الطفل المعجزة

الأحد 26 تموز 2009


بقلم: معتز العواملة

كان صباح يوم جمعة أو هذا هو تحليلي بما أنا كنا نتاول الفطار كاملي العدد، اذكر ذلك اليوم مثل الأمس وربما اذكره أكثر من ألأمس فقد غير هذا اليوم وجه مستقبلي. ما تبقى لي من هذه الذاكرة هو بضع صور في مخيلتي وكثير من الكلام وفيض من الحيرة.

كنت طفلا لا يتجاوز عمري الخمسة سنوات، أو حسب تحليلي بما أن الصور تأخذني الى بيتنا القديم على جبل في قرية من قرى السلط. كان والداي يتحدثان بالسياسة كحديث عابر بين خليلين، وعندها سألتهما مقاطعا حديثهما عن هل هو صحيح أن الأردن أقوى دولة بالعالم والعرب أقوى قوة؟ ما زلت أذكر نظرة الدهشة في وجهي أبي الشاب والاستهجان في محيا أمي الجميل، وأذكر نظراتهم لبعضهم البعض التي كانت تشرح حال الموقف، فهذا سؤال خطير والاجابة عليه أخطر، رد أبي قائلا لا! ثم نظرت الى أمي واذكرها توميء لي بالنفي، ثم استطرد أبي قائلا نحن في مصاف الأمم المتخلفة، فدهشت وقالت أمي نحن خسرنا كل معاركنا! فصعقت، وقلت لهم بل نعم، سوريا تملك طائرات حديثة والأردن  لديها دبابات قوية والعراق لديه كيماوي، وكانت انذاك معلوماتي تقتصر على متابعة برنامح العين الساهرة على قناة عمان الأولى وحماة الديار على فناة سوريا عن طريق الهوائي السحري المصنوع من علاقة ملابس.

كبرت وشبيت وما زال ذالك اليوم محفورا بذاكرتي كنقش البتراء في صلب صخور البراكين، كبرت وما زال ذلك الطفل الذي يرفض مر الواقع يعيش بداخلي، ما اعند هذا الطفل؟! كل الصور المؤلمة والأخبار المحزنة والدلالت تؤكد له صحة ما قال له والداه، كل التاريخ المعاصر الذي قرأ عنه مليء بالعبارات التي تدل على الانهزام، النكبة النكسة المذبحة الأحتلال الاغتصاب وعلى مدى ستين عاما ومازال يصبح ويمس على هذه العبارات. يرفض بتعنت الأطفال، ما اعنده؟!

اليوم وقد اصبحت في ربيع عمري اتسائل عن ماهية هذا الطفل؟ من اين ياخذ صلابته وثباته عند رأيه؟ من أين يستمد قوته؟ ثم اتسائل لماذا يفتخر بعروبته ويصر عليها؟ كل ما اتتني لحظة ضعف تمنيت فيها لو ولدت أمريكي حتى أستطيع ان اباهي بنفسي وجدته واقفا لي بالمرصاد يرمقني بعينية المليئتين بالأنتماء وينهال علي بالاف الحجج القوية، فتارة يقول لي انت ابن حضارة حكمت العالم اربعة عشر قرنا من اندونسيا الى قلب اوروبا، وتارة يقول لي كل الأديان ولدت حيثما ولدت، وتارة يقول انت ابن الذين باهوا العالم بالليل والرمح والقرطاس، انت أبن بيوت العز والكرم انت ابن الضيافة والجود والأصالة، انت ابن صدق ابو بكر و كرم عثمان وعدل عمر وفروسية خالد، ثم ينظر لي بعيني ليكسرها ويختم قائلا انت من تكلم القران وأهل الجنة بلغتك فقل لي بأي عقل تتكلم…أوتظن ان التاريخ سنة او مئة سنة، ثم يقترب الي ليجهز علي بعد أن انهرت ويضع يده الصغيرة على كتفي مطمئنا ويقول: لا عليك انها استراحة محارب، لا عليك فلكل جواد كبوة وماطال الليل الا وانسلخ عنه النهار.هذا الطفل على صغر سنة الا أنه هو من يحكمني، هو من يربطني بوطني وأرضي وقضيتي، هو من يجعلني أخلص بعملي واصدق بحديثي واتلطف بتعاملي و اتعامل بأصلي حتى اعكس ابهى صورة عن عروبتي، هذا الطفل يعرف مصلحتي أكثر مني فاليوم اعلن ان سلمت له الرايه وملكته امري.

لا تستهجنوني أو تقولوا عني مجنون فأكاد أجزم ان هذا الطفل المعجزة موجود داخل كل واحد منا وهو أيضا يحكمكم ويلجمكم كما يلجمني، وهو أيضا بليغ ومتباه بنفسة، أنصحكم ولا أريد منكم جمالا أن لا توئدوه، أن تدعوه يسرح ويمرح في مخيلتكم وان تخرجوه من اعماق عقولكم الى العالم الخارجي ليراه الناس.

سؤال واحد بقي يحيرني…ماذا سأقول لابني عندما يسالني نفس السؤال الذي خلق هذا الطفل بداخلي؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية