حكايات من اللويبدة

الأربعاء 14 نيسان 2010

بقلم ريما الصيفي

قلة هي الأماكن التي عندما تطأ قدمك أرضها تشعرك  بالثبات والألفة. كنت دائما على يقين أن عمان غاليتي لن تشعرني بغربة في أحضانها …قد تمر أيام غضب وجفاء …لكن في كل مرة لا تطول. كان  الغضب هذه المرة  من انكار بعض أهلها (بعض أهلي) انتمائي لها لأصولي القادمة من غرب النهر ..هذا النهر الذي يطوي مواجع واحلام شعب فرقته حدود.  لقد ولدت قي عمان كبرت في عمان وأعمل في عمان هنا تكبر أحلام اولادي …وهنا يكبر خوفي عليهم .

weibdeh02

كان ملتقانا السبت الماضي في مقر جمعية أصدقاء اللويبدة قرب مسرح عمون في نشاط نظمتة “همزة وصل” مع جمعية أصدقاء جبل اللويبدة وحبر لجمع حكايا من جبل اللويبدة ووضع  معالمه على خريطة  Google، بعد التعارف والتعريف بالجمعية وأهداف اللقاء، انقسمنا الى ثلاث مجموعات  تضم كل مجموعة فتى من فتيان مدرسة ضرار ابن الأزور واثنين أخرين من فريق حبر ممن أرادوا التعرف أكثر على هذا الجبل العريق . كانت مهمتنا الاجابة عن الاسئلة وإيجاد معالم في خريطة كنز اللويبدة وكانت وسيلتنا لذلك سؤال أهل المنطقة.

ضمت مجموعتنا ثلاثة من أصول مخنلفة (مادبا ونابلس والشام)  يجمعنا انتماء واحد لعمان. كان لكل منا تصور خاص لجبل اللويبدة بيد أننا نتفق على أن في جعبته الكثير من القصص …

mohd & lina

كان مرشدنا في هذه الجولة محمد سواس :فتى في الصف السابع من سكان اللويبدة، أسمر ظريف الطلة ذا عينين بنيتين تتقد ذكاء …نشط و متحدث لا يكل…بين الفينة و الأخرى يطلق عبارة دعائية أو تعليق دارج من تعليقات التلفاز تشعر كأنك تقلب قنوات التلفاز “Ya Welcome” …”أيوه يا وديع”. يخبرنا أنه ألف قصة بعنوان “أخي الصغير” وأحداثها بالأدغال، و يخبرنا عن قصص الأماكن …و يسجل بمهارة المقابلات ..ولا يتوارع عن تسلق سور عالي لأخذ صورة لمكان في الخارطة باستخدام كاميرة محترفين.. ينبئ عن مستقبل واعد في الصحافة. يقول أن “الصحفي انسان مش عادي ” …اللويبدة حارته .

يدفعنا بحثنا لسؤال الناس في الطريق …وأمام البيوت …وحتى طرق أبواب بعضها … ومن أهل اللويبدة الذين أثلجت صدورنا أحاديثهم ودفئ لقياهم السيد أسامة اليوسف أمام ملحمة وهبة. أخبرنا أنه كان من سكان اللويبدة  لكنه انتقل الى بيت تمليك قبل عشر سنوات ولكنه ما زال يشتري من هنا اللحمة لنظافة المحل و أمانته …وأنه رغم مرور الوقت لكنه لا يزال يحن للويبدة الحي الهادئ.

أما السيد تيسير عميرة فقد حدثنا كيف استعانت عمان بخبراء من مدرسة البوليتكنيك في فلسطين لضخ المياه من سقف السيل الى الدوار الأول و دوار الحاووز (الاسم القديم لساحة باريس )…وكانت المياه تفيض حتى يصرخ شخص من اعلى الجبل لاسفله كيف يوقف المضخة. كما أنه أضاف أن بلاد الشام كانت في السابق بلادا واحدة  وان الناس كانت تنتقل من مكان الى أخر طلبا لقوت يومها …كسائق التكسي القادم من إربد ويعمل بالعقبة طلبا للرزق …ويستدرك “لما كنا صغار …كنا  اخوان بنتقاتل ونتزاعل بينتنا …هلأ كبرنا وبطلنا…البلاد العربية هي في هدي المرحلة لسا ما كبرت” عاد السيد عميرة لحديقته واستكمل قراءة كتابه عن تاريخ الأردن .

weibdeh09أبو أنطون وأم أنطون شحادة …زوجان تحمل ملامحهما  طيبة هذه الأرض وتعبها …وتنقل اليك كلماتهم الانتماء لهذا البلد وعتابهم له  كما يقول المثل “العتب على قدر المحبة “….فها هو أبو أنطون يقول لنا “أنا من مواليد القدس وخدمت في الجيش طول عمري” ….تقول لي أم انطون السلطية  “هيكم بتقربوا لبعض “…يقول لها أبو أنطون “البلد الي بولد فيه الواحد هوه بلده”…يشكيان الأمانة وحاويات القمامة خلف مبنى الميتسوبيشي ..التي انزلقت احداها مرة واصطدمت بسيارة من السيارات المصطفة هناك، وتشكل تهديد مستمرا لعدم ثباتها نظرا لموقعها على منحدر بالاضافة الى تأخر الأمانة في إفراغها ممايتسبب بانتشار الرائحة الكريهة و تسرب الزيوت على الشارع. يدعوانا الى اخذ ضيافة العيد في منزلهم. في هذا المنزل نجد مفاجأت بانتظارنا: هذه أول مرة أرى شجرة عيد فصح  يعلق عليها بيض مزين من ابتكار أم انطون وتضيء الشجرة مصابيح العيد… نشرب قهوة العيد و نأكل المعمول، ونتأمل احواض السمك الثلاثة في غرفة الضيوف …يدخل أبو أنطون علينا بصندوق بجوارير و زينة داخل فاترينات الزجاج على جنبيه  يشبه صندوق الخشب، يقول أنها هوايته، وأن الصندوق مصنوع من الورق المقوى.

قرب بيت شحادة يقع بيت له مكانه في مسيرة الأردن السياسية، هو بيت سليمان النابلسي رئيس وزراء الأردن. كانت حقبة النابلسي في الخمسينات من أكثر الفترات تقلبا وزخما. كانت الأحزاب الأردنية صاحبة حضور قوي على الساحة السياسية، وكان النابلسي قد تعرض لأكثر من مرة للاقامة الجبرية لاعتقاداته السياسية الموالية لعبد الناصر، وكانت الدبابات تعسكر في الساحة المقابلة لمنزله. الأن أصبحت هذه الساحة عمارة تعج بها الحياة. فالأردن يستمر و يمضي لعلنا  نتعلم من اخطائنا …ليكبر فينا.

weibdeh11 نستمر في طريقنا لنلتقي بصاحب مخيطة الحمصي، ابن اللويبدة، و يخبرنا عن ذكرياته وكيف أن اللويبدة كانت تمتد من أسفل ساحة باريس الى أعلى متنزه اللويبدة، الذي كان بستان توت و تين، وعن مغامرات الطفولة في سطو هذا البستان. “كانت اللويبدة قرية صغيرة …كنا نلعب مع أولاد النابلسي و الرفاعي .” وأخبرنا كيف أنه اختار هذه المهنة تشبها بخاله “كان الكشتوبان في اصبع خالي بسحرني” وأنه كان يفصل بدلات والان لانتشار الجاهز اقتصر عمله على التصليح، لكنه يقوم باصلاح الملابس بحرفية عالية لأن أصله خياط. بدأ عمله منذ كان في الخامسة عشرة من عمره في البلد، و الأن اصبح عمر محله في اللويبدة 36 عاما. سألناه هل أعطته المهنة قال ” اذا ما بتغني بتستر ..وأعطتني حب الناس.”

ربما لم يسعفنا الوقت لحل أسئلة خارطة الكنز …لكننا وجدنا أكثر مما تصورنا، لقد وجدنا دفئا و رسوخا وقيما وانتماء أريد لأبنائي أن يكبروا عليه. قد تقسوا علينا …قد نغضب منها …قد تجافينا ونجافيها ..لكنها تعود وتصالحنا  نصالحها …فلها علينا الكثير …

View Stories of Jabal alLweibdeh in a larger map

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية