا كيف أن بعض الاحزاب التي رفعت شعار التغيير سارعت للحوار مع “الرجل النظيف و النزيه” كما وصفت عمر سليمان.
• تطور خطاب الحقوق، و تبسيطه في آن. الوعي الشبابي الذي قاد الثورة نجح في تبسيط رسالته بحيث تصل إلى جميع فئات المجتمع. التبسيط هذا لم يخرج الرسالة عن سياقها. وفي حين كان الخطاب في يوم 25 يناير “تغيير، حرية، عدالة اجتماعية،” وهي قيم يريدها كل مصري، لم تكن هناك حاجة لأكثر من يومين حتى يتضح بأن النظام القائم هو ما يقف بين مطالب الشعب و بينه، و من ثم جاء التطور المنطقي: الشعب يريد اسقاط النظام.

من هنا نبدأ:
الفشل الحالي في السياق النهضوي الأردني وفي خطاب التغيير جاء كنتيجة لعدة عوامل يمكن اصلاحها:
• الدفع من قبل الاعلام لاعادة الاحزاب الى الواجهة لتمارس دورها كعاقد للصفقات. والاهتمام الرسمي بالاحزاب لا يبدو اعتبارا منه لدورها النهضوي بقدر ما هو التفاف على مطالب الشارع. لم يتم ايجاد اي تسهيلات للعمل الحزبي الفعلي، و لا يزال التضييق على النشاط الحزبي الطلابي مستمرا مثلما حدث في جامعة اليرموك مؤخرا. في المقابل، هناك ابراز واضح للاحزاب كممثل للحراك الذي بدأ بعيدا عنها ولهثت فعليا حتى تلحق بزخمه.

• الخطاب الحقوقي في الاردن لم يتم توحيده وتبسيطه الى الآن. الشعب لا يريد اسقاط النظام ولا الحكومة. الشعب يريد الاصلاح. والحديث عن نتائج المطالب مثل الملكية الدستورية والحكومات المنتخبة، وإن كان صحيحا في ناحية التحليل، الا انه سابق لأوانه. الأهم أنه حل يطرح على الشعب وليس رغبة من الشعب. يجب اعادة بلورة خطاب الاصلاح في الأردن: وحدة وطنية بين كافة اطياف الشعب، عدالة في كافة الجوانب بين كافة الأفراد، و تمثيل حقيقي لكافة مكونات الشعب.

• الاهتمام بمطالب النخب بدلا من مطالب الشعب. و باختلاف النخب ومطالبها (اقتصادية اشتراكية في حالة اليسار الاجتماعي، انتهازية عنصرية في حالة الحركة الوطنية الأردنية، مشاركة في الحكم في حالة الاخوان) فهذه النخب لا تمثل بشكل عام مطالب الشعب. لا يوجد هناك حوار عن الحد الأدنى للأجور وحقوق العمال. الأدهى انه لا يوجد اهتمام بالاضرابات العمالية التي تنتشر في مختلف انحاء الأردن. ويبقى نقاش المطالب محصورا في هاش تاج في الفضاء الالكتروني او ما يعادله في الواقع العملي (مجمع النقابات المهنية).

• محاولة استنساخ التحركات الشعبية العربية دون اهتمام فعلي بمحلية الحراك. المسيرات او الاعتصامات و ان كانت الاكثر رواجا الا انها تبقى احدى الوسائل. اعلان الساحة الهاشمية مثلا كمنطقة حرة للحديث هي تحرك سوف يدمج فئات اكبر من الشارع و سوف يلقى رمزية مهمة. ايضا التوعية في الجامعات والمؤسسات. الاعلام دوره فاعل جدا في الحراك السلمي.

الحراك الاردني يعد بالكثير، و الأردن على ما يحتويه من مشاكل يحمل الوعود الكبيرة للإصلاح. المهم ان تأتي هذه المطالب من الشارع بدلا من دهاليز السياسة. آن الأوان لوضع حد لعصر السياسات المبنية على الديكورات الحزبية و بدء مرحلة المطلبية الشعبية. المطلبيه التي تعنى بتحقيق العدالة والاصلاح والمساواة ولا تعني المعارضة المطلقة لكل ما هو قائم، و انما البحث عن وسائل و طرق لبناء المجتمع يحترم هذه القيم و يناضل من أجل تحقيقها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية