إصلاح حركة الإصلاح في الأردن

الإثنين 28 شباط 2011

 

رغم تأييدي الشديد وحماسي لما كان وما يزال يجري في الدول العربية عموماً، وفي تونس ومصر على وجه الخصوص، فأنني لم أكن مهتماً للمظاهرات التي كانت تجري بالأردن، بل حتى وجدتها كوميدية أكثر منها مطالب إصلاح جادة تستدعي التظاهر لسبب واحد بسيط وهو أن الشعار الرئيسي لهذه المظاهرات كان إسقاط الحكومة. في البداية كانت حكومة الرفاعي، وذهبت حكومة الرفاعي. ثم قبل أن تباشر حكومة البخيت أعمالها بدأت المطالبات بإسقاطها. ولو جاءت حكومة عبد السميع بعدها لخرج المتظاهرون بالمطالبة بإسقاط حكومة عبد السميع. و كأن المطلوب العيش بدوامة مستمرة من تشكيل حكومات و المطالبة بإسقاط تلك الحكومات. و لذلك كنت أقول دائماً أن ليث شبيلات هو المعارض الحقيقي الوحيد بالأردن.

ما جعلني أغير رأي و أنضم لتظاهرات الجمعة الفائت كان أمرين:

1. أنني وقبل مظاهرات الجمعة بستة أيام بدأت لأول مرة أسمع بشعارات إصلاح جدية مثل ملكية دستورية وحكومة منتخبة جعلتني أشعر أن هناك مطالب إصلاح حقيقية وليست مسرحية إسقاط الحكومة.

2. السبب الثاني، و هو الذي أعتقد أنه دفع أخرين غيري كذلك للانضمام للمظاهرات (والدليل أنها إنتقلت من بضع مئات من الأشخاص، كما قال من حضرها، إلى عشرات الألاف)، هو هجوم البلطجية على مسيرة مسالمة. و هذا شكل عندي (و على ما يبدو عن الكثيرين غيري) نوع من التحدي لسياسة التخويف التي لم تعد مقبولة أو مسكوت عنها، و لكن يبدو أن من أرسلهم لم يفهم أن الشعوب العربية ما بعد تونس ليست هي نفسها ما قبل تونس.
ذهبت إلى إحتفالية يوم الخميس التي أقامتها اللجنة المنظمة متأخراً لعدم رغبتي بسماع الأغاني الوطنية و اليسارية التي سئمت منها، آملاً ببعض الوقت مع المنظمين لأفهم منهم بعض الأمور في ما هو مخطط ليوم الجمعة، و مساعدتهم إذا إحتاجوا للمساعدة.

لدى وصولي فوجئت بمجموعة تغني أغاني لتحرير غزة، ووقتها بدأ شعوري بالإحباط. ما دخل غزة بمطالب إصلاحية أردنية بحتة؟ ألم نتعلم من أخواننا المصريين كيف كان هناك تركيز بمطالبهم حتى نالوا ما يريدون؟ و حتى لا يفهمني من لا يعرفني خطأ، فقد كنا نجمع التبرعات ونساعد في تنظيم المساعدات لغزة ونعمل حملات توعية للعالم أجمع عن ما يجري هناك، في الوقت الذي كان معظم هؤلاء يرددون الشعارات التي لا تسمن أو تغني من جوع و يدبكون على أنغام الأغاني الوطنية. لكننا الآن أردنيون ننادي بمطالب أردنية وطنية بحتة لإصلاح بلدنا، ولا علاقة لغزة أو فلسطين بما نتظاهر من أجله.

الأمر الثاني الذي زاد إحباطي هو عندما تكلمت مع ممثلي الحراك الشبابي، إحدى الجهات المنظمة للمظاهرة، و قال لي أنه لا يهتم كثيراً بمطالب الملكية الدستورية، وذكر لي شعاراتهم والتي كان واضحاً أنها تنطلق من أيديولجية إشتراكية (مثل رفض الخصخصة)، و إن أنكر أنها مطالب إشتراكية. رفضي لهكذا مطالب لا ينبع من كوني مؤمن بالرأسمالية طوال حياتي ومعادي للإشتراكية، بل من أن هذه الشعارات هي برنامج إنتخابي لحزب يسعى لتشكيل حكومة، و ليس مطالب ترفع بمظاهرات. ففي دولة ديمقراطية حقيقية، تنتظر الإنتخابات و تنزل بتلك الشعارات، وإذا اقتنع الشعب بها انتخبك على أساسها، ثم تشكل حكومة لتطبيق هذه الشعارات أو غيرها. المشكلة الرئيسية بالأردن أن الحكومة معينة و ليست منتخبة، و قانون الانتخاب لا يمثل الشعب الأردني تمثيلاً حقيقياً، و هذا ما يجب أن تنادي به مطالب الإصلاح الآن ليتمكن اليساريون وغيرهم من النزول إلى الإنتخابات بشعاراتهم تلك و إقناع الشعب أن مصلحته بها لإنتخابهم وتشكيل حكومة تطبق هذه الشعارات.

ومع هذا كله، و حتى لا أكون متسرعاً بحكمي، نزلت يوم الجمعة و كنا من أوائل المنتظرين في ساحة الجامع الحسني. خلال المسيرة، للأسف، كان الوضع أشد فوضى في الشعارات. ما عدا بعض الشعارات الإصلاحية الحقيقة التي تم المناداة بها (مثل الشعب يريد تعديل الدستور، والتركيز أنها مطالب الأردنيين كلهم من “المخيم و العشيرة” ومطالب المواطن ورجل الأمن والجيش)، فإن الكثير من الشعارات كانت لا علاقة لها بمطالب إصلاح النظام. فما دخل إلغاء معاهدة وادي عربة الآن؟ وأليس واقعياً أكثر أن نهتم بإصلاح بلدنا أول قبل أن ننادي “بالوحدة العربية”؟ اتفاقية السلام ووجود السفير من عدمه يمكن، كما ذكرت سابقاً، رفعها كجزء من برنامج إنتخابي عندما يتم إنشاء نظام ديمقراطي كامل، و ليس هذا وقتها. عندما حاولت بعض القنواة الأجنبية الصيد في الماء العكر أيام الثورة المصرية محاولة إيجاد شعارات ضد أمريكا أو إسرائيل، لم تجد. هل هذا لأن الشعب المصري واقع بغرام إسرائيل؟ طبعاً لا. بل لأن المنظمين أذكياء و عرفوا كيف يركزون كل جهدهم و مطالبهم بمطالب إصلاحية واضحة. أما في وسط مظاهراتنا رأيت من سموا الدقامسة “رمز ثورتنا”! ما علاقة الدقامسة (اختلفنا أم اتفقنا مع ما فعل) بمطالبنا ذاك اليوم؟ الدقامسة جندي نظامي خالف القوانين و التعليمات، ومظاهراتنا كانت للإصلاح الديمقراطي. بلغ الأمر ذروته عندما بدأ من يصيح بالشعارات بالهتاف للمجرم الدكتاتور صدام. ما هذا النفاق لتنادي بدكتاتور قتل و اضطهد شعبه، ثم بعد لحظات تندد بأخر مثله وهو القذافي؟ في تلك اللحظات فكرت بكتابة هذا المقال تحت عنوان “لماذا لا يوجد أمل بإصلاح حقيقي بالأردن”.

هذا كله تغير واستعدت بعضاً من ثقتي بالإصلاح عندما توقفت المسيرة وبدأ السيد عبد الهادي الفلاحات، نقيب المهندسين الزراعيين، بقراءة البيان للنقاط الرئيسية للإصلاح متحدثاً باسم النقابات المهنية، والتي بدت متطابقة مع ما أعتبره مفهوم الإصلاح الحقيقي الذي ينطلق منه كل شيء أخر.
حتى لا أكون ممن ينتقدون فقط، رغم أن النقد جزء من الحل، سأذكر ما أراه حلول لإبقاء حركة الإصلاح قوية ومستمرة حتى الوصول إلى أهدافها.
أولاً، توحيد الأهداف و الشعارات:

1. قانون إنتخاب يساوي بين جميع الأردنيين على إختلاف أصولهم و منابتهم. ما يتحدث به الناس طول الوقت بين بعضهم و يحرك دوافعهم السياسية وما لا يتحدثون به للعلن معروف بالأردن، هو التخويف. ليس التخويف من الحكومة، بل تخويف الأردنيين من بعضهم البعض. لن أبالغ إن قلت أنني فعلاً ولأول مرة منذ العشرين سنة التي قضيتها هنا منذ أن جئنا من الكويت أحس بإنتماء حقيقي للأردن، و ليس فقط إنتماء سياسي. لقد سمعت كغيري كفايتي من عبارات “من أي بلد إنتا” و “إنتو ضيوف هون” و غيرها الكثير الكثير التي تدفعني في كل لحظة أسمعها للشعور أنني فعلاً ضيف بصفة مواطن. لأول مرة في هذه المسيرة كنت أقف أنا الأردني من أصل فلسطيني بجانب الأردني من أصل عشائري نهتف من أجل إصلاح بلدنا الأردن، لا تقتلوا هذا الشعور بالعودة إلى سياسات التخويف من الآخر المقيتة التي دمرت مجتمعنا واستغلت لتبرير الكثير من الأخطاء التي وقعت بالبلد. إن كانت الشعوب تقوم بثورات على أنظمتها فإننا يجب أن نقوم بثورة على هذه التقافة في السياسة. من أنتخبه سأنتخبه على أساس برنامجه الإنتخابي ومدى فعالية هذا البرنامج للبلد، و ليس على أساس أسم عائلته. بدون هكذا قانون إنتخابي لن يوجد أي إصلاح و لن ينفع أي مطلب بعده. و هنا يجب أن أشير إلى كلمة سمعتها تتكرر هنا وهناك، و هي “التوازن الديمغرافي” عند الحديث عن قانون الإنتخاب، و كأن المطلوب أن ندخل في كهف التفرقة المظلم الذي لا يستطيع لبنان أن يخرج منه حتى الأن و دخله العراق بعده. كلنا مواطنون لا تفرقة بيننا من عرق أو أصل أو دين.

2. تعديل الدستور و القوانين بما يكفل للبرلمان المنتخب تشكيل الحكومة وتطبيق ملكية دستورية.
3. حل البرلمان الحالي و عمل إنتخبات طبقاٌ لقانون الإنتخاب الجديد.
4. استقالة الحكومة و تأسيس حكومة جديدة من البرلمان المنتخب.

و كل الأمور الأخرى مثل محاربة الفساد و إعادة صياغة معاهدة وادي عربة ستتم عبر الحكومة الجديدة المنتخبة.

ثانياً، مسائل تنظيمية و إعلامية:

1. التسميات: عندما سمعت أن هذه المسيرة هي “يوم الغضب السابع” استغربت، لأنه:
أ- أين “أيام الغضب” الستة الماضية؟ أليس من المنطق إن كانت أيام غضب كما تشير التسمية أن نكون على الأقل سمعنا بها خارج الدوائر الحزبية الضيقة؟ هذا وأنا أعرف بعض المنظمين وهم موجودون عندي على الفيسبوك، فما بالك بأغلبية مواطني الأردن؟

ب- كلمة “غضب” تطلق مرة واحدة بعد أن تجمع الناس و تبدأ أعدادهم بالتزايد يوماً بعد يوم وتبدأ بالتصعيد حتى تنتهي بيوم الغضب، و لا تطلق على كل مظاهرة يوم غضب حتى تفقد معناها.

ج- مسألة الترقيم تفقد الأمور أهميتها. فعندما تبدأ بتعداد “أيام الغضب” بالأول و الثاني إلخ، يبدأ الناس بفقدان الإهتمام بالموضوع، و هذا فعلاً ما كان يحدث لحركة الإحتجاج التي كانت تتضائل بسبب سوء التنظيم إلى أن جاءت حادثة البلطجية المفاجئة التي جلبت أعداد كبيرة لمسيرة الجمعة الفائتة.

طبقاً لمعرفتي باليساريين، سيجدون هذه الأمور مضحكة. بل سيهزؤون لو كلمتهم بمصلحات مثل “ماركتنغ” أو “براندينغ”، ولكن هذا هو الواقع وهكذا يفكر العقل البشري. و هكذا استخدم المصريون المصطلحات بذكاء فأثارت المشاعر وحركت الناس ونجحت باستقطاب أعداد أكبر كل مرة حتى النهاية.

2. الأعلام الأعلام الأعلام: ما يزال اليسار، الشيوعي و حشد هذه المرة، يصرون على رفع أعلامهم للدلالة على وجودهم، كأنهم يخافون إن لم يرفعوا أعلامهم أن يظن الناس أنهم انقرضوا. الرجاء عدم رفع أي علم غير العلم الأردني، فأعتقد أن الناس الأن رأت الصور و الفيديو من المرات السابقة و عرفوا أنكم موجودين و سيتوافدون للتسجيل بحزبكم عما قريب.

3. عمل حملة واضحة لإيصال الصوت لأولئك الذين ما يزالوا يعتقدون حتى اليوم أن المظاهرات ضد الملك، و إفهامهم أن المظاهرات ليست ضد الملك، بل للعمل مع الملك لأردن عصري حديث.

4. لا بد أن هناك الكثيرين ممن يريدون الانضمام لمظاهرات الإصلاح من الجنوب والشمال والمحافظات الأخرى، فيا ريت ممن لديه القدرة أن يوفر باصات لنقلهم إلى الجامع الحسيني يوم الجمعة.

5. عمل حشد إعلامي كبير لتصل لمظاهرة مليونية. فرغم أنه بقي خمس أيام للجمعة لم أسمع شيء حتى الأن عن مظاهرات الجمعة القادمة. فكالعادة، المعارضة الأردنية عاملة زي البنت اللي شايفة حالها، ما بدها تسمع نقد وبتحكي اللي بدو إياني يجيني. يا ريت بلاش من هالحكي هل مرة.
وشكراً.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية